جعفر رجب / تحت الحزام / قطار الشرق السريع

تصغير
تكبير
في ليلة الجمعة الفائتة اتصل بي صديقي، «الحق علينا، فصاحبنا في المستشفى»! ذهبت معه، مررنا على غرف المستشفى بحثا عنه، فوجدنا جمعاً من الناس، اعلامين، وكتاباً، ورياضيين، وفنانين، ونواب امة، ووزراء، ووكلاء وازرة، وموظفين... فعرفت انها غرفته!

دخلت عليه الغرفة، كان مجبسا، من رأسه حتى أخمص قدميه، سألت عنه الطبيب، فهز رأسه، وقال حالته مستقرة حاليا، هو يعاني من انسداد شرايين القلب، وتليف الكبد، وكسور في الحوض والساقين واليدين والراس، ويعاني من ارتفاع السكر والضغط وغيرها كثير عد وخربط... بس راح يعيش، فصدقته كما اصدق أطباءنا عادة! اشر لي صاحبنا النائم على الفراش، وأمسك يدي يسلم علي مودعا!

عرفته قبل عام كان فتى شابا، ومتحمسا، وكنت له مشجعا، فقد كان عام 2009 قادماً ويحمل معه مشاريع وآمالاً كبيرة!

قلت له: خير من فعل بك هذا؟

قال: الواقفون خارج الغرفة!

قلت له: ولكن يبدو عليهم الألم من فراق!

قال ساخراً: انهم واقفون في الخارج يدعون ان اموت فورا، حتى يرتاحوا مني، انهم قتلتي!

قلت مستغربا: كلهم قتلوك؟

قال بصوت متعب: نعم، ألم تسمع بقطار الشرق السريع؟

قلت: بصراحة ما سمعت، سمعت عن الخط السريع!

قال بضيق: اقصد رواية اغاتا كريستي!

قلت مستغربا: تريد ان تقرأها، هل هذا وقته؟ يا اخي تشهد الشهادتين! يمكن تدخل الجنة مثل صدام حسين، على حسب فتوى ربعنا!

قال: افهم، في الرواية قتيل، وكل من في القطار شارك بالقتل، كل منهم طعن طعنة، ومن في خارج الغرفة الان هم مسافرو قطار الشرق، وانا القتيل!

الوزير الذي شاهدته واقفا لابسا بشته المزركش، انه يدعي عليّ ليل نهار، وعدني «ابن البشت» هذا بأنه سيبني في سنتين مدارس، ومستشفيات، وجامعات، وكليات، ومصانع... وانا وبكل سذاجة صدقته، وانت ترى حالي، حاول قتلي من خلال تأجير شاحنة، وصدمني وانا اريد عبور الشارع!

النائب الواقف بالقرب منه، هذا ايضا اسمعني الكثير، قال لي انت عام الاصلاح، انت عام الدستور، والقانون، والمحاسبة، والديموقراطية... واكمل حديثه وكأني ناخب عنده، لم ارد منه سوى ان يسكت، الا انه ظل يتكلم... وفي ليلة ظلماء كنت امشي واذا بي لا اجد الا الاخ مع اصدقائه يركلني ويدوس في بطني، وبقية النواب يصفقون له!

اترى ذاك الكاتب الواقف بالقرب منهم، لقد مدحني في اول يوم ولادتي، ثم طعنني بقلمه في ظهري، كان بحبره سما طائفيا عنصريا فئويا قبليا..!

ارايت النساء في الخارج، «اوه» عام المرأة، لقد شاركن في قتلي، ووزعن الحلويات على جثتي، هللن وصفقن... وبعضهن ضرب «الطيران» فرحا وسرورا على وجودي هنا!

أرأيت الرجل المتكرش، يقال له الهامور، لقد نهبني واختلس اموالي وبيتي، ثم جلس على صدري، وارد ان يحز راسي، لولا تدخل الطيبين من ربعه الذين قالوا له «اكتفي بطعنه، ودعه يموت ببطء حتى يشعر بالألم...» ما اطيبهم..؟

قلت له: كفى يا اخي، ارحل سالما، ودعنا ننتظر ابنك 2010، لعل وجهه يكون خيراً علينا!

قال: لا تخاف، وجهه خير، وجهكم هو «إللي مافيه خير»!





جعفر رجب

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي