No Script

على الهواء

حرية الفكر في الإسلام

تصغير
تكبير

قدّم رواد النهضة الأدبية فكراً دينياً مستحدثاً بدءاً بسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الكتابة عن الخلفاء الراشدين وأعمدة الدعوة الإسلامية الذين رفعوا راية الإسلام ومضوا فيه نحو مرضاة الله... عملاق الأدب عباس محمود العقاد في إسلامياته والعبقريات خدم المكتبة العربية الحديثة.

ومن الكتب التي خاطب فيها العقل الإنساني، واستطاع أن يوقف حيرة الشباب، ويأخذ بيدهم نحو القرآن الكريم والبعد عن الضياع، وطرح في كتابه النفيس (التفكير فريضة إسلامية) علاقة الفكر بالدين وموقف الدين الإسلامي من الفكر بعد أن كاد الشباب المتعلم أن ينصرف عن المعتقد الديني تأثراً بفكر الإلحاد والانحلال عندما فهموا الحضارة أنها الابتعاد عن الدين.

وبالفكر والمنطق خاطب العقاد المفكرين ليتأملوا القرآن الكريم بالطرح الفكري.

إن العقائد الدينية عامة والإسلام خاصة يحض على التفكير السليم وعلى النقاش والحوار اللذين يؤديان إلى تفهم العقيدة، بالإقناع والحجج الفاصلة وليس بالجدل العقيم الذي يدعى بالبيزنطي والتلاعب بالألفاظ.

والقرآن الكريم يكرم الإنسان بعقله، وبما امتاز به على سائر المخلوقات الأخرى بتفكيره ولا يذكر القرآن الكريم العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه.

فالعقل في مدلول لفظه العام ملكة يناط بها الوازع الأخلاقي أو المنع المحظور والمنكور.

ويقول العقاد أيضاً: من خصائص العقل أنه يتأمل في ما يدركه ويقبله على وجوهه ويستخرج منه بواطنه وأسراره، ويبني عليها نتائجه وأحكامه ومنها تظهر ملكة (الحكم) وتتصل بها ملكة الحكمة ثم تتصل بالعاقل الوازع إذا انتهت حكمة الحكيم، إلى النتيجة الفاصلة حيث العلم والمعلومة، وفي كل عصر من العصور كانت مسائل العقيدة والإيمان موضع اهتمام، وعندما تطورت العلوم الوضعية والسياسية ارتفعت أصوات مطالبة الاستغناء عن الدين، وظهرت بعض المذاهب الفلسفية والاجتماعية التي ابتعدت عن العقائد الدينية، وشاع الإنكار والإلحاد واتسع ذلك مع نطاقات الفكر السياسي في بعض البلاد العربية التي حدثت فيها تغيرات سياسية واتخذت من النظام الشيوعي والفكر الماركسي مثالاً للاقتداء بها... بل شاع النظام الاشتراكي نكاية بالمستعمر الذي كان يهيمن على بلادهم في السابق.

أمام هذه الحيرة وهذا الضياع وقف العقاد ليخاطب الشباب ويدعوهم إلى التخاطب العقلي والتأمل في ما طرح القرآن من البحث العقلي.

وطرح هذه الأسئلة هل الدين ضرورة؟ وما موقف الدين من حرية الفكر؟ وما موقفه من المذاهب العقلية الجديدة والمذاهب الاجتماعية والفلسفية؟

ويوقظ العقاد في القراء الشعور بالمسؤولية تجاه الكون بأسره، جاعلاً هذا الشعور أول واجباتهم وبكلمات حازمة يثير فيهم ما هو بحاجة إليه في الحاضر والمستقبل لمجابهة التحديات الفكرية اللادينية... إن ذلك يحتاج إلى الشجاعة في الرأي والصبر على العواقب والاحتمالات.

والإسلام دين لا كهانة فيه والإنسان بعقله يكون صاحب الاتصال بخالقه يدعوه ويناجيه ويخاطبه مباشرة في صلاته وتضرعه.

ويطرح العقاد أمثلةً عن الفلاسفة المسلمين أصحاب الفكر الحر وتحركاتهم الحرة في بلاد الإسلام ومعهم من غير المسلمين من الفلاسفة والمفكرين الذين يتواجدون في بلادهم بكامل حريتهم دون أن يحجر عليهم أو يلاقوا العذاب وأحكام الموت، ومصائر الفلاسفة اليونانيين في بلادهم معرفة، فسقراط قضي عليه بالموت، وأفلاطون بِيع في سوق العبيد، وأرسطو نجا بنفسه من أثينا خوفاً من عاقبة سقراط، بعد أن رماه كاهن من الكهان بالإلحاد، وقيل إنه ألقى بنفسه في البحر، أما فيثاغورس فقد مات قتيلاً، وعُذّب آخرون في إيطاليا وأُحرقوا، كما وقفت كنائس الغرب في القرون الوسطى لأصحاب الفكر موقف العداء، واستمر هذا التحدي للفكر الحر عندهم إلى أوائل القرن العشرين.

من كتابي:

(مواقف في الحياة - الجزء الأول)

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي