سوف يلتئم شمل المجلس في الغد لحضور جلسة عنوانها الرئيسي «المعسرون»، وأظنها ستكون المصيرية والختامية إذ سيُعرض فيها ملف المقترضين للتصويت على مشروع قانون شراء فوائد القروض المقدم من اللجنة التشريعية البرلمانية. وطبعاً استمعنا وكالعادة بأن الحكومة وعلى لسان ممثلها السيد مصطفى الشمالي، وزير المالية سترفض، المشروع ومصيره السقوط ولا حل سوى صندوق المعسرين.
لا أدري إن كانت الحكومة ملتفتة إلى ضعف موقفها وترددها بخصوص هذا الملف. فلو راجعنا تصريحات المسؤولين الحكوميين لرأيناها في تضارب، وفي أحسن أحوالها مختلفة وغير ثابتة. فالموقف الحكومي إذا ما نظرنا إليه من زاوية وزير المالية فهو واضح لا يشوبه الشك والتردد وعلى نقطة واحدة، وهي العاشرة والأخيرة، فلا مساومة ولا جدال ولا حل سوى صندوق المعسرين. أما وزير الإسكان الشيخ أحمد الفهد فالوضع عنده مختلف تماماً، فهو مرن، دائماً يبيعنا تصريحات فيها أمل واطمئنان، ولكنها مشوبة بغموض وضبابية كعادته! فما السر في هذا التباين الكبير؟
عموماً هذا شأن حكومي داخلي وينبغي أن يُحل بينياً، لكن علينا أن نتوجه بالحديث في شأن الادعاء بأن قانون المعسرين «يخلو من العدالة»، فحجة المعارضين لشراء الفوائد بأنه ما ذنب من لم يقترض، أو ما ذنب من اقترض وامتثل للدفعات حتى مع الضغط والعُسر الواقع عليه. قبل أن أُكمل وبمناسبة الحديث عن العدالة، لا بأس لو عرجت قليلاً على بيان «لجنة المصارف» الذي نُشر على الصفحة الأولى لصحفنا المحلية قبل أسبوع تقريباً وشغلت مساحة نصف الصفحة الأولى وكررت من بين الكلام الطويل العريض نقطة العدالة إياها! بصراحة لم أفهم ما دخل المصارف والبنوك بالعدالة، فهذه شركات تجارية هدفها الربح ولا دخل للعدالة في سياساتها الربحية، فالبيان نُكتة وطُرفة لأن العدالة عند البنوك ببساطة شديدة لا تعني شيئاً سواءً قبل مشكلة المعسرين أو بعدها، فلماذا أثيرت الآن تحديداً؟ للأمانة تراءى لي وكأن البيان قد صيغ بقلم وزير المالية لا لجنة المصارف!
لنترك ذلك ولنعد مرة أخرى للعدالة ونقول إن ما تقوله دوماً الحكومة ووزارة المالية ومعهم لجنة الـ 28 كلام غير منطقي وغير صحيح، وفيه تسطيح شديد لأصل الموضوع لسبب بسيط، وهو ما أردته من مقال اليوم. فالسبب الرئيسي يا وزارة المالية يعود إلى تراخي البنك المركزي في المراقبة، البنك المسؤول الأول عن السياسة النقدية بالبلد هو يا أخوة من تسبب في مشكلة المعسرين. فلو أن الأمور سارت حسب الرقابة والتطبيق الصحيح للقوانين والتشريعات لما صارت عندنا المشكلة بالأساس. فما نحن بصدده الآن ليس مبدأ العدالة فهذا، وبعد الاعتذار، تدليس وتلاعب على الحقيقة، فالحقيقة أن الحكومة هي من أخطأت وعليها أن تتحمل «العقوبة». فبدلاً من التحدث عن الموضوع من بوابة «العدالة» في توزيع الثروات، المفترض أن يتحول ليصير الحديث عن مبدأ «الجزاء والعقاب» وتحمل الجاني وإنصاف الضحية. فالوضع كما أراه طبيعياً جداً، فالمعسرون هم الفئة الوحيدة التي تضررت بسبب خطأ حكومي وعلى الحكومة أن تتحمل وتدفع ضريبة خطأها لهم، ولا دخل لمن اقترض أو سيقترض إبان فترة الرقابة الصحيحة للبنك المركزي سواء سبق تلك الفترة أو كان بعدها.
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
[email protected]