No Script

الغرب أطلق الرصاص على موسكو... فأصاب أيضاً رجليه

العقوبات على روسيا تهزّ العالم وتصيب... واضعيها

ضابط شرطة أوكراني يودع طفله قبل مغادرة أسرته كييف أمس (رويترز)
ضابط شرطة أوكراني يودع طفله قبل مغادرة أسرته كييف أمس (رويترز)
تصغير
تكبير

«لا يمكننا استبدال الغاز الروسي بين ليلة وضحاها»، هذا ما أعلنته ألمانيا وتبعتها فرنسا، التي أكدت أن «مخزوننا من الغاز لن يكفي إذا أوقفت روسيا إمدادنا».

ولم تتأخر المجر في الإشارة إلى تدهور اقتصادها وعملتها إذا فُرضت عقوبات تتعلق بالطاقة على روسيا. أما فنلندا فتدرك أنها تحتاج ثماني سنوات للاستغناء عن الغاز الروسي، الذي يشكل 43 في المئة من احتياجات أوروبا السنوية، وتستورده عبر خطي «السيل الشمالي الأول» وخط «يامل» العابر لبولندا وأوكرانيا، التي مازالت تنعم بالغاز الروسي رغم الحرب في أوكرانيا.

إذاً أصبح من غير الواضح لماذا قامت أوروبا بخطوات متتالية لفرض عقوبات على شريكها الاقتصادي الروسي الأساسي في مجال الطاقة وهي المتضررة الأكبر، خصوصاً بعدما وصلت أسعار الغاز إلى أربعة أضعاف سعرها (400 دولار لكل ألف متر مكعب) وأسعار النفط إلى 139 دولاراً لتنخفض إلى 130 دولاراً بعدها، خصوصاً أن الولايات المتحدة هي المستورد الأكبر للنفط الروسي، وستتأثر كأوروبا والعالم بالعقوبات على موسكو.

من غير المفاجئ أن تكون أميركا هي المحرك الرئيسي للعقوبات، لأنها تخوض الحرب ضد روسيا عبر أوكرانيا التي تزودها بالسلاح المتدفق قبل بداية الحرب وخلالها، وهي التي تدفع بحلفائها الغربيين والآخرين لفرض العقوبات على روسيا التي تضر الحلفاء بالدرجة الأولى.

إلا أن دولاً عدة وعلى رأسها الصين والهند وإيران وباكستان وسواها في أفريقيا وآسيا، ترفض خيارات أميركا وقراراتها. وهذا ما عبر عنه رئيس وزراء باكستان عمران خان، عندما تسلم رسالة من رئيس البعثات الديبلوماسية الغربية يطلب فيها إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا، فرد عليه «هل تعتقدون اننا عبيد لكم وأننا سنقوم بكل ما تطلبونه»؟

ويقول الواقع إن أميركا وأوروبا هما اللتان تمولان الحرب الروسية في أوكرانيا، لأنهما تدفعان 14 مليار دولار شهرياً، ثمن الغاز والنفط الروسي. وقد حاولت أميركا الذهاب إلى فنزويلا - بعد مقاطعة لأعوام طويلة واعترافها بزعيم المعارضة خوان غوايدو، كرئيس، بدلاً من الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو الذي استقبل موفداً من الإدارة الأميركية يطلب منه العودة إلى تصدير النفط، مقابل تزويد واشنطن باحتياجات فنزويلا للمصافي الأميركية الست التي كانت أوقفتها، بمنع قطع الغيار اللازمة لتشغيلها، قبل أن تنجح إيران بإعادة مصفاة إلى العمل للاستخدام الداخلي، وتصدير القليل من النفط الفائض.

والأكيد أن كراكاس لن تسير خلف واشنطن، بل سنحت لها الفرصة المُناسبة لفرض شروطها، وأهمها رفع كل العقوبات والاعتراف بالسيادة الفنزويلية وعودة العلاقة إلى طبيعتها قبل أي خطوة أخرى.

وهذا لا يعني أبداً ان كراكاس ستنقذ أميركا في محنتها وتعوضها بالنفط بدل روسيا، لأنها تمتلك اتفاقات اقتصادية وأمنية عميقة وطويلة الأمد مع موسكو، وتالياً فإن محاولة أميركا لن تنجح.

وذهبت أميركا إلى إيران، لتعجل حركة الاتفاق النووي، فاصطدمت بجدار روسيا التي طلبت موافقة خطية تسمح باستمرار التعاون العسكري - الاقتصادي بين موسكو وطهران.

وهذا يدل على تجاوب طهران مع موسكو لعدم إعطاء أميركا الفرصة لترتاح وتعتمد على النفط الإيراني بدل النفط الروسي.

ولماذا تعطي فنزويلا وإيران طوق النجاة لأميركا التي فرضت لأعوام طويلة العقوبات على البلدين بينما ساعدتها روسيا بما تملكه من إمكانات؟

كان سعر النفط في مارس عام 2020 نحو 16 دولاراً للبرميل الواحد. ووصل اليوم إلى جدار الـ140 دولاراً. فلماذا تبيع إيران وفنزويلا فائض النفط لينخفض سعره وتساعد أميركا في ورطتها عندما تستطيعان بيع القليل من النفط بسعر عالٍ جداً وإحراج واشنطن والوقوف إلى جانب موسكو؟

لم يلتفت الغرب إلى ارتدادات عقوبات أخرى فرضها على روسيا، كقطاع الطائرات المدنية التي تمتلكها موسكو على سبيل المثال.

إذ من المؤكد ان مئات الطائرات التي استأجرتها روسيا من الغرب لن تعود إلى اصحابها في وقت قريب بسبب العقوبات وإغلاق الأجواء أمام الطائرات الروسية، ورد موسكو عليها بخطوات مماثلة.

وتقول روسيا إن طائراتها ستستمر بالعمل داخل القارة الروسية وفي اتجاه دول آسيا وأفريقيا، وان لها الحق بدفع ثمن الإيجار بالروبل الروسي أو ستعتبر هذه الطائرات تعويضاً عن الخسارة التي ستصيب «ايروفلوت» الوطنية - وهي الشركة التي بلغت أرباحها السنوية نحو 491 مليار دولار - من جراء إغلاق المجال الأوروبي للطائرات الروسية.

قد الغيت جميع الرحلات من موسكو إلى أوروبا ابتداءً من 8 مارس. ولن تستطيع الشركات المالكة للطائرات استعادتها لأن مفاعيل العقوبات ستبدأ ولأن موسكو لا تنوي إرجاعها في الوقت الراهن.

وستبدأ روسيا الاعتماد على نظامها الداخلي (FMS) للمراسلة المالية لبنك روسيا ونظام الـ SPSF كقناة بديلة للرسائل المالية الدولية الإلكترونية الأميركية (SWIFT) للتداول داخل روسيا.

ولم تتعرض إلا مصارف قليلة للعقوبات ومنع استخدام نظام «سويفت» لأن الغرب يحتاج هذا النظام والمصارف الروسية التي لم تشملها العقوبات لدفع المليارات كثمن للنفط والغاز.

وبعد تعليق PAYPAL وVISA وAMERICAN EXPRESS وMASTER CARD، العمليات المالية مع روسيا، ذهبت موسكو نحو استخدام نظام UNION PAY الصيني، فالشركات ستصدر بطاقات تعتمد هذا النظام بالإضافة إلى نظام آخر يسمى MIR وهو يعمل في 180 دولة حول العالم.

مما لا شك فيه أن هناك «هجرة جماعية» من الشركات الأميركية والغربية من موسكو ما سيؤذي روسيا والغرب معاً. غير أن العقوبات على روسيا، قاسية أيضاً على واضعيها، هذا إذا لم تستخدم روسيا سلاح الطاقة في وجه الغرب مما يشكل ضربة «هيروشيمية» سترتفع معها أسعار المحروقات والغاز إلى مستوى لم يشهده العالم من قبل في الأزمات الماضية.

وتمتلك روسيا احتياطاً نقدياً، من اليورو (32.3 في المئة) واليوان (13.1 في المئة) والذهب (21.7 في المئة) والدولار (16.4 في المئة) يصل إلى 632 مليار دولار، وغيره من العملات الصعبة، منها 450 مليار دولار موجودة في روسيا والصين ومبالغ أخرى في فرنسا واليونان وألمانيا وأميركا وبريطانيا.

وقررت أميركا استخدام احتياطها النفطي البالغ 70 مليون برميل من دون أن يؤدي ذلك إلى اطمئنان الأسواق العالمية، فماذا سيحصل إذا توقفت روسيا عن تسليم أميركا 135 مليون برميل نفط سنوي؟

إنها مرحلة مفصلية ووجودية بالنسبة إلى روسيا ونقطة تحول كبيرة في تاريخها، وهي ستتجه تالياً نحو حليفها الأول، الصين، الذي يمتلك أكبر احتياط نقدي وتنموي في العالم.

وكذلك ستلجأ إلى باكستان والهند وإيران للتبادل التجاري والصناعي وإلى دول وسط آسيا الأخرى ليستمر التبادل الاقتصادي والتجاري.

وقد تجاوزت موسكو العقوبات وانخفاض العملة عام 1998 ولم تتأثر بأزمة أوروبا وأميركا عام 2008 وأصبحت تتحمل الزلازل الاقتصادية التي تسمع ارتداداتها اليوم في الغرب في شكل خاص.

أطلق الغرب الرصاص على روسيا فأصاب أيضاً رجليه بفرض العقوبات التي ينوء تحت وقعها ما يدفع بالمسؤولين الأوروبيين إلى تمني انتهاء الحرب في أوكرانيا قريباً.

فالعالم كله يخشى هذه الحرب وتداعياتها الاقتصادية والعسكرية على أمل اقتصارها على حدود أوكرانيا، التي صمم الرئيس فلاديمير بوتين على إخضاعها مهما كانت النتائج وطال أمدها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي