No Script

الوضع المعيشي المأزوم يبلغ خط السقوط الحر

لبنان: موجاتٌ مستجدّة تزخّم «تسونامي» الانهيارات

الوضعُ المعيشي في لبنان في مواجهة موجتَي غلاء متزامنتيْن
الوضعُ المعيشي في لبنان في مواجهة موجتَي غلاء متزامنتيْن
تصغير
تكبير

يوشك الوضعُ المعيشي المترهّل في لبنان على السقوط الحرّ في هاويةٍ بلا قعر، بدفْعٍ قوي من موجتَيْ غلاء متزامنتيْن: الأولى تنفذها الحكومة عبر إعادة هيكلة أكلاف الخدمات العامة الأساسية بذريعة تدهورِ سعر العملة الوطنية، فيما تعكس الثانية نصيب البلد واقتصاده من تداعيات حرب أوكرانيا.

وإذ تَسْري قناعةٌ «غاصبة» بأن «لا حول» لأيٍّ من الدول، وحتى الأقوى منها، في جَبْهِ عصفِ الأزمة المتفجّرة دولياً بالاقتصادات العالمية وبأسعار السلع والمواد الإستراتيجية، والتي تُفاقِمُها معوقاتُ شبكات الإمداد بين مَصادر الإنتاج ودول الاستهلاك، فإن العَجَبَ يكمن في تَزامُنها محلياً مع حفْظِ استعجالِ الدولة لاعتمادِ سعرٍ جديد للدولار الجمركي والضريبي، وتعزيزه بعجلةِ وزراء الخدمات على إقرار مضاعفة بدلات الاتصالات والكهرباء والمياه وسواها.

فمن شأن هذا التزامن في تلقّي الموجتيْن، بحسب مراقبين ومحللين، أن يتسبّب بانفلاتِ مؤشر التضخم من أي ضوابط خلال فترة قصيرة، في وقتٍ تتكاثر الضغوط على ما تبقى من احتياطات العملات الصعبة لدى البنك المركزي والتي تدنّت تحت عتبة 12 مليار دولار، فيما تتعاظم الهواجس جراء الارتفاع الصاروخي لأكلاف مستوردات حيوية، ولا سيما المحروقات والزيوت والحبوب والأعلاف.

وحتى اكتمال لوحة التداعيات التي تتلقاها الأسواق المحلية بنتيجة الحرب الأوكرانية، وقبل صدور القرارات الرسمية برفْع أسعار الخدمات العامة محلياً، تُظْهِر الإحصاءات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي إرتفاعاً شهريّاً بنسبة 7.69 في المئة في مؤشِّر أسعار الإستهلاك في لبنان خلال الشهر الأول من 2022، مقارنةً بارتفاع بلغ 16.52 في المئة في الشهر الذي سبقه. وبذلك يكون مؤشِّر تضخُّم الأسعار قد سجل زيادةً نسبتها 270 في المئة، ليصل إلى 992.24 في يناير 2022.

وجاء الإرتفاع السنويّ في مؤشّر تضخّم الأسعار نتيجة تسجيل جميع مكوّنات المؤشّر زيادة في أسعارها حيث إرتفعت أسعار الألبسة والأحذية بنسبة بلغت 225.56 في المئة (تثقيل بنسبة 5.2 في المئة)، رافقها تطوُّر في أسعار المواد الغذائيّة والمشروبات غير الروحيّة بنسبة 483.15 في المئة (تثقيل بنسبة 20 في المئة) وزيادة في أسعار النقل بنسبة 541.42 في المئة (تثقيل بنسبة 13.1 في المئة) وإرتفاع في أسعار المسكن، الماء والغاز والكهرباء والمحروقات الأخرى، بنسبة 423.13 في المئة (تثقيل بنسبة 11.8 في المئة)، دون استثناء الزيادة غير المسبوقة في أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 449.65 في المئة (تثقيل بنسبة 2.8 في المئة).

وفي تقديرات مصادر معنية ومُتابِعة أن الانطلاقة الجديدة لمؤشر التضخم الى المضاعفات المتوالية من متوسط الألف في المئة، والمحقق على مدار سنتين ونصف سنة من بدء تفجر الأزمات النقدية والمالية في البلد المنكوب، تكتسب زخماً استثنائياً من المصدر الخارجي، يرجح أن يُضاعِفَ سرعتها ويزيد من عنف وتيرتها عقب شمولها لكامل أبواب الانفاق بنتيجة تخلي الدولة تماماً عن دور الرعاية والحماية الاجتماعية.

ويزيد المشهد المعيشي المرتقب قتامةً، بفعل التمادي الحكومي بتأخير استخلاص خطة الانقاذ والتعافي التي ينتظرها صندوق النقد الدولي منذ ربيع العام 2020. كما تتقلص الآمال بتحقيق تقدم مجد خلال المباحثات الجديدة المقررة خلال النصف الثاني من الشهر الحالي حتى لو نجح الفريق اللبناني المُفاوِض في تسريع إعداد خطته الموعودة. ذلك ان المؤسسات المالية الدولية تعمد إلى إعادة ترتيب أولوياتها وبرامج الإنفاق من احتياطاتها بما يتفق مع الضرورات المستجدة التي يفرضها الحدث الأوكراني.

وفي السياق عينه، ترصد المصادر المتابعة إمكان توليد موجة محلية ثالثة لا تقل وزناً وتأثيراً عن العصف الدولي وارتفاع تكلفة الخدمات. فمع صعود الحاجة المالية لتغطية أكلاف مستورَدات حيوية وفي مقدمها المشتقات النفطية والقمح، يرتفع منسوبُ الشكوك في قدرةِ مصرف لبنان المركزي على مواصلة ضخّ الدولار النقدي وتلبية الطلب عليه عبر منصة «صيرفة»، وفق مندرجات التعميم رقم 161 السارية مفاعيله حتى نهاية شهر مارس الحالي قابلة للتجديد، والذي أنتج استقراراً نقدياً في الأشهر الثلاثة الماضية قريباً من سعر 20 ألف ليرة لكل دولار.

ومن المهمّ التنويه بأن تقارير صادرة عن مؤسسات دولية قدّرت، وما قبل العاصفة الدولية، بأن قرار مصرف لبنان ببيع الدولار النقدي على سعر صيرفة لن يحقّق إستقراراً طويل الأمد في سعر الصرف ومستويات التضخّم، في ظلّ تأخير الإتفاق التمويلي مع صندوق النقد، والمشروط أساساً بإعادة هيكلةٍ شاملة للدين العام.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي