علي سويدان / تركيا... ودورنا المفقود!

تصغير
تكبير
ربما هي طبيعة في الإنسان أن يشتاق إلى ماضيه، سواء أكان هذا الماضي ماضياً مشرقاً حافلاً بالعطاء، أو كان ماضياً غارقاً في غياهب الظلم! وما الدول إلا نموذج عام لسلوك خاص يمارسه الأفراد ويسجله التاريخ، فلعل الكلمات التي وجهها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى إسرائيل في عدوانها على غزة؛ والتي نوه فيها أنه والأتراك أحفاد الامبراطورية العثمانية قد نال بتلك الكلمات احترام العرب جميعاً، رغم أن العرب لا يشتاقون لأيام تلك الإمبراطورية. لكن الدور التركي الجديد يبدو أكثر وضوحاً في أيامنا هذه، إذ ينخفض مؤشر الوعي عند عموم العرب، وإلا كيف كان بإمكاننا ملاحظة التوجه التركي وبروز دوره تجاه منطقتنا بشكل لم نعهده لولا غياب دورنا نحن تجاه أنفسنا! فليس بعيداً أن يكون دخول تركيا الاتحاد الأوروبي وتسوية قضاياها العالقة في شأن جزيرة قبرص أشبه بمكافأة تقدم لتركيا إن هي قامت كوسيط بفتح قنوات التواصل السلمي بين العرب وإسرائيل، فهي تحافظ على صفحة جديدة فتحتها مع العرب بلغة المجابهة لإسرائيل لتكسب بقاء التواصل السياسي للوصول إلى تسوية عربية - إسرائيلية في المنطقة عن طريق سورية، والوسيط هو تركيا.

صحيح أن الدور التركي يتحرك على محاور سياسية عدة، والتي تطمئن العرب ولا تثير حفيظتهم، خصوصاً أن محاور هذا الدور كانت ومازالت مواتية لمواقف العرب المختلفة والمتناقضة وتحزباتهم تجاه قضاياهم الكثيرة! فعلى محور الخلاف في البيت الفلسطيني ليس للعرب إلا أن يطمئنوا للعزف التركي على وتر الوفاق الداخلي؛ وكيف لا فهو مطلب عربي، وعلى محور آخر في مسألة الأكراد تذهب تركيا بالأمر إلى مصلحتها، ولم لا وحسمها لمسألة الأكراد وردع المناهضين من «حزب العمال الكردستاني»، بل ومطاردتهم داخل العراق أمر مسكوت عنه دولياً وإقليمياً. أما احتجاج العراق فغير ملتفت إليه، لأنه اليوم لا حول له ولا قوة.

إن تركيا العلمانية ودورها الذي يلعبه وجهها المسلم لأمر يستحق التوقف والروية، فلعل الدور التركي الجديد يمثل توازناً إقليمياً مع إيران، وهذا محور آخر تقوم عليه الآن السياسة التركية، ولدينا دول في المنطقة وعت ذلك التوازن واستفادت منه. إن سكوت الجيش التركي، وهو حارس العلمانية هناك عن النشاط الخارجي لتركيا تجاه المنطقة، رغم اعتراضه بشكل عابر، والصمت الدولي حيال التحرك التركي، لهما دليلان نلمس فيهما أبعاد هذا الدور. نحن لا نشكك في نشاط تركيا في المنطقة، ولكننا نتعامل مع أطراف تفهم مصالحها جيداً سوى أننا من يجهل مصلحته!

إن ظهور تركيا على الساحة من جديد بهذه الصورة تحديداً هو فرصة أمامنا نحن العرب للاستفادة من لعبة التوازن في منطقتنا الساخنة، فلا تركيا ولا غيرها من مصلحته أن يدير ظهره لنا، فلماذا لا نقبل على العالم بانفتاح العاقل والمدرك لعناصر القوة، بعيداً عن سياسة النظر إلى أرنبة الأنف، أو أسلوب الأنانية الذي ينشأ في سلوكنا من الصغر لينمو في علاقاتنا العربية والدولية؟





علي سويدان

كاتب سوري

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي