No Script

قيم ومبادئ

الطبخ والعمل الخيري!

تصغير
تكبير

شاعت ثقافة الطبخ والأكل بشراهة مع تحزيق الطعام وتزويقه بالألوان، فأصبح ديدناً وروتيناً فقدنا معه ما هو أهم وأولى منه، وهذه أولى دلائل الإفلاس!

وإذا عظُمت آفة شهوة البطن إلى هذا الحد وجب شرح غوائلها وآفاتها تحذيراً منها...

إنّ مما لا شك فيه، أن العمل الخيري حقّق نجاحات متواصلة ولله الحمد، سواء كان إنمائياً أو ثقافياً أو تعليمياً أو وقفاً خيرياً تنموياً.

لكن الملاحظ اليوم، أصبح موظفاً لاستقطاب المتابعين بأساليب تثير وتسترعي انتباه العوام، لا لجهة معالجة أمراض القلوب بترك الشهوات التي مادة أمراضها كثرة الشبع والغفلة فحلت محل نور العلم والعمل، كل ذلك من اجل المزيد من الدعم المادي، وغاب الاقتداء بسيّد الأنام - صلى الله عليه وآله وسلم- في سمته وهديه وأكله وشربه، ولا طريق إلى الجنة إلا بمخالفة الشهوات ومجاهدة النفس بأنواع الرياضات، ومنها قلة الطعام وقلة الكلام إلا بخير واحتمال الأذى والصبر على الشدائد، ولهذا قال بعض الحكماء: (من استولت عليه النفس الأمارة بالسوء صار أسيراً في حب شهواتها، محصوراً في سجن نزغاتها، مقهوراً مغلولاً، زمامه في يدها تجره حيث شاءت فتمنع قلبه من الفوائد)، ولهذا حذّر العلماء من تتابع فضول المباح وكل ما كان خارجاً عن قدر الحاجة.

وعليه نقول إن العمل الخيري يحتاج إلى قدوة تقوده وترفعه إلى أعلى، وأعظم إصلاح للبشرية اليوم هو إصلاح القلوب وهو مقدّم على إصلاح الأبدان بالطعام والشراب والشهوات، ولا يمكن إصلاح القلوب لتسير في طريق الآخرة والتخلص من آفة الرياء والتفاخر والتكاثر والكبرياء المؤدي إلى الحقد والحسد والعداوة والبغضاء، وتالياً اقتحام البغي والمنكر والفحشاء... ما لم يمنع الإنسان نفسه من التنعم بالمباح، فإن النفس إذا لم تُمنع في بعض المباحات طمعت في المحظورات، فمن أراد حفظ لسانه عن الغيبة والفضول فحقه أن يلزمه السكوت حتى تموت عنده شهوة الكلام، وحينئذ يكون سكوته عبادة.

ومن اعتاد مدّ بصره إلى كل شيء لم يتحفظ عن النظر إلى ما لا يحل له النظر إليه وهكذا!...

وكل هذا التحذير لأن العلماء عرفوا النفس البشرية حين تتوالى عليها موات الغفلة لما يتبعها من الآفات لجهة أن النفس تفرح بالتنعم والترف في الدنيا وتركن إليها وتطمئن إليها أشراً وبطراً حتى تصير ثملة كالسكران الذي لا يفيق من سُكره!

ولهذا، قال بعض العارفين الحزم من أرباب القلوب جرّبوا قلوبهم في حال الفرح بمؤاتاة الدنيا فوجدوها قاسية نافرة بعيدة عن الموعظة، وعن ذِكر الله والدار الآخرة، وجرّبوها في حال الحزن فوجدوها لينة رقيقة صافية قابلة لأثر الذِكر والانقياد للحق.

هذا فضلاً عما ذكره علماء الحديث في بيان شدّة حال عيش النبي - صلى الله عليه وسلم- وما فيه من التقلل من الدنيا... قالت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها وعن أبيها: «مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين».

وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: «لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتوي ما يجد دقلاً يملأ به بطنه» - والدّقلُ هو التمر الرديء - ومعلوم أن هذا العيش من النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن اضطراراً بل كان اختياراً منه أحياناً لتأديب أمّته وإلا فقد أفاء الله عليه من خيرات العرب وغيرهم ونُقل إليه الخراج من بعض بلاد العجم ولكنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكره كثرة الأكل والشبع مع إيثار الجوع وقلة الشبع، والله تعالى اختار لرسوله الحال الأكمل هو وأصحابه - رضي الله عنهم أجمعين.

وأقول عوداً على بدء، العمل الخيري اليوم يحتاج إلى ترشيد وتجديد وإعادة نظر من جديد... فهل حقق المراد منه، وهل يُنتج لنا قدوات صالحة تحمل هذا الدين بلا إفراط ولا تفريط وتدعو إليه وتصبر على الأذى فيه؟ أم أنه انحرف في بعض مسيرته وأصبح وسيلة تنفيع هنا وهناك ليس إلا؟ خصوصاً في المشاريع خارج دولة الكويت؟ وهذه دعوة أوجهها إلى جمعيات النفع العام بتخصيص لجنة لتقييم المشاريع الخارجية من خلال معايير جودة الأداء وفق ما يقرره العلماء الراسخون في العِلم فما وجدنا فيها خيراً حمدنا الله تعالى وسألناه مزيداً من فضله، وما وجدناه غير ذلك اجتهدنا بتعديله وإصلاحه فهذه أمانة.

الخلاصة:

قال زين الدين الرازي: الأكل على ثلاث مراتب «فرضٌ وهو قدر ما يندفع به الهلاك ويمكن معه الصلاة قائماً، ومباح وهو أدنى الشبع ليقوى على العبادة ويحاسب عليه حساباً يسيراً، وحرام وهو ما زاد على ذلك». وهو البِطنةُ المضرُّ للبدن.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي