No Script

مجرد رأي

«كتاتيب» الملا... أفضل من مدارسنا!

تصغير
تكبير

تُصوّر رواية «حضرة المحترم» للكاتب والروائي الكبير نجيب محفوظ علاقة التعليم بالتدرج الوظيفي، وأهميته في الحراك الاجتماعي، فالتعليم يقدم فرصاً متساوية للأفراد، بما يؤدي إلى خلق مجتمع ذي جدارة تعليمية.

ورغم أن هذه القاعدة تعد من البدهيات في أي مشروع تعليمي، إلا أن ماكينة التعليم في الكويت لا تزال منحرفة كثيراً عن مسارها، ودورها المستهدف، إلى الحدود التي أصبحت معها مخرجات التعليم غير مناسبة، لترتفع مع ذلك معدلات البطالة لمعدلات مقلقة في بلد لا تتجاوز أعداد مواطنيه 1.5 مليون.

بالطبع لاختلال التركيبة السكانية دور في تزايد أعداد منتظري الوظيفة، لكن هذا لا يعكس كل القصة، فرغم أهمية تنظيم التركيبة السكانية إلا أن هناك اعتبارات لا تقل أهمية عن الاختلال السكاني، وأبرزها جودة التعليم نفسه.

في نشأة الكويت كان التعليم يُمارس في أبسط صوره داخل أروقة «الكتاتيب»، ويعد «الكُتّاب» وجمعه «كتاتيب» النموذج الأول لنظام التعليم في الكويت قديماً، والذي يرجع إليه الفضل في نشر العلم بين الناس رغم بدائية طرق التعليم آنذاك.

ولعبت الكتاتيب في بداية القرن العشرين دوراً كبيراً في تلبية حاجات التجار من «الكتبة» وهم الموظفون الذين يجيدون القراءة والكتابة ومبادئ الحساب على وجه الخصوص لإدارة حسابات التجار، ولا يعد سراً أن الكتاتيب خرّجت أجيالاً قادرة على إجادة القراءة والكتابة والتحاسب أفضل بكثير من طلاب وصلوا المرحلة الثانوية، ما يعكس مدى تردي التعليم في الكويت حالياً مقارنة مع زمن الكتاتيب بدائية الإمكانات!

ومن المفارقات التي لا تجدها إلا في الكويت تعد تكلفة الطالب الكويتي في المدارس الحكومية الأعلى سنوياً على صعيد دول العالم، وذلك وفق تقرير للهيئة العامة لمكافحة الفساد «نزاهة» والتي حذّرت فيه من مخاطر ممارسات الفساد في قطاع التعليم، لا سيما وأن مؤسسات التعليم في الدول تحظى بمكانة محورية لدورها البارز في تحقيق التنمية المستدامة.

وفي الوقت نفسه، حذّرت تقارير عدة من تراجع مخرجات التعليم في الكويت قياساً بالإنفاق الكبير على هذا القطاع، حيث أشار التقرير السنوي للتنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى أن الكويت تنفق على التعليم كالإمارات وقطر وفنلندا، ولكن النتائج أسوأ من زيمبابوي.

فوفقاً للبيانات الرسمية المنشورة في تقارير الدولة «بلغت ميزانية وزارة التربية والتعليم لعام 2020 نحو 2.3 مليار دينار يستقطع منها 90 في المئة لرواتب الموظفين الذين يبلغون 120 ألف موظف، فيما وصل عدد الطلبة في العام 2018 قرابة 683 ألفاً، يتوزّعون على 822 مدرسة حكومية و566 مدرسة خاصة».

ورقمياً، ونتيجة لحجم هذا الصرف تعد تكلفة الطالب الكويتي سنوياً في المدارس الحكومية الأكبر على صعيد العالم، إذ تصل إلى 4693 ديناراً في رياض الأطفال، و3280 ديناراً في المرحلة الابتدائية، و3426 في المرحلة المتوسطة، و3651 في المرحلة الثانوية.

ورغم كل هذا الصرف السخي، لا يزال يعاني التعليم رداءة، ولا يبرز ذلك فقط في تزايد ظاهرة الاعتماد على الغش، بل في تصاعد مخرجات التعليم التي لا ينسجم غالبيتها مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل.

وهنا تتعاظم خطورة بقاء التعليم على جودته الحالية، حيث يقود ذلك لزيادة تمكين المقيمين في شغل وظائف المستقبل التي باتت تعتمد على التقنية مستقبلاً، خصوصاً الأعلى تعليماً وكفاءة لاحتياج السوق المتنامي لهم، ما يخالف توجهات الدولة وتطلعات المواطنين لتنظيم التركيبة السكانية على نحو متوازن.

هذه المخاوف تعد مشروعة لاسيما مع ما أكدته المذكرة القانونية التي أعدتها غرفة تجارة وصناعة الكويت حول تنظيم التركيبة السكانية ونشرتها جريدة «الراي» الأسبوع الماضي، والتي أكدت خلالها أن نظام الكويت التعليمي التدريبي قاصر، وبفارق كبير عن تلبية احتياجات المهن المستقبلية، ما يضعف قدرتنا في الاعتماد ذاتياً على العمالة الوطنية مستقبلاً أو على الأقل رفع حضورها بنسبة مؤثرة.

أخذاً بالاعتبار الإمكانية التي يقدمها التعليم المتواضع للأفراد للصعود في السلم الاجتماعي سعياً نحو مستوى معيشي أفضل.

الخلاصة:

يتعيّن أن نعترف بمشكلة ضعف جودة التعليم في الكويت بل وبردائته، وإذا فعّلنا ذلك نكون وضعنا قدمنا على طريق الإصلاح الحقيقي سياسياً واجتماعياً، وهذا بالطبع يتحقّق أكثر اذا اجتزنا امتحان اصلاح التعليم بنجاح، وسريعاً، أما إذا لم يحدث ذلك فإن طريق الاصلاح السياسي والاجتماعي والسكاني سيكون طويلاً جداً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي