No Script

المصارف تحتاج في 2022 إلى محافظ ائتمانية بحجم «XX large»

إذا أُقرّ «الدين العام» و«الرهن العقاري» هل تكفي ملاءة البنوك لتغطية... قفزة تمويلهما ؟

تصغير
تكبير

- 25 ملياراً مستهدف تمويلها افتراضياً تشكّل 35.2 في المئة من أصول البنوك و59.5 من قروضها
- سحوبات الدين العام مرحلية وإذا استمر صعود النفط فستتراجع حكماً شهية الحكومة للاقتراض
- التوسع إسكانياً ليس موقتاً على ساعة واحدة فتحرّك البناء عملية مستدامة
- نشاط البنوك يستمد قوته من حركة سيولتها فمقابل ما تقرضه تحلّ ديون
- مناعة المصارف ضد شح السيولة في أزمتي 2008 و«كورونا» ترفع توازنها عند قفزها تمويلياً
- السياسة النقدية الحكيمة في تنظيم السيولة بالسنوات الماضية عزّزت المقدرة الائتمانية كثيراً
- القطاع مازال قادراً على الاقراض في مسارات أكبر وأوسع بدليل نمو أعماله وأرباحه وأصوله
- ديون متعثرة متدنية ومخصصات عالية تعني وضع مصرفي صحي... سيولة ومخاطر
- 13 مليار دينار مساحة تمويلية متوافرة لملء أوعية الحكومة للاقتراض وتسهيلات الإسكان وخلافه

تتحضّر بنوك الكويت لأجواء ائتمانية مغايرة، إلى حد بعيد، عما كانت تشهده تشغيلياً في العامين الماضيين من تباطؤ بنمو الائتمان، بسبب البيئة التشغيلية المتواضعة، قياساً بمستويات فوائض السيولة المتراكمة مصرفياً.

ففي الفترة الأخيرة، شيء ما تغيّر في الحسابات المصرفية، بعد تنامي التوقعات المتفائلة بخصوص احتمالية إقرار قانون الدين العام، خلال العام الجاري، معزّزة بالتفاهم السياسي الحاصل أخيراً بين الحكومة والنواب، والذي كان من مقدماته إقرار قانون تعزيز رأسمال بنك الائتمان بـ800 مليون دينار، وقبله إقرار العفو الأميري عن معارضين سياسيين.

هذا التفاؤل يأتي مدعوماً أيضاً بترجيحات مؤسسات دولية إقرار قانون الدين العام هذا العام، في وقت يتنامى فيه الحديث بقوة عن إمكانية إقرار قانون الرهن العقاري أيضاً.

وهنا يبدو السؤال مشروعاً، إذا أفلحت الحكومة في إقرار القانونين فهل تستمر البنوك في المحافظة على مناعتها المعتادة التي ظهرت في الأزمات السابقة ضد شح السيولة، بتمويل احتياجات الدولة للاقتراض، والمساهمة في توفير القروض الإسكانية، دون أن يكون ذلك على حساب مساراتها التمويلية التقليدية تجاه الشركات والأفراد والمبادرين والمشاريع التنموية؟

مصرفياً، قد ترسم الإجابة عن هذا السؤال تعقيداً إضافياً، عند إلقاء نظرة على حجم الدين العام المستهدف بنحو 20 مليار دينار، وذلك حسب آخر مشروع حكومي مقترح، وكذلك عند النظر لحجم تمويل الوحدات السكنية التي تخطط المؤسسة العامة للرعاية السكنية لتوزيعها قريباً في المطلاع وجنوب عبدالله المبارك، والمقدرة بـ31.548 ألف وحدة من أصل نحو 110 آلاف طلب إسكاني.

رفع السقف

حسابياً، يعني ذلك أن هناك حاجة إسكانية تمويلية تقارب نحو ملياري دينار بحد أدنى، وذلك بافتراض أن البنوك ستكتفي بمنح قرض إسكاني كما هو مقرر من بنك الائتمان بـ70 ألف دينار، أخذاً بالاعتبار أن هناك بنوكاً أبدت استعدادها أخيراً لرفع السقف لربع المليون دينار.

وبافتراض أن نمو تمويل قروض الشركات والأفراد والمبادرين والمشاريع التنموية سيبلغ 3 مليارات دينار العام الجاري، مقابل نحو 2.5 مليار مُنحت في العام الماضي، يكون إجمالي مبالغ القروض المرتقبة نحو 25 ملياراً، تشكل نحو 59.5 في المئة من محافظ قروض البنوك الكويتية التي بلغت بنهاية نوفمبر 2021 نحو 42.1 مليار، ونحو 55.8 في المئة من حجم الودائع لديها والتي تقارب 44.8 مليار، ونحو 35.2 في المئة من إجمالي أصولها البالغة حسب بيانات رسمية صادرة أخيراً نحو 71 ملياراً، ما يجعل البنوك من الناحية النظرية بحاجة لمحافظ ائتمانية بحجم «XX large» لمقابلة الاحتياجات التمويلية الافتراضية في 2022.

ملاحظات تحليلية

ومع ذلك تزداد وجاهة السؤال، إذا أُقرّ قانونا الدين العام والرهن العقاري، هل تكفي سيولة البنوك المتراكمة لتمويل القفزة التمويلية المرتقبة مع الالتزام بمسؤولياتها التمويلية لجهة الشركات والأفراد والمبادرين والمشاريع التنموية المخططة وفقاً لرؤية «كويت 2035»؟

ولتحليل مدى ملاءة الوضع المصرفي الكويتي في الفترة المقبلة، لمقابلة التوسع الائتماني غير المسبوق، تسجّل مصادر رقابية ومصرفية مسؤولة لـ«الراي» الملاحظات التحليلية التالية:

1 - من حيث المبدأ، تمتلك البنوك الكويتية حجم توظيفات لدى بنك الكويت المركزي تقارب 8 مليارات دينار، ووفقاً لتصريحات سابقة لرئيس اتحاد مصارف الكويت نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لبنك بوبيان عادل الماجد، وفّرت الحزمة التحفيزية التي أطلقها البنك المركزي في مواجهة تداعيات «كورونا» لدى البنوك مساحة إقراض إضافية تقدر بـ5 مليارات دينار، بعد أن قادت الحزمة لخفض معايير السيولة والإفراج عن المصدة الرأسمالية التحوطية.

2 - رغم أن سيولة الـ13 مليار دينار (إجمالي توظيفات البنوك رقابياً والمساحة الإقراضية الإضافية) تمثل رقماً صعباً، إلا أنها تبدو نظرياً غير كافية لتغطية تمويل خارطة القروض الجديدة، والمرتقب تضمّنها مسارات قروض أضخم وأطول أجلاً، مدفوعة بإقرار قانوني الدين العام والرهن العقاري.

3 - في فن المصارف ليس بالضرورة أن يكون ناتج جمع العددين واحد واثنين 3، فقد يكون الناتج 4 أو 5، لاسيما إذا كانت هندسة معادلة القروض مبنية بطريقة موزعة على أدوات وفترات تمويلية مختلفة كما هو مرتقب، وإذا كان وضع السيولة في البنوك الكويتية سليماً كما هو محقق، وظلت الربحية جيدة رغم التحديات الاقتصادية المعقدة، والناجمة عن أزمة فيروس كورونا، وفقاً لما تعكسه البيانات المالية المصرفية المعلنة أخيراً.

4 - وفقاً لوكالة موديز للتصنيف الائتماني تحافظ البنوك الكويتية على سيولة جيدة، فجميع معدلات تغطيتها للسيولة أعلى من 100 في المئة، كما تتمتع بمصدات رأسمالية مرتفعة، وتحديداً بعد أن لجأت غالبيتها إلى تنفيذ هيكلة رأسمالية في العام الماضي، شملت زيادة رأسمالية مباشرة، وإصدار صكوك وسندات لمساندة رأسمالها ولفترات طويلة.

وهذا يعكس تطبيقها لمعايير بازل (3)، حيث تمنحها هذه المصدات الرأسمالية المرتفعة مع فوائض سيولتها العالية قدرة كبيرة على الاحتفاظ بمستويات رسملة كافية تفوق المتطلبات الرقابية، ما يرفع مقدرتها على القيام بدورها في تمويل الاحتياجات الاقتراضية المرتقب تضاعفها.

5 - إذا كان مبلغ الدين العام المستهدف استدانته حكومياً بـ20 مليار دينار يشكل تحدياً تمويلياً، إلا أن توظيفه لن يكون طلقة واحدة، بل مرحلياً، كما أن جزءاً مؤثراً من ملء وعائه سيكون من سوق الدين العالمية، وهذا ما يؤكده مسار استدانة الحكومة وفقاً للقانون السابق والذي انتهت صلاحيته في 2017.

6 - في الغالب لن تضطر الحكومة لاستخدام كامل مساحتها الاقتراضية المقررة قانوناً، ولعل ما يزكي هذا السيناريو تنبؤات المؤسسات الدولية الإيجابية بخصوص مستقبل النفط، حيث ترجح تجاوز سعر البرميل خلال العام الجاري حاجز الـ100 دولار، ما يُنشئ تصحيحاً قوياً لمسار الدولة مالياً، سواء لجهة حاجتها الفعلية للاستدانة، أو لناحية قدرتها الحقيقية على سد العجز ذاتياً، أو أقله تضييقه لمعدلات آمنة، مدفوعة بتحركات الحكومة التي تبدو جادة نحو زيادة إيراداتها غير النفطية وترشيد مصاريفها.

7 - في حال طلبت الحكومة الاقتراض، فستقوم البنوك كما درجت العادة بتشكيل كونسورتيوم محلي يضمن تغطيتها للديون المطلوبة، بحصص تناسب مقدرة كل بنك، وقد تلجأ إلى الاقتراض لتمويل جزء من طلب التمويل المتنامي، لا سيما إذا حصلت فائدة مزدوجة.

وقد تتبنى خطوات إضافية لمساندة رؤوس أموالها، مع الأخذ بالاعتبار أن «المركزي» يصنّف الدين السيادي الكويتي على أنه معدوم المخاطر، أي لا يُدرج ضمن حسبة البنوك في تبويب الديون التجارية المتبعة بسلم استحقاقاتها، ما يعفيها من مواجهة الضغوط التقليدية التي تتعرض لها مع القروض التجارية.

8 - معلوم أن «المركزي» يمنح تسهيلات مدروسة في رفع نسبة التركز على العملاء والمقررة رقابياً بـ15 في المئة، خصوصاً مع المشاريع التنموية والعملاء المأمونين، ما يزيد من سعة محافظ الائتمان لجهة السيولة المسموح إقراضها.

9 - بالنسبة للقروض الإسكانية، فهي أيضاً لن تكون مضبوطة على توقيت واحد، فحركة البناء مستدامة وليست مرحلية، ما يرفع قدرة البنوك على المساهمة في تمويلها بفاعلية، ودون أي ضغوط نظامية.

10 - يستمد النظام المصرفي قوة نشاطه الائتماني من دوران سيولته، فمقابل ما يمنحه من قروض جديدة، يحل سداد ديون، وهنا يتحقق التوازن المأمول في توسع البنوك ائتمانياً، كما أن توجيهات السيولة الكبيرة بخلاف العادة، ستكون معززة بتراكم فوائض السيولة، التي تشكل في حد ذاتها دعامات ممتازة للبنوك للسحب منها، دون الانكشاف على أي شح.

11 - من أهم سمات القطاع المصرفي الكويتي انخفاض تعرّضه لتمويل الأسواق الأجنبية، المتقلبة منذ فترة، فحتى نهاية أغسطس الماضي لا تتجاوز المطلوبات الأجنبية للقطاع 15 في المئة من إجمالي المطلوبات، ما يعد مؤشراً صحياً لمتانة القطاع المصرفي المحلي.

12 - تمتاز البنوك الكويتية بتسجيلها نسبة ديون رديئة متدنية، حيث ظلت بنهاية الربع الثالث من 2021 عند مستوى صحي يقارب 1.9 في المئة، ما يجعلها الأقل خليجياً، وفقاً لبيانات المؤسسات الدولية، في وقت تجنب فيه مستويات مرتفعة جداً من المخصصات، بلغ متوسطها نحو 232.3 في المئة.

13 - تعتبر القروض الشخصية، والتي تشكل نحو 38 في المئة من إجمالي محافظ البنوك الكويتية منخفضة المخاطر، نسبياً، نظراً لأنها تُقدّم بضمان الراتب، وتُستقطع بأقساط شهرية مباشرة.

14 - تتمتع محافظ الشركات بجودة عالية، لا سيما بعد تشدد البنوك وتحديداً بعد أزمة 2008 في منح الائتمان، حيث بات يعتمد القرار الائتماني بشكل رئيس على جودة العميل، واستدامة تدفقاته النقدية، كما أن التسويات التي أبرمتها البنوك على مدار الأعوام الثلاثة الماضية مع شركات غير منتظمة ساعدتها في تقليل نسبة الديون المتعثرة، وتحرير مخصصات احترازية مجنبة، وكلاهما من العوامل الإيجابية التي تؤكد وضع السيولة الصحي مصرفياً.

15 - يشهد العديد من مؤسسات التصنيف العالمية، وآخرها «موديز» بأن القطاع المصرفي الكويتي قوي، بفضل إدارة السياسة النقدية الحكيمة، والتي أفلحت في تحقيق تنظيم قوي وحصيف للبنوك المحلية، للدرجة التي جعلت القطاع مستقراً في وجه التذبذبات التي مر بها الاقتصاد في أكثر من أزمة معقدة، بدءاً من أزمة 2008 العالمية، ونهاية بجائحة فيروس كورونا، ما يعطي مؤشراً إيجابياً إضافياً حول قدرتها العالية نحو التوسع ائتمانياً بمسارات مدروسة وبتغطية عالية ونسبة مخاطر منخفضة.

16 - معهود تاريخياً أن المؤسسات الحكومية المحلية التي لديها تدفقات يتم توظيفها استثمارياً ومصرفياً، وفي مقدمتها الهيئة العامة للاستثمار التي تميل أكثر لدعم البنوك الكويتية سواء عبر إيداعاتها بالدينار أو بالدولار، وبأسعار مناسبة.

مسار مصرفي ائتماني أكثر شمولية

إجمالاً، تؤكد مصادر رقابية ومصرفية لـ«الراي» أن إقرار قانوني الدين العام والرهن العقاري، ومساهمة البنوك الكويتية في تمويل مخرجاتهما من فرص الإقراض المضاعفة بفاعلية، لن تشكل ضغوطاً تعجيزية على قدرة القطاع المصرفي في القيام بدوره بطريقة ائتمانية أكثر شمولية.

وأشارت إلى أن نمو أعمال البنوك الكويتية وأرباحها في الفترة الأخيرة رغم التدابير المترتبة على تداعيات الأزمة الصحية، يعطي لمحة كبيرة عن استقرار ومتانة القطاع المصرفي، ومستقبل بنوكه، التي تعوّل عليها الحكومة كثيراً في دعم خططها التمويلية والتنموية، كونها أحد صمامات الأمان لنمو الاقتصاد بفضل السيولة الكافية لتغطية جميع الاحتياجات التمويلية، وضمان استدامتها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي