No Script

«الراي» تضيء على زيارة وزير خارجيته لبيروت الأسبوع المقبل

أكثر من رسالة وأقلّ من مبادرة من الفاتيكان إلى.. لبنان

تصغير
تكبير

يصل سكرتير الفاتيكان للعلاقات مع الدول - وزير الخارجية بول غالاغر إلى بيروت الأسبوع الطالع، في زيارةٍ تنطوي على أكثر من رسالة، لكنها لا تحمل أي مبادرة خاصة تجاه لبنان الذي يعاني انعدامَ جاذبيةٍ بسبب أزماته غير المسبوقة.

في العادة لا يمكن التعامل مع زيارةٍ على هذا المستوى من دون الأخذ في الاعتبار الظروف السياسية والاجتماعية التي يعيشها اللبنانيون. فالفاتيكان لطالما عُرف باهتمامه بلبنان، ليس فقط بسبب الوجود المسيحي فيه، إنما بسبب أهمية العيش المشترك الإسلامي - المسيحي الذي شدّد عليه الفاتيكان في رسالة السينودوس من أجل لبنان الذي عُقد أيام البابا يوحنا بولس الثاني وأفضى إلى الإرشاد الرسولي، في زمن الوصايا السورية وأخذ أهميته لدفاع البابا عن الحريات وكرامة الإنسان واحترام ثقافة ومعتقدات الجميع الدينية والسياسية.

والفاتيكان الذي يحرص على أفضل علاقات ممكنة مع دول العالم العربي، رفع من مستوى علاقاته معها، وقام البابا فرنسيس بزياراتٍ عدةٍ للمنطقة، تحت عنوان تعزيز الحوار المسيحي - الإسلامي. وكان قَصَدَ الإمارات العربية المتحدة في العام 2019 لتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في واحدةٍ من المحطات البارزة، وزار دول المنطقة حاملاً الرسالة نفسها.

ولأن لبنان يشكل صلةَ وصْلٍ بين عالميْن، ويتأثّر حالياً بالتجاذبات السياسية المحلية والضغوط الإقليمية والدولية، فإنّ الكرسي الرسولي، يحاول في كل مرحلة حساسة التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التجربة اللبنانية. وسعى وخصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس 2020) وعلى نحو حثيثٍ لحشْد الدعم الإنساني من أجل تأمين المساعداتِ إضافة إلى دوره السياسي الدولي، نظراً لِما يتمتع به من علاقةٍ جيدة مع باريس ومع واشنطن في ظل إدارة الرئيس جو بايدن الكاثوليكي.

الإطلالة المرتقبة هي بمناسبة مشاركة غالاغر في مؤتمر تقيمه جامعة الروح القدس الكسليك عنوانه «البابا يوحنا بولس الثاني ولبنان الرسالة»، في ذكرى مرور 25 عاماً على زيارة البابا الراحل إلى بيروت. لكن غالاغر يحمل في زيارته مضامين عدة تتعلق بالوضع اللبناني الذي أبدى البابا فرنسيس أكثر من مرة اهتمامه به.

الرسالة الأولى تتعلق بوضع المسيحيين. فالبابا الذي عَقد في العاميْن الأخيريْن في الفاتيكان لقاءاتٍ لقادة الكنيسة الكاثوليكية في لبنان، والكنيسة الأرثوذكسية، حضّ هذه القيادات الروحية على إيلاء الشأن الإجتماعي أهمية قصوى في الظروف القاسية التي يعيشها اللبنانيون، وخصوصاً في القطاعيْن الاستشفائي والتربوي اللذين تضرراً كثيراً في الأزمة الاقتصادية، واللذين للكنيسة دور أساسي وفاعل فيهما. ولم ينفكّ البابا يرسل مرة تلو أخرى رسائل تشجيعية من أجل مضاعفة الكنيسة في لبنان إهتمامها بالشأنين الإجتماعي والصحي.

الرسالة الثانية تتعلق بوحدة المسيحيين. وفي هذا الشقّ يحاول الفاتيكان حضَّ القادة المسيحيين على الوحدة من أجل مواكبة التطورات التي تعيشها المنطقة وتؤثّر على لبنان. ويتردّد، بحسب مصادر كنسية، أن الفاتكيان، يحاول حضّ القادة المسيحيين السياسيين على التوافق على رؤية موحدة، في حال أصبح الوضع اللبناني على الطاولة الدولية نتيجة المتغيرات التي تحوطه في الوقت الراهن. وهذه الرسالة ستكون تحدياً أمام الفاتيكان نظراً إلى إختلاف الرؤية بين هذه القيادات حول مستقبل لبنان ونظامه. علماً أن الكنيسة المارونية (بكركي) تُعِدّ أيضاً لورشة عمل حول النظام اللبناني وسبق أن طرحت أفكاراً تتعلق بحياد لبنان وتدويل القضية اللبنانية، ولاقتْ رفْضاً من قوى سياسية كـ «حزب الله».

ومن الصعب حالياً جمع القيادات المسيحية على فكرة واحدة، نظراً إلى الإنقسام الحاد بين مواقفها ورؤيتها للوضع الداخلي والاصطفافات الإقليمية.

الرسالة الثالثة، هي أن الفاتيكان ما زال يولي تجربة العيش المشترك إهتماماً خاصاً. وهو الذي يتابع بدقةٍ أوضاع المنطقة، وأوضاع المسيحيين فيها، يشقّ طريقه نحو حوارات جدية وثابتة مع قيادات المنطقة، في ظل سياسة الإنفتاح المتبادلة. وكان لافتاً ان إتصالاً حصل بين وزيريْ الخارجية الإمارتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وأمين سر الفاتيكان بيترو بارولين الذي تضامن مع الإمارات بعد الهجوم الحوثي عليها. ورغم ان الفاتيكان لا يتخذ مواقف منحازة إلى دولة دون أخرى، إلا أن تشديده على قِيَم التسامح والتعايش، يجعل من حركته الإقليمية في مرحلةٍ حساسة، لافتةً ومعبّرة. ولذا فإن زيارة غالاغر إلى بيروت تساهم في تعزيز هذه الرؤية، وتحاول حضّ اللبنانيين جميعاً على التمسك بفكرة التعايش، في زمن الإنقسامات الطائفية والمذهبية.

لكن الزيارة لن تكون سياسيةً بالمعنى الذي ينتظره البعض، فهي لا علاقة لها بكل الحركة والضغوط الإقليمية الحالية، وليست مقدمة لزيارة البابا فرنسيس للبنان. فالبابا لم يحدد موعد أي زيارة إلى لبنان، رغم ما أثير حول إحتمال قيامه بها في الربيع المقبل أي بعد الانتخابات النيابية. لكن زيارةً بهذا الحجم يفترض التحضير لها مبكراً، وأيّ من هذه الاستعدادات لم توضع بعد على الطاولة. لكن في المقابل فإن البابا حريص على أن يكرر رسائله إلى لبنان، وغالاغر يحمل في جعبته تشجيعاً وحثاً على التضامن والوحدة والعيش المشترك، لكنه لا يحمل مبادرة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي