No Script

مضبطة اتهام وثّقها البنك الدولي وتحذير من «دمار شامل»

قيادات لبنان دبّرت الكساد المتعمّد للاقتصاد

قيادات لبنان دبّرت الكساد المتعمّد للاقتصاد
قيادات لبنان دبّرت الكساد المتعمّد للاقتصاد
تصغير
تكبير
• انكماش الناتج المحلي «الأعلى عالميا» من 52 الى 21.8 مليار دولار • مسؤول مالي عبر لـ«الراي» عن الخشية من تشظياتٍ لصرخة البنك الدولي على مسار المشاورات بين لبنان وصندوق النقد

لم يَبْقَ من خياراتِ ضغطٍ أمام مؤسسة البنك الدولي سوى اللجوء الى تجهيز مضبطة اتهامات بحق مكونات السلطات اللبنانية ورفعها الى مجلس المحافظين او أي مرجعية دولية ذات اختصاص، بهدف انتشال البلد وسكانه من سلوك «الإنكار الكبير» لمنهجية «الكساد المتعمّد» التي أودت الى تسجيل أعلى نسبة انكماش اقتصادي وأكثرها حدة وتداعياتٍ ضمن قائمة تضم 193 بلداً حول العالم.

وتستبطن هذه المقاربة في ظاهرها المُضْحِك والمُبْكي في آنٍ واحد، والتي تنقلها «الراي» عن مسؤول مالي معني، حقائق مريرة ترصدها كل المؤسسات الدولية المنخرطة في الشأن اللبناني، وتوثّقها في تقارير دورية متلاحقة تستبقها بإعلام أصحاب القرار في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتحضّهم على تغيير السلوك في مقاربة الأزمات المتفجرة وسبل معالجتها قبيل بلوغ الارتطام الكبير.

ويُخشى، بحسب المسؤول، في ضوء الصرخة الجديدة التي أطلقها البنك الدولي، وهو المصدر الدولي شبه الوحيد الذي يرفد لبنان حالياً بمساعدات مجزية وقروض ميسرة، ترسيخ قناعة «فالج لا تعالج» لتحط بمعطياتها ووقائعها على مسار المشاورات التي استؤنفت للتو مع إدارة صندوق النقد الدولي، وتصيب بالضرر البالغ جهود الحكومة وفريقها الاقتصادي الهادفة الى تسريع عقد جولات المفاوضات الرسمية وتتويجها بإبرام اتفاقية برنامج تمويل بمليارات الدولارات ترتكز الى التزامٍ مسبق بخطة تعافٍ وإنقاذٍ تمتدّ على 3 أو 5 سنوات.

وبرز في هذا السياق عدم تَرَدُّد إدارة البنك الدولي في أحدث تقرير عن لبنان وتلقت «الرأي» نسخة منه بالافصاح عن «أن نموذج التنمية الاقتصادية للبنان الذي ازدهر بفضل تدفقات وافدة كبيرة لرؤوس الأموال قد أفلس»، وبأن «الكساد المتعمّد» في لبنان "هو من تدبير قيادات النخبة في البلاد التي تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية. وقد استمرّت هذه الهيمنة على الرغم من شدة الأزمة، وهي ربما من أشد ثلاث أزمات في العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر، وباتت تُعرّض للخطر الاستقرار والسلم الاجتماعي في البلاد على المدى الطويل".

ويحدث الانهيار، وفق لتقرير، في بيئة جيوسياسية تتّسم بدرجة عالية من عدم الاستقرار، الأمر الذي يزيد من إلحاح الحاجة إلى معالجة هذه الأزمة الحادة. حيث يُقدِّر تقرير المرصد الدولي، أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي هبط بنسبة 10.5 بالمئة في العام 2021 في أعقاب انكماش نسبته 21.4 بالمئة في 2020. وفي الواقع، انخفض إجمالي الناتج المحلي للبنان من قرابة 52 مليار دولار أميركي في 2019 إلى مستوى متوقع قدره 21.8 مليار دولار أميركي في 2021، مسجِّلا انكماشاً نسبته 58.1 بالمئة، وهو الأشد انكماش في قائمة تضم 193 بلداً.

ويُقدّر أن تنخفض الإيرادات الحكومية إلى النصف تقريباً في 2021 لتصل إلى 6.6 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، وهي ثالث أقلّ نسبة على مستوى العالم بعد الصومال واليمن. وكان انكماش النفقات أكثر وضوحاً، لاسيما في الإنفاق الأساسي الذي شهد تخفيضات جذرية، الأمر الذي عزَّز دوامة الانكماش الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، يُقدّر أن يبلغ الدين الإجمالي 183 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في 2021، ليُسجِّل لبنان رابع أعلى نسبة مديونية في العالم بعد اليابان والسودان واليونان.

وفي قراءة المسؤول المالي، أنه بينما يطول انشغال الحكومة وضياع الوقت الثمين باستخلاص خطة التعافي والاستجابة لمقترحات المانحين الخارجيين من دول ومؤسسات، توطئةً لطرْحها على طاولة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فإنه لم يفت المؤسسة الدولية الإسهام المباشر في تحديد النقاط الاستراتيجية للخطة الموعودة بحيث تتلاقى بنودها مع تطلعات المجتمع الدولي، وهي معونة استشارية مجانية ينبغي أن تحوز صدارة «أفكار» ومقترحات الفريق الاقتصادي للحكومة.

ومن غير إبهام، يحدد البنك الدولي مندرجات «التعافي»، من إطار جديد للسياسة النقدية يعيد الثقة والاستقرار في سعر الصرف، وبرنامج إعادة هيكلة الدين الذي من شأنه أنّ يحقّق الحيّز المالي على المدى القصير واستدامة الدين على المدى المتوسط، إلى إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي من أجل استعادة ملاءة القطاع المصرفي، وتصحيح مالي مُنصف وتدريجي يهدف إلى إعادة الثقة في السياسة المالية، وإصلاحات تهدف إلى تعزيز النمو، وتعزيز الحماية الاجتماعية.

على وجه الخصوص، يكرر البنك الدولي دعوته للشروع في إصلاح شامل ومنظم وسريع لقطاع الكهرباء بوصفها خطوة بالغة الأهمية لمعالجة التحديات الطولية الأمد والمعقدة لهذا القطاع الذي يبقى في صميم مسار الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي في لبنان. إضافة إلى ذلك، يحتاج لبنان إلى تكثيف الجهود لضمان تقديم مساعدات الحماية الاجتماعية للفقراء والأسر الأكثر عرضة للمخاطر والتي ترزح تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المستمرة.

وفي معرض التعقيب على التقرير، قال ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي: «إن الإنكار المتعمّد في ظل الكساد المتعمّد يُخلِّف أضراراً طويلة الأمد على الاقتصاد والمجتمع. فبعد مرور أكثر من عامين على الأزمة المالية، لم يُحدِّد لبنان بعد مساراً يتسم بالصدقية للوصول إلى التعافي والاستقرار الاقتصادي والمالي، ناهيك عن الشروع في هذا المسار».

وحضّ الحكومة على المضي قدماً وبشكل عاجل نحو اعتماد خطة لتحقيق الاستقرار والتعافي المالي الكلي ذات صدقية وشاملة ومنصفة، وتسريع وتيرة تنفيذها إذا كان لها أن تتفادى دماراً كاملاً لشبكاتها الاجتماعية والاقتصادية، وأن توقف على الفور نزيف رأس المال البشري الذي لا يمكن تعويضه.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي