No Script

انهيارٌ مالي - اجتماعي ومأزقٌ سياسي متمادٍ وانهاكٌ للمؤسسات المعنية

هل ينفجر الأمن الهشّ في لبنان بـ «صاعقٍ» اجتماعي؟

قوات أمنية في موقع احتجاز شخص لموظفي مصرف وعملائه بعد رفض تسليمه أمواله المحتجرة في بلدة جب جنين أمس
قوات أمنية في موقع احتجاز شخص لموظفي مصرف وعملائه بعد رفض تسليمه أمواله المحتجرة في بلدة جب جنين أمس
تصغير
تكبير

- عصابات لسرقات مبتكرة وإقبال على اقتناء السلاح الفردي
- بلوغ الارتطام الكبير يعزز الهواجس من انفجار اجتماعي يولّد تفلتاً أمنياً

تتعاظم المخاوف في بيروت من انفجارٍ ما يتخذ شكل الفوضى الأمنية أو أحداث تخلط الأوراق.

فانسداد الأفق السياسي عشية انتخاباتٍ يخشاها البعض، مصحوباً بانهيار مالي - معيشي يشي بالجنوح نحو الارتطام الكبير، والانكشافُ الداخلي على المكاسرات الإقليمية... كلها عوامل تجعل العينَ مصلتةً على الواقع الأمني المترنح فوق... الفوهة.

وغالباً ما كان الاحتقان في لبنان يولًد انفجاراً أو اغتيالاً من شأنه تعديل قواعد اللعبة، وهو ما يجعل الجميع الآن متوجساً في لحظة «السقوط الحر» وتمادي اللعب فوق حطام الخطوط الحمر مع العد التنازلي لاستحقاقاتٍ مفصلية كالانتخابات النيابية والرئاسية التي تصادف مع بلوغ أزمةِ آليات تشغيل النظام السياسي والمالي مستوياتٍ لا سابق لها.

وحتى إفراج الثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل» المفاجئ عن جلسات مجلس الوزراء التي يُتوقَع استنئافها مطلع الأسبوع المقبل بعد انقطاعٍ لأكثر من 100 يوم، لم يدفع أحداً للاعتقاد أنه مؤشر لانفراجٍ سياسي بين مكوّنات مجلس الوزراء ولا سيما رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه و رئيس البرلمان نبيه بري الذي تَشارك مع الحزب في اقتياد الحكومة «مخفورةً» إلى أجندة أولوياتهما التي تمثلت في إقصاء المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، قبل أن تفرض دينامياتُ الانهيار وتداعياته المعيشية المروّعة، ناهيك عن «الموت السريري» لمهمة كبير محققي «بيروتشيما» (عبر خروج الهيئة العامة لمحكمة التمييز من «الخدمة» وتعذُّر حتى إصدار قراره الظني في القضية)، أن يعيد الثنائيّ التموْضع تحت سقف «بنك أهدافه» نفسه ولكن وفق «عملية انتشارٍ» لا تجعله «كيس رمل» عن مختلف الأفرقاء السياسيين في تلقي تشظيات الغضبة الشعبية حيال الوقائع الاجتماعية المروعة.

وإذ كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يزور رئيس الجمهورية أمس استعداداً لجلسة مجلس الوزراء لبحث مشروع قانون الموازنة ومواضيع حياتية ملحّة، لم تتبدّل أمس الانطباعات بأن إحياء مجلس الوزراء ليس سوى «هدنة» لتهدئة «الدفعة التعزيزية» لمسار الانهيار التي شكّلها تحليق الدولار إلى حدود 34 ألف ليرة قبل أن تنطلق محاولات ضبْطه الصامدة حتى الساعة عند نحو 25 ألفاً، وسط استمرار رصْد كيف سيردّ عون على «زكزكة» بري عبر تحديده «إطار العودة» لجلسات الحكومة وفق جدول أعمال محصور بالموازنة وخطة النهوض وقضايا معيشية، بما يمسّ ليس فقط بصلاحيات رئيس الوزراء بل أيضاً رئيس الجمهورية الذي يصعب أن يسلّم بهذا الأمر من منطلق دستوري وأيضاً سياسي في ضوء أولويات فريقه (التيار الوطني الحر) المتصلة بالتعيينات وملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وغيرها.

ولأن الأمن في لبنان لم يكن مرّة إلا «سياسياً» بالدرجة الأولى ثم اجتماعياً، يكثر التوجس من مرحلة قلاقل.

ورغم أنه لا يمكن الكلام عن معلومات أمنية محددة، إلا أن المعنيين بالأمن قلقون كسواهم من انفلات الوضع في أي لحظة، بمعنى انهيار الأمن الاجتماعي، وليس الأمن بالمفهوم العسكري المتعارف عليه. وهواجس هؤلاء كثيرة ربطاً بسلسلة أحداث متفرقة، إلا أنها لا تصل إلى حد توقع سيناريو واضح المعالم.

فالتدهور الاجتماعي الذي تزداد ويلاته يوماً بعد آخر، يمكن أن يتحول في لحظةِ تفلُّت، حالة من الفوضى الاجتماعية الشاملة، وهو ما يجعل من المتعذر على أي جهاز أمني ضبطها.

ففي المدة الأخيرة توالت روايات وأخبار متفرقة عن حوادث متعددة الوجهة... عمليات خطف مقابل فدية مالية، خصوصاً لرجال أعمال أو لشخصيات ميسورة.

عمليات سرقة بطرق مألوفة أو مبتكرة، تقدرها تقارير أمنية بالمئات إن لم يكن أكثر، وتضاعفت في شكل خيالي، وصولاً لما شهدته منطقة بقاعية أمس من احتجاز عشرات الرهائن من موظفين وعملاء في أحد المصارف من قبل مودع طلب الحصول على أمواله المحتجزة (بالدولار) وسَكَبَ البنزين في البنك وهدّد بحرقه بمَن فيه.

وفي الأشهر الأخيرة تدحرجت أعمال السرقة وتنوعت بين المناطق الجبلية التي تفرغ منازلها من السكان شتاء، وأخذت أشكالاً عشوائية لمنازل ومحال تجارية في عموم البلاد، وسط العتمة الشاملة التي تسهل أعمال السطو، وهي تحولت أشبه بالجريمة المنظّمة نظراً إلى أن المسروقات تتنوّع وتباع عبر شبكات تهريب.

فهناك عصابات متخصصة بسرقة الحديد، والكابلات الكهربائية وأغطية المجاري الصحية وبوابات الحديد للمنازل والفيلات المهجورة شتاء، من دون أن تسْلم مدافن من سرقة بواباتها الحديدية.

وهناك عصابات متخصصة بسرقة السيارات وتهريبها إما إلى سورية و إما تفكيكها قطعاً وبيعهاً في السوق السوداء بعد ارتفاع أسعار قطع السيارات.

وهناك عصابات النشل في الشوارع والأحياء وهذه باتت تشمل بيروت وضواحيها، نهاراً وليلاً في غياب أي دوريات أمنية وتوقف أعمال الكاميرات بسبب انقطاع الكهرباء.

حتى حوادث السير تكاثرت، بسبب توقف الإشارات الضوئية وغياب الرقابة والسلامة المرورية وعدم صيانة الطرق وتعذُّر صيانة السيارات بسبب صعوبة تأمين الأموال اللازمة، وتكاثرت معها الإشكالات المرتبطة بها.

ففي كل يوم تسجل إشكالات بين سائقي «جيش» الدراجات الصغيرة الذين يشكلون مجتمعاً قائماً بذاته، وطالما اتُّهم بأنه أحد أسباب الإشكالات الأمنية في التظاهرات والاعتصامات، وبين أصحاب السيارات.

كما انتشرت عمليات بيع سلاح فردي وتهريب أسلحة من سورية إلى لبنان، واللبنانيون ينشطون حالياً في شراء أسلحة فردية للحمايات الشخصية والعائلية، بعدما كثرت أعمال السطو، عدا عن استخدامها من جانب تنظيمات مسلحة بدأت تستعيد نشاطها.

ورغم أن الكلام عاد من باب تسليط الضوء على تنظيمات أصولية وسفر لبنانيين إلى العراق وتركيا التحاقاً بتنظيم «داعش»، إلا أن هذا الكلام له جانب أمني مختلف.

فعمل تنظيمات من هذا النوع يتخذ من البيئات الأشد فقراً مرتعاً له، هو عمل مستمر منذ أعوام، تتكثف وتيرته أحياناً وتخفت أحياناً أخرى، بحسب الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان والمنطقة.

لكن الأمن الذي بدأ الحذر منه يتعلق بالمأزق السياسي - المالي وأزماته الهائلة وتوسُّع رقعة وتنوع الحوادث الأمنية، إضافة إلى كيفية التعاطي مع الظواهر الأمنية، وسط ترهل الأجهزة الأمنية.

فالمؤسسات الأمنية وباعتراف قادتها تعاني حالياً من فقدان الحيوية اللازمة، اذ تسجل أعمال تهرب من الخدمة أو هروب كامل من كبرى المؤسسات الأمنية من جيش وقوى أمن وأمن عام.

وإذا كان الأمن الداخلي منوطاً في المبدأ بقوى الأمن إلا أن الجيش يتولى جزءاً كبيراً من أعمال ضبط الأمن في لبنان.

لكن الجهازين يعانيان حالياً من عدم القدرة على زيادة الضغط على العسكريين والعناصر لتنفيذ المهمات الأمنية كما هو يفترض.

إضافة إلى أن حجم التحديات الأمنية على مساحة كل لبنان وازدياد العمليات المخلة بالأمن أصبحت تشكل عبئاً على العناصر الأمنية الذين لا يستطيعون بدهياً تغطية وملاحقة كل الارتكابات.

ففي إحدى المناطق التي شهدت سرقات بالعشرات في أسبوع واحد، لم تجد بلديات المنطقة، سوى عنصرين أمنيين من جهاز رسمي للتحقيق في السرقات وملاحقة المتورطين، فيما البلديات عاجزة بسبب تدهور الأوضاع المالية وتدني مستحقاتها، عن تأمين دوريات ليلية للحراسة كما كانت الحال سابقاً.

كل هذه الاختلالات، تشكل في نظر الأمنيين بيئة صالحة لعشوائية التفلت الأمني، بحيث يصبح أي حادث عرضة كي يتحول ساحة خصبة لحوادث أمنية متنقلة. ولأن الأمن يرتبط بالسياسة في شكل كامل، فإنه كلما تضاعفت التوترات السياسية ازداد الترهل الأمني.

في حين أن ثمة بلديات تحظى بـ«حماية سياسية» ما يمكّنها من إقامة حواجز تُدَقِّق في هويات العابرين، وهو أمر يعيد إلى الذاكرة ظاهرة «الأمن الذاتي» التي عرفها اللبنانيون أيام الحرب، وعادت لتطرح نفسها بسبب الأزمة الاجتماعية الحادة.

عقوبات أميركية على 3 أفراد وكيان على صلة بـ«حزب الله»
فرضت وزارة الخزانة الأميركية أمس، عقوبات على ثلاثة أفراد وكيان واحد، مرتبطين بجماعة «حزب الله».

وحدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، ثلاثة ميسّرين ماليين مرتبطين بالحزب، وهم، عادل دياب، علي محمد ضعون، وجهاد سالم علامة، وشركتهم «دار السلام للسفر والسياحة» على قائمة العقوبات.

وذكرت الوزارة أن «شبكة حزب الله الواسعة من الميسرين الماليين ساعدت المجموعة على استغلال الموارد المالية للبنان والنجاة من الأزمة الاقتصادية الحالية».

وأوضحت أنه ومن خلال رجال أعمال مثل الثلاثة، «يحصل حزب الله على دعم مادي ومالي من خلال القطاع التجاري المشروع لتمويل أعماله ومحاولاته لزعزعة استقرار المؤسسات السياسية».

وقال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، «يدعي حزب الله أنه يدعم الشعب اللبناني، ولكن تماماً مثل الفاعلين الفاسدين الآخرين في لبنان الذين حددتهم وزارة الخزانة، يواصل حزب الله جني الأرباح من المشاريع التجارية المعزولة والصفقات السياسية الخلفية، وتكديس الثروة التي لا يراها الشعب أبداً».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي