No Script

في 2021 قَلَبَ عيْش اللبنانيين رأساً على عقب

الدولار «وحش العام» في لبنان

الدولار «وحش العام» في لبنان
الدولار «وحش العام» في لبنان
تصغير
تكبير

قد يكون الدولار الأميركي شخصية العام اللبنانية من دون مُنازِع. إذ لا تستقيم جردة السنة من دون الكلام عن الأزمة المالية التي ضربت اللبنانيين.

ففي العادة تكون إستعادة أحداث السنة، عبارة عن فهْم إنعكاس الأحداث السياسية، على مسيرة شعب ووطن. إلا أن 2021 لم يكن عام الأحداث السياسية، إنما عام الإنهيار المالي.

هو العام ما قبل الأخير لولاية رئيس الجمهورية ميشال عون ممهِّداً للأحداث الكبيرة التي ستطبع 2022، سنة الحدَث بلا مُنازِع كما هو متوقَّع، في ظل إستحقاقيْ الإنتخابات النيابية والرئاسية، عدا عن تأجيل الإنتخابات البلدية.

فالأحداث السياسية الإستثنائية الكبيرة غابت، بعد عامين من الزلازل المتتالية: 2019 عام التظاهرات والثورة الشعبية، و 2020 عام إنفجار المرفأ وسقوط 219 ضحية ما زال أهلهم يطالبون بالعدالة، وجرح الآلاف وتدمير نصف العاصمة بيروت.

ووفق هذ المعيار لم يُسَجَّل في 2021 حَدَث كبير. لكن لبنان لا يخلو من تطورات وأحداث تترك بصماتها على الوضع السياسي.

وحده خروج الرئيس سعد الحريري من الحكومة وربما من المعادلة السياسية، قد يكون الأبرز في مسار الحركة الداخلية، وهو الخروج الثاني له والأقسى في مساره السياسي بعدما أُقصي للمرة الأولى عام 2011، قبل أن يعود على حصان التسوية التي أوصلت عون إلى الرئاسة، ثم إنتخابات عام 2018.

شكلت استقالة الرئيس حسان دياب بداية حلٍّ كان يفترض أن ينتهي بتكليف الحريري تشكيل الحكومة، لكن معارضة الرئيس عون وحزبه («التيار الوطني الحر») له أفضت إلى عرقلة مشاورات التأليف، بعد نجاح مفاوضات تكليفه، في ظل الشروط التي وضعها رئيس «التيار الوطني» النائب جبران باسيل على الحريري.

استشعر الحريري برغبة إخراجه، مضافاً إليها كمّ من المشكلات الداخلية التي يعيشها «تيار المستقبل» ونأي السعودية بنفسها عن تأليف الحكومة ومجمل الوضع في لبنان. فقدّم إعتذاره عن التشكيل وكُلف الرئيس نجيب ميقاتي بالمهمة.

وخروج الحريري من السرايا ومن بيروت كعنوان أساسي، بات مثار تساؤلات حول ما يتردد عن عزوفه عن خوض الإنتخابات النيابية. وهذا إن حصل فإنه سيكون عبارة عن أكبر التحديات التي تواجهها الزعامة السنية في لبنان بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ورغم أن حكومة ميقاتي قائمة شرعياً، إلا أنه في ضوء رفض «الثنائي الشيعي» (حركة «أمل» و«حزب الله») الدعوة إلى إنعقادها بسبب مطالبتهما بسحب التحقيق في إنفجار المرفأ من يد القاضي طارق بيطار، تحوّلت إلى حكومة تصريف أعمال، الأمر الذي أضاف إلى الحال العامة فصلاً جديداً من فصول الإنهيار السياسي والتعطيل المتمادي لمؤسسات الحكم تباعاً.

الحدَث الثاني الأبرز هو أمنيّ بثلاثة وجوه كان القاسم المشترك فيها «حزب الله»: من حادثتيْ خلدة وشويا في صيف 2021 إلى حادثة الطيونة في أكتوبر، أصبح الحزب في خضم مواجهة كادت تتحول حرباً حقيقية، مع عشائر خلدة العربية – السنية، مع أهالي شويا الدروز، ومع «القوات اللبنانية» وأهالي عين الرمانة المسيحيين.

وقد سعى «حزب الله» إلى إستيعاب الحادثتين الأولى والثانية تباعاً، وتَحَوَّط لردود الفعل وكَتَمَها. ففي القراءة الواقعية ان الحزب لم يكن يريد فتْح مواجهة مع الطرفين اللذين يسعى معهما في شكل دائم إلى تبريد الجبهات الداخلية. فحَصَر ردود الفعل في المكان والزمان ولم يرفع درجة الإستنفار الذي قام به في عين الرمانة.

فحادثة عين الرمانة تبدأ بعنوان «القوات اللبنانية»، التي رفع الحزب سقف المواجهة الكلامية معها إلى الحد الأقصى، للمرة الأولى منذ أعوام. وكانت هذه الحادثة العنوان الأمني البارز الذي كاد يعيد بيروت إلى زمن الحرب الطويلة. وحُصِرت تداعياتها بفعل تدخل الجيش، لتبقى الآثار السياسية مخيمة على الحال العامة.

وإذا كان يمكن تلمس تأثيرات الحدثين الأمني والسياسي على المستقبل مع الإنتخابات النيابية المقبلة، إلا أن الحدث الإقتصادي والمالي يبقى العنوان الأبرز لعام 2021، لأن ما كُتب فيه سيكون مؤثّراً لسنوات طويلة في المستقبل، وليس من السهل الخروج منه.

بدأ 2021، وسعر الدولار الاميركي يوازي ثمانية الآف ليرة، وإنتهى العام بالدولار على تخوم ثلاثين الف ليرة، مهدِّداً اللبنانيين بارتفاعات أكثر حدة في الأسعار من الآن وصاعداً. 12 شهراً، تدهورت فيها أوضاع اللبنانيين في شكل كبير، فكانت سنة لن تُمحى تداعياتها بسهولة وستجرجر فصولها الكارثية.

فالأوضاع المالية للبنانيين تراجعت بفعل أمرين: إحتجاز أموالهم في المصارف، وانهيار سعر الليرة، إلى الحد الذي فقدت الرواتب قيمتها، ولم يعد الحد الأدنى للأجور يتعدى 25 دولاراً.

تساوى الموظفون والعسكريون والأساتذة والعمال في تدهور أحوالهم الحياتية، بعدما إرتفعت قيمة فاتورة الإستهلاك اليومي، وإنهار نظام الإستشفاء وقطاع الأدوية والشبكة الكهربائية وإرتفعت أسعار المحروقات من بنزين ومازوت للتدفئة واشتراكات المولدات الكهربائية.

لم يكن سهلاً على اللبنانيين التعود على تراجع مستوى معيشتهم وعلى طوابير الذلّ التي طبعت العام (وخصوصاً على محطات البنزين)، وعلى الإندثار التدريجي للطبقة المتوسطة التي كانت عماد لبنان ومحرّكه السياسي والشعبي والإجتماعي.

ولم يكن سهلاً رؤية اللبنانيين يتدفقون على مراكز الإعانات لتلقي صناديق الإعاشات التي تحوّلت عنواناً لمساعدة العائلات المنكوبة فيما تتعثر الحكومة في تأمين البطاقة التمويلية لها.

مشاهد كثيرة طبعت حياة اللبنانيين في السنة الراحلة، في انعكاسٍ لتغيُّر سلوكياتهم وأسلوب معيشتهم، وإزدياد حالات الفقر. والتحدي الأكبر مع نهاية 2021 يكمن في الإنتقال من مرحلة الإعتياد على دولار بثلاثين ألفاً، إلى مرحلة إرتفاع غير محدد لسقفه، فيما الحكومة عاجزة عن التعامل مع صندوق النقد، والإنتخابات النيابية على الأبواب. والإنتخابات هي الطريق إلى مكسب سريع، للنواب أصوات ناخبيهم، وللناخبين وسيلة ربح موقت، بعدما كثرت هدايا المرشحين والرشاوى الإنتخابية التي لا تصنع، مع إزدياد المساعدات وتحويلات المغتربين لعائلاتهم، إقتصاداً ولا إستقراراً نقدياً.

وإذا كانت الإنتخابات النيابية هي أول إستحقاقات السنة المقبلة، فان الوضع المالي سيكون أبرز تحديات الـ 2022. وعليه يتعلق مصير اللبنانيين وحياتهم اليومية، إذا لم تؤمن الكهرباء بفعل إستجرار الغاز من مصر والكهرباء من سورية، وإذا لم تدفع إشتراكات الإنترنت للشركات العالمية وإذا لم تتحسن خدمات الخليوي وشبكاته المهترئة التي تحتاج إلى صيانة بالدولار.

قد تكون النكات والدعابات التي تُطلق حول لبنان في سنة 2022 وعودته إلى العصر الحجري مؤلمةً، لكنها حقيقية لدى شعب قد يبدأ سنته على ضوء الشموع، وتضاء سماء عاصمته بيروت بالمفرقعات النارية لدقائق... بدَل الكهرباء.

قد يكون الدولار الأميركي شخصية العام اللبنانية من دون مُنازِع. إذ لا تستقيم جردة السنة من دون الكلام عن الأزمة المالية التي ضربت اللبنانيين.

ففي العادة تكون إستعادة أحداث السنة، عبارة عن فهْم إنعكاس الأحداث السياسية، على مسيرة شعب ووطن. إلا أن 2021 لم يكن عام الأحداث السياسية، إنما عام الإنهيار المالي.

هو العام ما قبل الأخير لولاية رئيس الجمهورية ميشال عون ممهِّداً للأحداث الكبيرة التي ستطبع 2022، سنة الحدَث بلا مُنازِع كما هو متوقَّع، في ظل إستحقاقيْ الإنتخابات النيابية والرئاسية، عدا عن تأجيل الإنتخابات البلدية.

فالأحداث السياسية الإستثنائية الكبيرة غابت، بعد عامين من الزلازل المتتالية: 2019 عام التظاهرات والثورة الشعبية، و 2020 عام إنفجار المرفأ وسقوط 219 ضحية ما زال أهلهم يطالبون بالعدالة، وجرح الآلاف وتدمير نصف العاصمة بيروت.

ووفق هذ المعيار لم يُسَجَّل في 2021 حَدَث كبير. لكن لبنان لا يخلو من تطورات وأحداث تترك بصماتها على الوضع السياسي.

وحده خروج الرئيس سعد الحريري من الحكومة وربما من المعادلة السياسية، قد يكون الأبرز في مسار الحركة الداخلية، وهو الخروج الثاني له والأقسى في مساره السياسي بعدما أُقصي للمرة الأولى عام 2011، قبل أن يعود على حصان التسوية التي أوصلت عون إلى الرئاسة، ثم إنتخابات عام 2018.

شكلت إستقالة الرئيس حسان دياب بداية حلٍّ كان يفترض أن ينتهي بتكليف الحريري تشكيل الحكومة، لكن معارضة الرئيس عون وحزبه («التيار الوطني الحر») له أفضت إلى عرقلة مشاورات التأليف، بعد نجاح مفاوضات تكليفه، في ظل الشروط التي وضعها رئيس «التيار الوطني» النائب جبران باسيل على الحريري.

إستشعر الحريري برغبة إخراجه، مضافاً إليها كمّ من المشكلات الداخلية التي يعيشها «تيار المستقبل» ونأي السعودية بنفسها عن تأليف الحكومة ومجمل الوضع في لبنان. فقدّم إعتذاره عن التشكيل وكُلف الرئيس نجيب ميقاتي بالمهمة.

وخروج الحريري من السرايا ومن بيروت كعنوان أساسي، بات مثار تساؤلات حول ما يتردد عن عزوفه عن خوض الإنتخابات النيابية. وهذا إن حصل فإنه سيكون عبارة عن أكبر التحديات التي تواجهها الزعامة السنية في لبنان بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ورغم أن حكومة ميقاتي قائمة شرعياً، إلا أنه في ضوء رفض «الثنائي الشيعي» (حركة «أمل» و«حزب الله») الدعوة إلى إنعقادها بسبب مطالبتهما بسحب التحقيق في إنفجار المرفأ من يد القاضي طارق بيطار، تحوّلت إلى حكومة تصريف أعمال، الأمر الذي أضاف إلى الحال العامة فصلاً جديداً من فصول الإنهيار السياسي والتعطيل المتمادي لمؤسسات الحكم تباعاً.

الحدَث الثاني الأبرز هو أمنيّ بثلاثة وجوه كان القاسم المشترك فيها «حزب الله»: من حادثتيْ خلدة وشويا في صيف 2021 إلى حادثة الطيونة في أكتوبر، أصبح الحزب في خضم مواجهة كادت تتحول حرباً حقيقية، مع عشائر خلدة العربية – السنية، مع أهالي شويا الدروز، ومع «القوات اللبنانية» وأهالي عين الرمانة المسيحيين.

وقد سعى «حزب الله» إلى إستيعاب الحادثتين الأولى والثانية تباعاً، وتَحَوَّط لردود الفعل وكَتَمَها. ففي القراءة الواقعية ان الحزب لم يكن يريد فتْح مواجهة مع الطرفين اللذين يسعى معهما في شكل دائم إلى تبريد الجبهات الداخلية. فحَصَر ردود الفعل في المكان والزمان ولم يرفع درجة الإستنفار الذي قام به في عين الرمانة.

فحادثة عين الرمانة تبدأ بعنوان «القوات اللبنانية»، التي رفع الحزب سقف المواجهة الكلامية معها إلى الحد الأقصى، للمرة الأولى منذ أعوام. وكانت هذه الحادثة العنوان الأمني البارز الذي كاد يعيد بيروت إلى زمن الحرب الطويلة. وحُصِرت تداعياتها بفعل تدخل الجيش، لتبقى الآثار السياسية مخيمة على الحال العامة.

وإذا كان يمكن تلمس تأثيرات الحدثين الأمني والسياسي على المستقبل مع الإنتخابات النيابية المقبلة، إلا أن الحدث الإقتصادي والمالي يبقى العنوان الأبرز لعام 2021، لأن ما كُتب فيه سيكون مؤثّراً لسنوات طويلة في المستقبل، وليس من السهل الخروج منه.

بدأ 2021، وسعر الدولار الاميركي يوازي ثمانية الآف ليرة، وإنتهى العام بالدولار على تخوم ثلاثين الف ليرة، مهدِّداً اللبنانيين بارتفاعات أكثر حدة في الأسعار من الآن وصاعداً. 12 شهراً، تدهورت فيها أوضاع اللبنانيين في شكل كبير، فكانت سنة لن تُمحى تداعياتها بسهولة وستجرجر فصولها الكارثية.

فالأوضاع المالية للبنانيين تراجعت بفعل أمرين: إحتجاز أموالهم في المصارف، وانهيار سعر الليرة، إلى الحد الذي فقدت الرواتب قيمتها، ولم يعد الحد الأدنى للأجور يتعدى 25 دولاراً.

تساوى الموظفون والعسكريون والأساتذة والعمال في تدهور أحوالهم الحياتية، بعدما إرتفعت قيمة فاتورة الإستهلاك اليومي، وإنهار نظام الإستشفاء وقطاع الأدوية والشبكة الكهربائية وإرتفعت أسعار المحروقات من بنزين ومازوت للتدفئة واشتراكات المولدات الكهربائية.

لم يكن سهلاً على اللبنانيين التعود على تراجع مستوى معيشتهم وعلى طوابير الذلّ التي طبعت العام (وخصوصاً على محطات البنزين)، وعلى الإندثار التدريجي للطبقة المتوسطة التي كانت عماد لبنان ومحرّكه السياسي والشعبي والإجتماعي.

ولم يكن سهلاً رؤية اللبنانيين يتدفقون على مراكز الإعانات لتلقي صناديق الإعاشات التي تحوّلت عنواناً لمساعدة العائلات المنكوبة فيما تتعثر الحكومة في تأمين البطاقة التمويلية لها.

مشاهد كثيرة طبعت حياة اللبنانيين في السنة الراحلة، في انعكاسٍ لتغيُّر سلوكياتهم وأسلوب معيشتهم، وإزدياد حالات الفقر. والتحدي الأكبر مع نهاية 2021 يكمن في الإنتقال من مرحلة الإعتياد على دولار بثلاثين ألفاً، إلى مرحلة إرتفاع غير محدد لسقفه، فيما الحكومة عاجزة عن التعامل مع صندوق النقد، والإنتخابات النيابية على الأبواب. والإنتخابات هي الطريق إلى مكسب سريع، للنواب أصوات ناخبيهم، وللناخبين وسيلة ربح موقت، بعدما كثرت هدايا المرشحين والرشاوى الإنتخابية التي لا تصنع، مع إزدياد المساعدات وتحويلات المغتربين لعائلاتهم، إقتصاداً ولا إستقراراً نقدياً.

وإذا كانت الإنتخابات النيابية هي أول إستحقاقات السنة المقبلة، فان الوضع المالي سيكون أبرز تحديات الـ 2022. وعليه يتعلق مصير اللبنانيين وحياتهم اليومية، إذا لم تؤمن الكهرباء بفعل إستجرار الغاز من مصر والكهرباء من سورية، وإذا لم تدفع إشتراكات الإنترنت للشركات العالمية وإذا لم تتحسن خدمات الخليوي وشبكاته المهترئة التي تحتاج إلى صيانة بالدولار.

قد تكون النكات والدعابات التي تُطلق حول لبنان في سنة 2022 وعودته إلى العصر الحجري مؤلمةً، لكنها حقيقية لدى شعب قد يبدأ سنته على ضوء الشموع، وتضاء سماء عاصمته بيروت بالمفرقعات النارية لدقائق... بدَل الكهرباء.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي