في الرابع من ديسمبر الجاري، زار بابا الفاتيكان فرانشيسكو، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في مقر إقامته في المطرانية في أثينا، ورغم الحراسة المشدّدة عند استقباله، إلاّ أنه فوجئ بقس يوناني يصيح عليه (يا كافر)! والمعروف أن الشعب اليوناني يتبع الكنيسة الأرثوذكسية المشرقية، بينما بابا الفاتيكان يمثّل الكنيسة الكاثوليكية الغربية. الأمر الذي يؤكد تجذّر الخلافات بين الكنيستين التي ترجع إلى القرن الحادي عشر.
لا يزال الأرثوذكس يحتفظون بخلافاتهم العقدية مع الكاثوليك، ويتذكرون ما تعرضوا له من قمع وإهانة من قبل الكنيسة الكاثوليكية، وما صعّب عملية المصالحة استيلاء الحملة الصليبية الرابعة عام 1204 على القسطنطينية، عاصمة الدولة البيزنطية، وقامت بنهبها وقمع سكانها، وفرض بطاركة كاثوليك عليها، وبمعنى آخر عدم التسامح الديني مع الكنيسة الأرثوذكسية وأتباعها ومحاولة فرض عقائدها عليها.
كذلك تعرّض المصريون الأقباط وهم أرثوذكس قبل الفتح الإسلامي إلى الاضطهاد الديني من قبل الكنيسة الرومانية بسبب الخلافات العقدية نفسها، وعاشوا رغم كونهم مسيحيين كمواطنين من الدرجة الثانية تحت الاحتلال الروماني. ولم يسلم المسلمون على أرواحهم بعد نجاح الحملة الصليبية الأولى عام 1099 في احتلال بيت المقدس، فقد قتل عشرات الآلاف من المسلمين على أيدي الفرنجة الصليبيين بمباركة البابا أوربان، ولم يستثن من القتل اليهود والأرثوذكس.
حتى العلماء مع بداية عصر النهضة الأوروبية لم يسلموا من اضطهاد ومعاقبة الكنيسة الكاثوليكية لهم، ومعاناة غاليليو مشهورة، ولا تزال محفورة في أذهان الأوروبيين بعد اتهامه من قبل لجنة التحقيق الكنسية بالهرطقة عندما أثبت دوران الأرض حول الشمس، وهو ما يتعارض مع إيمان الكنيسة بدوران الشمس حول الأرض، وحكم عليه بالإقامة الجبرية حتى الموت ومات في العام 1642.
وهذا ما دفع أساتذة وطلبة جامعة روما للتنديد بإعلان بابا الفاتيكان السابق بندكتوس عن زيارته للجامعة في العام 2008، وهددوا بالخروج بتظاهرة احتجاجية إن هو قام بالزيارة، الأمر الذي دفعه لإلغاء الزيارة، فقد كان الطلاب وأساتذتهم على علم بتعاطف بندكتوس عندما كان كاردينالاً مع لجنة التحقيق مع غاليليو ووصف التحقيق بالعقلاني والمنصف!
الفاتيكان، مثقل بكشف طويل من الإدانات التي تمتد في جذور التاريخ من قبل الأرثوذكس واليهود والمسلمين والعلماء الطبيعيين، وحديثاً من قبل أولياء أمور الطلبة القاصرين الذين تعرّضوا للاعتداءات الجنسية من قبل قساوسة الكنيسة الكاثوليكية وكاردينالاتها.
يبدو أن زيارة البابا فرانشيسكو لأثينا كانت استفزازاً للقس اليوناني، الأمر الذي دفعه للتعبير عن رأيه بصراحة وشجاعة وبكل ثقة.