No Script

جودة الحياة

جنون الشهرة

تصغير
تكبير

الشهرة في واقعنا الحالي لاسيما في العالم العربي لم تعُد نتاجاً للجهد والعمل كما كانت بالأمس، في الواقع يمكن لأيّ ناشط محدود الموهبة، ضعيف القدرات أن يحوز أعلى درجات الشهرة ويصبح من «نجوم المجتمع» بين عشية وضُحاها على السوشيال ميديا بعمل يفتقد أدنى درجات الإبداع والجودة في تكامل المحتوى مع الشكل، ولكن ثمة فرق في أن تأتيك الشهرة كنتيجة لوضع اجتماعي، اقتصادي مُحدد أو عمل إبداعي مُميز في الأدب، العلم، والتكنولوجيا، والابتكارات التقنية، وبين أن تسعى للشهرة والظهور والسباحة على ظهر المجتمع باستغلال أدوات الإعلام الجديد، وهي أدوات من السهولة بمكان اتخاذها آلية لتوصيل أيّ محتوى مهما كانت درجة أهميته أو حتى سخافته وكونه غُثاء، فلا رقابة فعلية على أدوات الإعلام الجديد ومحتويات الشبكة العنكبوتية سوى بعض القوانين التي تسنها الدول للحد من تفاقم أضرار الشبكات والفضاء المفتوح على البنية الأخلاقية والقيمية للمجتمع.

وطالما أن مدار حديثي عن «جنون الشهرة»، وحب الظهور في عصرنا الراهن الموسوم بالسرعة، فمن المناسب أن أتطرق لهذه الظاهرة في أبعادها المرتبطة بوسائط التواصل الاجتماعي، الذي استطاعت في غضون سنوات معدودة تغيير كثير من المفاهيم والقيم المهنية والأخلاقية في المجتمعات المعاصرة.

إن الشهرة دفعت بمجنونها لفعل أيّ شيء لجمع أعداد أكبر من المتابعين وبالتالي الربح المادي من ورائهم.

وللأسف الشديد نجد أن بعض الآباء والأمهات شركاء في هذا الجنون، يشجعون ويساعدون أبناءهم للقيام بأفعال مشينة تصل إلى حد الابتذال والخداع والكذب، وبث فيديوهات تدعو إلى اثارة الرأي العام حتى يصبحوا «ترند»، ويزيد عدد المتابعين ومن ثم تزداد شهرتهم، وتتهافت عليهم شركات الإعلانات وأصحاب المآرب الأخرى، للترويج والتسويق لبضاعتهم أياً كان نوعها ومحتواها حتى وإن كانت تدعو إلى الفسق والفجور.

السعي للشهرة ليس عيباً بالتأكيد وهي حق للجميع، ما لم يصبح هوساً وجنوناً يتخذ صاحبه أيّ وسيلة مهما كانت للوصول إليها، وما دام الناشط يقدّم عملاً يخدم المجتمع، يرتقي بذوقه ويوسع خياراته، يُثري حياته ويغيرها للأفضل، فلا ضرر في هذه الشهرة أبداً متى ما بعُد طالبها ونأى بنفسه من السطحية والابتذال والدعوة للسلوكيات المنافية للقيم والأخلاق، وحرص على ألا يُقدم للناس محتوى سطحياً زائفاً، يُسهم في انحطاط الذوق العام ويشوّه المجتمع، لكن هذا لا ينفي بالضرورة أن ثمة مشاهير نالوا نصيباً وافراً من الشهرة وكان ذكرهم طيباً لما قدموا من إيجابيات وأشياء ثرية نافعة لا تشوبها شائبة، ونقشوا أسماءهم على ذاكرة مجتمعاتهم بأعمال خالدة تركت بصمات واضحة في جميع المجالات.

إن وسائل التواصل الاجتماعي وأدواتها منحت مجاناً الشهرة لكل مَنْ هب ودب، دون التمييز بين الصالح والطالح، وكما أسلفت هذا ليس عيباً، والشهرة حق لكل من يطلبها بغض النظر عن المحتوى والشكل.

فإن كان مجنون الشهرة ذو المحتوى الفارغ لا يقع عليه اللوم في المقام الأول، فمَنْ هو المسؤول، ومَنْ هو الخاسر الأكبر؟

إن المسؤولية الكبرى تقع على مَنْ منح الشهرة لمَنْ لا يستحقها، والأشد خطراً ما دأبت عليه بعض المحطات والبرامج التلفزيونية باستضافة أصحاب «التريندات» وكأنهم سبق اعلامي عظيم، مما يساعدهم في الشهرة وخداع الناس، ويزيد من غياب القيمة الأخلاقية والهبوط بالذوق، ويتسبّب في نقل الأفكار الشاذة والأنماط السلوكية السلبية، ويجعلهم قدوة لمَنْ يشاهدهم ويتمنى أن يحذو حذوهم، لتصبح مواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن أماكن يغزوها التلوث الأخلاقي وتكتظ بالشخصيات السيكوباتية، والضحية هم جيل المستقبل الذي تاه في دهاليز مواقع التواصل الاجتماعي، فاختلط عليه الأمر ولم يعد يميز الحابل من النابل وارتبك واضطرب، والنتيجة انتشار الظواهر السلبية والأفكار المنحرفة بشكل مرعب في المجتمع، وهو الخاسر الأكبر، مجتمع تنتشر فيه الظواهر السلبية وتُهيمن عليه الأفكار الشاذة وتتلاشى فيه القيم والأخلاق.

Twitter: t_almutairi

Instagram: t_almutairii

Email: talmutairi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي