المفاوضات النووية في جولتها الجديدة... عقوبات أميركية وتصعيد إيراني
تبدأ اليوم، جولة جديدة من المفاوضات النووية في فيينا، بعدما طلب المفاوضون الأوروبيون مهلة للعودة إلى دولهم للتشاور في ضوء تقديم إيران مسودتين من أصل ثلاث، ترسم تبعاً لها خريطة التفاوض ومطالبها وخطوطها الحمر التي لم تعجب الدول الغربية.
وما حدث في اليومين الماضيين، يدل على منحى التفاوض وموقع كل طرف، خصوصاً بعدما فرضت وزارة الخزانة الأميركية، عقوبات جديدة على مسؤولين إيرانيين، وكذلك إعلان طهران أنها بدأت عملية تخصيب اليورانيوم بأجهزة طرد مركزية متطورة في مفاعل فوردو إلى درجة نقاء تصل إلى 20 في المئة عبر استخدام مجموعة من 166 آلة من طراز IR-6 المتطورة.
وبدت إيران، في ضوء ذلك، أنها تحفظ لنفسها بالحق في التحول دولة نووية عسكرية في الوقت الذي تريده ليوفر لها قوة ردع لا تستطيع أي دولة أخرى تحديها في المستقبل. وهو يمثل الكابوس الأكبر لإسرائيل، التي اعتبرت على لسان مسؤوليها الكبار وعلى رأسهم رئيس الوزراء نفتالي بينيت ورئيس الوزراء السابق إيهود باراك وقادة الجيش، أن رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، قد «غفا أثناء نوبة الحراسة» وفوت فرصة العمل على إفشال اتفاق نووي مع إيران أيام الرئيس دونالد ترامب، الذي كان أوقف التقدم الإيراني ومستوى التخصيب الذي وصلت إليه قدرات الطرد المركزي المتقدمة.
ويتهمون نتنياهو أيضاً بأنه غفا عن تطور قدرات إيران الصاروخية وقدرات المسيرات المسلحة «المتسكعة» التي يصعب اصطيادها وتزويد حلفائها بهذه القدرات المتطورة التي تمنع إسرائيل من البقاء في المكان الذي دائماً اعتقدت أنها موجودة فيه كـ«شرطي المنطقة»، يؤدب من يريد حين يشاء ويضرب في أي وقت يراه مناسباً أي دولة أو هدف مهما صغر أو كبر وأينما وجد.
ويقول الميجور الجنرال الإسرائيلي إسحاق بن إسرائيل، إنه «أجرى محادثة مع بينيت بعد وقت قصير من توليه منصبه»، قبل أشهر، ونصحه - كما نصح سلفه - بإنهاء معارضة إسرائيل للعودة الأميركية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وقبول الاتفاق النووي.
ويعتقد بن إسرائيل، أن «جهود نتنياهو لإقناع إدارة ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي تبين أنها أسوأ خطأ استراتيجي في تاريخ إسرائيل».
ولدى اللواء، الإسرائيلي سجل طويل في الأمن القومي كرئيس سابق للمخابرات الجوية، وقائد وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة في إسرائيل، ومستشار لنتنياهو.
وبمجرد البدء بالتخصيب في مفاعل فوردو، تعيد إيران البوصلة الدولية نحو المشروع النووي، بعيداً عن قدراتها الصاروخية المتقدمة وعلاقتها مع حلفائها في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن.
وتعتبر المصادر الإيرانية المسؤولة، ان «خيارات أميركا أصبحت ضئيلة جداً حتى ولو أغلقت أبواب الديبلوماسية. فالعقوبات الأميركية فرضت نفسها على أوروبا وعلى دول شرق أوسطية، فمنعت حتى العراق من دفع المليارات التي تطلبها إيران من تراكمات المستحقات عن الكهرباء والغاز الذي تزودها طهران للمناطق الجنوبية. وكذلك تفرض العقوبات نفسها على أوروبا التي لا تجرؤ أي مؤسسة فيها على التعامل مع إيران وكأن العقوبات أميركية - أوروبية لا فرق بينهما».
أما عن إعادة العقوبات إلى الأمم المتحدة، يقول المصدر المسؤول ان «روسيا والصين التزمتا أنهما لن يعطيا أميركا أي تنازل مهما سعت واشنطن إلى فرض عقوبات دولية على إيران لأن«الجمهورية الإسلامية تلتزم باتفاق عام 2015 وببنديه 26 و36 اللذين يخولاها التراجع عن الاتفاق بعد أن مزقته واشنطن عام 2018، وتالياً فان روسيا والصين تطالبان أميركا برفع كل العقوبات أولاً، وتحضانها على العودة عن خطواتها التصعيدية».
وأكدت الوقائع أن أميركا لم تعد تمتلك أفكاراً جديدة لفرض عقوباتها على إيران، وتالياً فقد ذهبت إلى فرض عقوبات على شخصيات عسكرية في الحرس الثوري أو«الباسيج» أو مديري السجون الذين لن تطأ قدمهم يوماً أميركا ولا يملكون أي حساب خارجي لتصبح هذه العقوبات مجرد خطوات رمزية فولكلورية.
وكذلك تؤكد إسرائيل أن كل خطواتها التخريبية لم تمنع إيران من التصعيد وإعادة تشغيل كل المفاعلات والمحطات التي تعرضت للتخريب ورفعت مستوى التهديد بالذهاب إلى تخصيب أعلى
(من 20 إلى 60 في المئة) بأجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً (من IR-1 إلى IR-6).
وصلت إيران إلى نقطة اللاعودة، وهذا ما يعطيها القوة بالمفاوضات وفرض جدولها على أميركا بتأجيل بداية التفاوض لخمسة أشهر ورفض كل التنازلات التي قدمتها حكومة الرئيس حسن روحاني السابقة، ولتطلب من أميركا العودة إلى الاتفاق بكامل بنوده أو التقدم باقتراحات ترضاها طهران.
هذا يعني أن التفاوض اليوم، سيبدأ بشد الحبال وإظهار مدى قدرة إيران على الكباش بعدما انطلقت حكومتها الجديدة من مبدأ أن العقوبات باقية وتتمدد، وأن الاقتصاد الإيراني يتجه نحو الشرق وأدار ظهره للغرب الذي يتوجب عليه إظهار حسن نواياه أولاً لتستدير طهران نحوه من جديد.