بالاتفاق أو الحرب بين واشنطن وطهران
المعرفة النووية الإيرانية باقية و... تتمدّد
تعود إيران إلى طاولة المفاوضات في فيينا الاثنين المقبل، بعدما توقفت نحو خمسة أشهر، في وقت تصطدم المباحثات الأميركية - الإيرانية غير المباشرة، بمخزون طهران من اليورانيوم المخضب الذي بلغ 60 في المئة بمجموع 17.7 كيلوغرام، وبإصرار على موقفها التصعيدي مقابل العقوبات الأميركية، بينما اتخذت أوروبا موقف المتفرج - السلبي.
وقد استفادت طهران من العمليات التخريبية الإسرائيلية ضد مجمع كرج، بعدما كانت أعلنت أن الهجوم دمر كاميرا للمراقبة وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتالياً فإنها لم تسمح للمراقبين الدوليين باستبدال الأجهزة المعطلة، إلا أنها تحرص على عدم دفع الموفدين الدوليين للذهاب بتقارير سلبية إلى الأمم المتحدة لتبقى العقوبات أميركية، أحادية أو أوروبية - في مرحلة مستقبلية إذا حصل ذلك - من دون أن تصل إلى قرارات أممية.
وإذا ما وُضعت عقوبات إضافية على إيران أو ذهبت أميركا إلى خيار الحرب (المُستبعد)، فإن أي من الخطوات الملوح بها لن تُفقد طهران قدراتها العلمية النووية التي بلغتها.
فقد طوّرت أجهزة طرد مركزي متقدمة تخولها في أي وقت إنتاج ترسانة نووية إذا ما دُفعت إلى ذلك، رغم أن ولي الفقيه السيد علي خامنئي كان أصدر فتوى بتحريم التوصل إلى أسلحة نووية صرفة.
وتحتاج إيران للذهاب من 60 في المئة من اليورانيوم المخصب إلى 90 في المئة لتصنيع القدرات العسكرية النووية، وهي تملك القدرات التكنولوجية لذلك في ناتانز وفوردو، مستخدمة أجهزة طرد مركزي متقدمة تمتاز بالسرعة اللازمة لتصل إلى النسبة المنشودة متى تقرر ذلك، وتالياً فإن تلويح واشنطن بالحرب أو بالضربات المحددة لن يمحي من عقول العلماء الإيرانيين المعرفة التي بلغوها.
ففي عام 1957، أرسى الرئيس الأميركي حينها دوايت أيزنهاور، أسس البرنامج النووي الإيراني من خلال مشروعه «الذرة من أجل السلام» (طرحه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن من ديسمبر عام 1953) بتقديمه مفاعلا للأبحاث والوقود والتدريب في مجال الطاقة الذرية إبان حكم محمد رضا شاه.
وبعد ذلك التاريخ بعامين، أنشأ الشاه «مركز طهران للأبحاث النووية». وقد استطاعت إيران إنتاج كميات صغيرة من «البولونيوم 210» في أوائل التسعينات، وهي مواد مشعة يمكن استخدامها لبدء تفاعل متسلسل داخل سلاح نووي.
وأعلنت طهران أنها بدأت استخدام «البولونيوم 210» للبحث في إنتاج مصادر النيوترونات للإفادة منها في المولدات الكهرو-حرارية النظرية الراديوية وليس لإنتاج أسلحة نووية.
وسمح البرنامج الأميركي «الذرة من أجل السلام»، للعديد من العلماء الإيرانيين، بتلقي التعليم النووي المتقدم في الولايات المتحدة، ما ساعد إيران على تزايد أعداد المهندسين في الهندسة النووية والفيزياء.
وكان الشاه أعلن رغبته، عام 1974، ببناء 20 مفاعلاً للطاقة النووية للسنوات المقبلة، ودعا إلى إنشاء منظمة الطاقة النووية الإيرانية.
وعند انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، انهت واشنطن اتفاقية التعاون النووي مع طهران وأوقفت إمدادها باليورانيوم عالي التخصيب.
وهذا ما دفع إيران للجوء إلى العالم الباكستاني الراحل عبدالقادر خان، الذي عمل في شركة التخصيب البريطانية - الألمانية - الهولندية URENCO واكتسب معرفته هناك في بداية السبعينات.
ونقل تصاميم أجهزة طرد مركز من نوع P-1 وP-2 إلى إيران التي نسختها وطورتها.
وقدم العالم الباكستاني، لطهران مكونات لـ500 جهاز طرد مركزي تستخدمها إسلام أباد في برنامج أسلحتها النووية، والتي تستعمل اليوم في محطة التخصيب في ناتانز، أكبر منشأة للتخصيب في إيران.
وفي 1991 ساهمت الصين بتنمية قدرات إيران النووية عبر تقديم كميات كبيرة من سادس فلوريد اليورانيوم (UF6)، المعروف بـ«الكعكة الصفراء».
وزودت مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية بمفاعل حراري مصغر بقدرة 27 كيلووات ومفاعل يعمل بالماء الثقيل ومفاعل لفصل النظائر الكهرومغناطسية تستخدم لفصل اليورانيوم ومواد كيميائية لإجراء أبحاث فصل اليورانيوم.
وكذلك قدمت روسيا تقنية لبناء مفاعل آراك للمياه الثقيلة، بتكنولوجيا قضبان الوقود للمفاعل، لتكون هي أيضاً مساهماً فعالاً بتطوير القدرات الإيرانية في التسعينات عندما بدأت بنجاح اختبار طرد مركزي من إنتاجها تحت اسم IR-1، الذي أنتج معظم مخزون طهران من اليورانيوم المخفض التخصيب.
وأدخلت إيران نسخات معدلة سمتها بالـIR-2 و IR-3 و IR-4، وشكلت مجموعات متسلسلة متعددة حيث أحصت الوكالة الذرية 164 جهاز طرد مركزياً في 2013.
وعام 2015، وقعت إيران على اتفاق عرف بالـ«JCPOA» الذي وقعه أيضاً، الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما، ليؤخر وصول طهران إلى المستوى النووي العسكري - كما تعتقد واشنطن - من دون أن يمنع إيران من الاستخدام النووي السلمي.
وهذا ما يؤكد أن أميركا كانت تحاول كسب الوقت لا غير وأن دخول إيران إلى «النادي النووي» مسألة تسمية وإعلان فقط، لأن المعرفة أصبحت راسخة لدى الجمهورية الإسلامية.
وتوصلت إيران إلى إنتاج 135 آلة طرد مركزي IR-6 في أغسطس 2021 وإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة من «اليورانيوم 235» بعد أن مزق الرئيس دونالد ترامب الاتفاق النووي عام 2018 وأخرج أميركا من التزاماتها، وكذلك فعلت إيران تدريجياً استناداً إلى بنود الاتفاق الذي يسمح لها بذلك.
وتعلن إيران أنها تطور أجهزتها إلى IR-8 و IR-9 وهذا يعكس اكتساب معرفة وإتقان لا يمكن لأي اتفاق مع أميركا - إذا حصل - منعه عنها، وتالياً فإن المبدأ الذي بني عليه الاتفاق النووي عام 2015 لم يعد صالحاً اليوم.
وهذا يدل على أن قدرات طهران النووية ستستمر إلى ما لا نهاية حتى ولو وقع الاتفاق مع واشنطن من جديد.
إلا أن هناك عقبات كبيرة مازالت تحول دون الاتفاق الإيراني - الأميركي، خصوصاً أن الطرفين لا يجلسان على طاولة واحدة، وأن الوسيط الأوروبي لا حول له ولا قوة، ما يعني أن الخلافات حول الضمانات والتعويضات وبناء الثقة مازالت عالقة ما يدفع أميركا إلى التهديد والوعيد بالخيارات العسكرية التي لن تدمر معرفة إيران النووية ولا القدرات التكنولوجية التي بلغتها، بل تأخذ المنطقة إلى حرب لا يخرج أي طرف منها سالماً و... من دون تحقيق الأهداف المنشودة.