قضاياً عالقة أمام الحكومة الجديدة تحتاج قياديين يفكون تجميدها حماية لتصنيف الكويت
ملفات ثقيلة اقتصادياً ومالياً بانتظار وزرائها
- أكثر من ملف يشكل صداعاً مزدوجاً في رأس وزير المالية رغم تعاقب المنصب
- أبرز الملفات العاجلة تتضمن نفاد السيولة والضغط على الميزانية والتصنيف
- بطء دوران التنمية واستمرار تغييب القطاع الخاص في دعم الاقتصاد
بمجرد الإعلان عن تكليف سمو الشيخ صباح الخالد بتشكيل الحكومة الجديدة، استعاد الحديث زخمه عن حزمة الملفات والقضايا الاقتصادية والمالية الملحة، التي تنتظر الحكومة المزمع تشكيلها خلال الأيام المقبلة.
ورغم أن لا جديد يحكى ولا قديم يذكر حول الملفات الاقتصادية والمالية، باعتبارها عالقة في كل برنامج حكومي، ولم تغب يوماً عن النقاش المفتوح حولها، سواء حكومياً أو نيابياً وحتى شعبياً ولدى المتخصصين، إلا أنه يمكن القول إنه في ظل الظروف الاستثنائية الحالية مالياً واقتصادياً، ووسط تعقيدات الأسواق، تتنامى الحاجة أكثر إلى اختيار وزراء قادرين في التشكيلة الحكومية المرتقبة على فك تجميد هذه الملفات، بشيفرة سر خاصة بهم عنوانها القدرة على الإنجاز ومراعاة المخاطر المختلفة التي تهدد الكويت مالياً واقتصادياً وتصنيفاً.
أبرز الملفات العاجلة اقتصادياً ومالياً تتعلق بتحديات نفاد السيولة التي تضغط على الميزانية العامة وتصنيف الكويت، وبطء دوران عجلة التنمية محلياً، علاوة على استمرار تغييب القطاع الخاص عن دوره المتوقع في دعم الاقتصاد المحلي، وأخيراً استمرار تأخر تسكين الشواغر في العديد من المؤسسات والجهات الاقتصادية. لعل البداية من وزير المالية المقبل، الذي تنتظره قائمة ملفات صعبة تحتاج في إدارتها إلى جراحة دقيقة، خصوصاً للإيرادات العامة المتوقعة للدولة خلال الفترة المقبلة، ومطلوباتها، وما ينشأ بينهما من عجز، وهنا يمكن استذكار أهم هذه الملفات:
1 - خلل الهيكلي:
سيكون على وزير المالية الجديد، أن يكون مستعداً للعمل سريعاً وبكفاءة على معالجة العيوب الهيكلية في الميزانية العامة، وتقديم معالجات تنفيذية، تضمن زيادة الإيرادات غير النفطية، على ألا يؤثر ذلك على معيشة المواطنين متوسطي ومنخفضي الدخل.
وبالطبع يحتاج مع زيادة الإيرادات كافة ترشيق المصروفات باتقان ووفقاً لتصورات قابلة للتطبيق، وليس مجرد رقم أو نسبة يتم إلزام كل جهة حكومية بتحقيقها، مع الأخذ بالاعتبار أن التحدي الرئيسي في تقليص المصروفات العامة يبرز في كلفة الرواتب والدعوم التي تتجاوز 70 في المئة من إجمالي المصروفات العامة.
2 - عجز الميزانية:
ربما لا يعد سراً أن الميزانية العامة سجلت السنة المالية الماضية عجزاً تاريخياً بـ10.8 مليار دينار، فيما كشف صندوق النقد الدولي في عرض حكومي، أن الكويت باتت عرضة في 2021 لأن تفقد مركزها التاريخي لجهة نسبة العجز المالي مقارنة بدول الخليج، إذ يرجح وفقاً لتوقعاته أن تحتل الكويت المركز الأول خليجياً عن العام الجاري في معدل عجزها المالي غير النفطي بنسبة 68.7 في المئة.
ولتفادي هذه المخاطر، يتعين تقديم برنامج استدانة مقنع لمجلس الأمة وللشعب، بما يضمن تمرير قانون الدين العام، وغيره من القوانين الإصلاحية التي يتطلب إقرارها موافقة مجلس الأمة.
3 - أملاك الدولة:
يعد هذا الملف من الملفات المعقدة والمهمة جداً، كونه يشكل صداعاً مزدوجاً في رأس وزير المالية، وأم المشاكل لأكثر من وزير تعاقب على هذا المنصب الوزاري منذ سنوات، إذ تسبب في كثير من الأحيان بسحب الأضواء من إنجازات تحققت في قطاعات أخرى بالوزارة خصوصاً مع بدء الحديث الحكومي عن ترشيق مصروفات الدعم.
فمن ناحية تتزايد أهمية إعادة النظر في هيكل رسوم هذه الأملاك اقتصادياً، بما يتماشى مع مستهدفات إدارة أملاك الدولة الخاصة العقارية بحسب تصريحات وزير المالية في الحكومة المستقيلة خليفة حمادة، والذي أكد أنه لا تتم إدارتها حسب قوى وأسعار السوق بهدف الربحية، وإنما الهدف الأساس من إدارتها هو تحقيق نفع عام ومردود اجتماعي يعود أثره على المواطن (سكن - تعليم - صحة - تعاونيات... إلخ)، وعليه فإن إدارة أملاك الدولة لا تكون وفق أسعار السوق بهدف الربحية، بل بهدف تحقيق النفع العام.
أما شعبوياً فمطلوب أن تكون هذه الأملاك بالقيمة الحقيقية السوقية لعقارات أملاك الدولة ونسبة إيرادات أملاك الدولة المحققة مع السعر الموازي لسعر السوق الفعلي.
وبين هذا وذاك، يحتاج وزير المالية المقبلة إلى إقرار معادلة تضمن عدالة تسعير أملاك الدولة، بما لا يضر من الهدف من استثمارها لدى القطاع الخاص، علماً أنه وفقاً لحمادة، بلغ إجمالي الإيرادات الناتجة عن إدارة أملاك الدولة الخاصة، واستغلالها خلال السنوات الخمس 2016/2015 - 2020/2019، نحو 432.5 مليون دينار.
4 - التضخم:
بالطبع التضخم من الملفات الحكومية المشتركة، خصوصاً بعد أن أصبح ظاهرة أكثر إثارة للقلق، فمن اللحوم إلى المعادن... يصعب التحول إلى أي مكان هذه الأيام دون رؤية ومشاهدة كلمة «التضخم» ومن الواضح أن هذا الاتجاه ليس عابراً أو موقتاً بل يبدو رقمياً أنه موجود ليبقى في الأسواق لفترات طويلة، لا سيما وأن تهديد الوباء لا يزال يهيمن على الاقتصاد العالمي في وقت يستمر عدم التوافق بين العرض والطلب.
ففي معظم الاقتصادات، ازدادت ضغوط التضخم مع ظهور مؤشرات على أن التضخم أصبح أوسع قاعدة، ويؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى ارتفاع معدلات التضخم الرئيسية، في وقت أثرت أحداث الطقس على الزراعة وزادت من الضغط على أسعار المواد الغذائية التي ارتفعت بنسب كبيرة وفق البيانات الحديثة لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية، وسط تباطؤ سلاسل التوريد، ما يتطلب معالجات حكومية أوسع لهذا التحدي.
5 - البنك المركزي:
الجميع يعي جيداً أهمية وحساسية هذا المنصب، وبعد تأكيد الأخبار المتواردة حول عدم رغبة المحافظ الدكتور محمد الهاشل في التجديد، يكون من المستحقات الرئيسية اختيار شخصية قادرة ولديها الإمكانات المناسبة لقيادة البنك المركزي بالفترة المقبلة، مع الأخذ بالاعتبار أن ولاية مجلس الإدارة شارفت على الانتهاء، وفي الغالب لن يتم التجديد لغالبية أعضائه، وهنا تتنامى أهمية اختيار قياديّ «المركزي» الجدد.
وبالطبع تقفز راية الملفات الملحة اقتصادياً إلى وزير التجارة والصناعة الجديد، ولعل أبرز الملفات الساخنة أمام الوزير الجديد:
1 - قرار الستين:
بالطبع لا يفترض أن يكون ترتيب ملف وضع آلية نهائية لمعالجة وضع الوافدين ممن يحملوا شهادة ثانوية وما دونها وبلغوا الستين عاماً في مقدمة الملفات الملحة على طاولة وزير التجارة المقبل، لكن وبحكم أنه بات الأكثر زخماً في الفترة الماضية، وكثرت تفاصيله وجدلياته يحتاج الوزير المقبل إلى إغلاقه، بآلية تضمن مراعاة ظروف هذه الشريحة ويحفظ حقوق الدولة، حتى يتفرغ لغيره من الملفات المزمنة.
2 - «المشروعات الصغيرة»:
من المفارقة أن النقاش المفتوح حول الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الفترة الأخيرة، يذكرك بنفس النقاش الذي فتح بخصوصه عند تأسيسه منذ نحو 8 سنوات، حيث تأسس في أبريل 2013 برأسمال ملياري دينار، وعملياً لم يحقق أي نسبة تذكر من المستهدف منه ضمن رؤيته التي تتمحور في بناء مجتمع ريادي يُحفّز أصحاب المشاريع على الإبداع وتحقيق فرص التنمية الاقتصادية في الكويت، بخلق وتنمية قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة محلياً.
إضافة إلى عدم الاستقرار الإداري الذي عانى منه الصندوق، وهو الأمر الذي يتطلب من الوزير الجديد العمل على استقراره إدارياً، والحرص على إعداد المسؤولين عنه لخطط تتماشى مع أهدافه وتسهم في تحقيقها، مع الأخذ بالاعتبار أن المبادرين في جميع محطاتهم واخرها الإغلاقات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة كإجراء احترازي للتعامل مع انتشار فيروس «كورونا»، لم يجدوا الدعم أو الحماية التي كانوا يطمحون إليها من الدولة لأعمالهم.
ومن ثم الحاجة مستقبلاً لتشريع صندوق المشروعات مجدداً للقيام بدوره المنصوص بالحماس نفسه الذي بدأ عند تأسيسه عليه في القانون، مع مراعاة الإخفاقات التي تمت خلال السنوات الماضية، على أن يكون ذلك مصحوباً بسرعة البت في تعيين مدير عام للصندوق بالإصالة.
3 - بيئة الأعمال:
رغم القفزة النوعية التي حققتها «التجارة» لناحية تحسين ترتيب البلاد في مؤشرات تحسين بيئة الأعمال وتعزيز التنافسية، واستكمال دخولها جميع الأسواق الناشئة، بالترقية في مؤشر«MSCI» للأسواق الناشئة، فإن من الملفات التي تنتظر الوزير المقبل استكمال المحافظة على التقدّم في تلك المؤشرات، واستكمال تعزيز المنظومة التشريعية التي تسهم في تحقيق ذلك الهدف.
وعلى الصعيد نفسه، مطلوب أن تستمر «التجارة» وجميع الجهات التابعة لها في التوسع رقمياً بتقديم جميع خدماتها، بما يضمن اختصار الوقت والجهد على أصحاب الأعمال.
4 - القسائم الصناعية:
لا يزال ملف الرقعة الصناعية وتوفير القسائم المخصصة للنشاط الصناعي، ملفاً صعباً يواجهه وزير التجارة، إذ يتطلب القطاع أن يكون هناك تحركاً حكومياً لوضع إستراتيجية متكاملة للصناعة في الكويت، وفتح آفاق الصناعة للشباب، على أن تسبق ذلك رؤية واضحة لتوزيع الأراضي الصناعية، مع تسهيل أعمال الصناعات التي أثبتت أزمة فيروس كورونا حاجة السوق المحلي الملحة إليها.
وعملياً يحتاج القطاع الصناعي المحلي لزيادة الاهتمام والتركيز عليه، خصوصاً أنه يعوّل عليه كثيراً في أن يكون أحد الموارد الرئيسية للميزانية العامة في زيادة الإيرادات غير النفطية.
5 - «غسل الأموال»:
معلوم أن لـ«التجارة» دوراً مهماً في مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تعمل عليه من خلال أكثر من نافذة، لعل أبرزهما قطاعاً العقار والذهب في الوزارة.
ورغم الجهود الواسعة التي بذلها مسؤولو القطاعين، إلا أن هناك حاجة إلى تطوير قدرات القائمين عليهما، فالتدخلات الرقابية التي تمارس في القطاعين مستجدة، وليست تقليدية، ما يتطلب مهارات تستطيع أن تحدد شبهات الأعمال في القطاعين، دون إساءة استخدام هذه السلطة، كما هناك حاجة لمزيد من الدورات والوقوف على آخر التطورات عالمياً بخصوص هذه العمليات التي تتطور بشكل متسارع.
«النفط»... ثقيل ومحدد
بالنسبة لأبرز الملفات النفطية المطلوبة من الوزير المقبل، فهي ثقيلة ومحددة، ويمكن اختصارها بالآتي:
1 - حسم اختيار الرئيس التنفيذي المقبل لمؤسسة البترول وأعضاء مجلس إدارة المؤسسة بما يضمن تحقيق الاستقرار في القطاع.
2 - تشكيل الفريق التنفيذي في الشركات النفطية التابعة ومجالس إداراتها.
3 - تعزيز الإيرادات النفطية وسبل تطوير أداء القطاع لضمان سيولة تسمح بالحفاظ على مكانته العالمية.
4 - استكمال ملف هيكلة القطاع النفطي وضع برنامج زمني وألية لتطبيقه، لتوفير الاستقرار الوظيفي للعاملين.
5 - استكمال المشاريع الإستراتيجية وأبرزها مجمع بتروكيماويات الزور لما له من عوائد مليارية ورفع القدرة الانتاجية والتكريرية بما يتماشي واستراتيجية القطاع النفطي 2040.
6 - العمل على تشكيل قاعدة جديدة من الكوادر والقيادات النفطية للعمل السنوات المقبلة.
شؤون الاتصالات
بخصوص الملفات المطروحة على طاولة وزير الدولة لشؤون الاتصالات وتكنولوجياً المعلومات كالآتي:
1 - وضع الإطار التنفيذي للأمن السيبراني والتوعية به على سلم الأولويات.
2 - توفير كابلات إضافية لربط الكويت بالعالم من خلال خدمات الإنترنت، تجنباً لعطل قد يوقف الخدمة بأكملها كما حصل منذ فترة بسبب خطأ أحد مقاولي المشاريع.
3 - جذب الشركات التكنولوجية الكبرى لفتح مكاتبها في السوق المحلي مثل «أمازون» و«غوغل» وغيرهما، بالتعاون مع هيئة تشجيع الاستثمار المباشر وبقية الجهات الحكومية.
4 - إعادة تقييم الخدمات الموجودة في القطاع لتوائم المستويات العالمية في هذا الإطار.
5 - دراسة مدى حاجة الكويت لشركات اتصالات جديدة فعلياً والفائدة من منح رخص إضافية على صعيد القطاع.
6 - تفعيل خدمة «الفايبر أوبتيك» للإنترنت في مختلف أنحاء الكويت، بما يساعد على زيادة السرعة المتاحة للعملاء.
7 - إعادة تقييم الأسعار المتاحة للعملاء في السوق ودراسة مدى الحاجة لتعديلها بما يناسب الشركات.
8 - تفعيل التحول الرقمي في كل القطاعات من خلال تطوير التطبيقات المتاحة مثل «سهل».
9 - التعاون مع «المركزي» والجهات المختصة لمنح الموافقات اللازمة لتدشين البنوك الرقمية في البلاد، ووضع الإجراءات التنفيذية الخاصة بها.
«التنمية» تحتاج من ينفض ترابها
بعيداً عن الوزير المختص ومسؤوليته، يعد ملف التنمية بجميع تفاصيله من أهم الملفات المطلوب نفض الغبار عنها في الفترة القريبة المقبلة قبل فوات الآوان، وبالطبع لا ينبغي أن يكون ذلك من باب التمني أو الرغبة الحكومية، بل من خلال اتخاذ قرارات وأفعال تنفيذية تؤدي لعودة دوران عجلة التنمية المتعطلة منذ فترة.
فيكفي الإشارة إلى أنه وفقاً لتقرير بنك الكويتي الوطني تراجعت وتيرة ترسية المشاريع بشكل ملحوظ في الربع الثالث من 2021، إذ انخفضت القيمة الإجمالية للمشاريع التي تمت ترسيتها إلى 152 مليون دينار (-68 في المئة على أساس ربع سنوي، -57 في المئة على أساس سنوي) وفقاً للبيانات الصادرة عن مجلة «MEED»، وبذلك يصل إجمالي قيمة المشاريع التي تم إسنادها في 2021 حتى الآن إلى 916 مليوناً.
وتزداد أهمية هذه الأرقام عند مقارنتها مع الحركة المتسارعة خليجياً، للدرجة التي بات الجميع معها يسمع يومياً عن إطلاق مشاريع مليارية تارة في السعودية وأخرى في الإمارات وكذلك في قطر، رغم أن الكويت سبقت جميع دول الخليج برؤيتها الكويت 2035، وخططها المعلنة للتحول إلى مركز مالي وتجاري في المنطقة، ما دفع شركة وفرة للاستثمار للقول في تقرير لها «من حق المواطن الكويتي أن يشعر بالغيرة لما وصلت إليه الكويت مقارنة بجيرانها التي كانت تسبقهم فأصبحوا يسبقونها».
أخيراً: تعد التنمية الحقيقية الضمان الأكبر والأوسع لنهضة الكويت ومواطنيها والقفز بهم فوق جميع التحديات سواء التي تتعلق بعجز الموازنة أو تلك المرتبطة بالتوظيف وضمان الرفاهية المستدامة المبنية على قواعد أكثر صرامة في زيادة الإيرادات غير النفطية.