المسؤولون في غيبوبة والناس تأوي إلى يأسها

بانوراما لبنانية لشعبٍ يعيش بلا... كل شيء

تصغير
تكبير

- فقر وبؤس وراء جدران بيوتات نحو 80 في المئة من اللبنانيين
- «الويك إند» بلا زحمة سير وأيام الأسبوع بلا حركة عصراً...
- سرقة إطارات السيارات تحوّلت مهنة مربحة... فسعر الواحد نحو 3 أضعاف الحد الأدنى للأجور
- آلاف الطلبات يومياً على «باسبور حلم»... مع وقف التنفيذ

لا تكفي كل الروايات وأدب الحروب والمجاعات والأمراض لوصف حال الشعب اللبناني... في زمن العولمة والتقنيات الحديثة ورحلات السياح الصاعدين إلى الفضاء، يعيش اللبنانيون بلا كهرباء، وبلا إنترنت، وبلا بنزين وبلا أدوية وبلا طعام وبلا مقومات حياة. كل شي يسير يومياً إلى الهاوية في شكل متسارع، وسط غيبوبة المسؤولين وصمْتٍ مريبٍ من الجميع.

كل ما قيل قبل تشكيل الحكومات عن الأزمات اليومية، أصبح في خبر كان.

لا أحد يتحدث عما يحصل حقيقة في البيوتات والعائلات الجائعة، وفي المؤسسات التجارية والصناعية المنهارة.

والناس أيضاً خانعون. اليأس اللبناني من كل حل صار أقوى من أي ثورة ومن أي مطالبات شعبية.

لكن معاينة الأيام اللبنانية تُنْذِر بالأسوأ والأخطر والأشد إيلاماً.

بعكس ما كانت عليه الحال في الأيام العادية، بدأت عطل الأسبوع في لبنان تتخذ منحى مغايراً.

عادة كانت الأوتوسترادات الممتدّة من الشمال والبقاع والجنوب إلى بيروت، تشهد مساء كل سبت وكل أحد زحمة سير خانقة، فتتوقف أرتال السيارات بالمئات للعائدين من العطلة صيفاً أو شتاءً.

منذ أزمة المحروقات وارتفاع أسعارها في شكل خيالي، تبدلت أحوال اللبنانيين.

صارت العجقة تتزامن مع بدء الأسبوع وتنتهي بنهاية عمل المؤسسات والشركات والمصارف والمدارس، عند الظهر، لتنعدم الحركة عصراً فيكاد لبنان يغرق في العتمة بسبب أزمة الكهرباء وانكفاء المواطنين عن الخروج ليلاً، لارتفاع أسعار المطاعم والحانات والمحروقات.

ومنذ أن باتت صفيحة البنزين تتخطى ثلث الحد الأدنى للأجور، صار اللبنانيون يستخدمون سياراتهم للذهاب إلى العمل فقط. والعمل أصبح في بعض المؤسسات والشركات والقطاع العام متفاوتاً بسبب الأزمة، فتعمد شركات إلى تقنين دوام الموظفين تخفيفاً للأعباء.

هي واحدة من المتغيّرات التي يعيشها اللبنانيون بعد نحو عام ونصف العام من التدهور الذي لا ينفك يضرب ما تبقى من الطبقة المتوسطة ويمعن في الفتْك بالطبقة الفقيرة.

منذ أشهر والفقراء والذين أصبحوا معدَمين أكثر فأكثر، ينتظرون البطاقة التمويلية التي وُعدوا بها، لكن وعود الحكومات أصبحت جوفاء، تماماً كما الوعود بالكهرباء 14 ساعة، وبتأمين المصارف أموال المودعين فيما هي أصبحت خارج الحدود اللبنانية. ومنذ أشهر كذلك، تتفاقم أزمة اللبنانيين بعدما انهارت قيمة رواتبهم، وطارت مدخراتهم وتعويضاتهم، وإنهار نظامهم الاستشفائي وانعدم وجود أدويتهم التي حلّ كالصاعقة قبل ثلاثة أيام سريان رفْع الدعم الجزئي عن المُزْمنة منها (غير المستعصية) بنسب راوحت بين 75 و35 في المئة بحيث ارتفعت أسعار بعض الأدوية مثلاً بطريقة مؤلمة، من 19 ألف ليرة إلى 126 ألفاً، ومن 49 ألفاً إلى 223 ألفاً ومن 39 ألفاً إلى 183 ألفاً.

الأشهر الأولى للأزمة الاقتصادية انشغل الجميع بترتيب الأمور اليومية، كان اللبنانيون خرجوا من معاناة «كورونا» التي طغت على الوضع الاقتصادي، بعدما حلّ الخوف من المرض في غياب الاستشفاء والأدوية والأوكسجين، محل الهاجس الاقتصادي. وما أن تراجعت أعداد مرضى الجائحة والوفيات، وعادت دورة الحياة اليومية إلى سابق عهدها، حتى صُدم اللبنانيون بارتفاع أسعار المأكولات والمشروبات والحاجات اليومية وغياب مجموعة واسعة من المنتجات المستوردة.

ومع تَفاقُم أزمة البنزين، سجل مزيد من ارتفاع الأسعار حتى للمنتجات المحلية بسبب غلاء فواتير المولدات الكهربائية والمازوت والبنزين لشاحنات النقل الداخلي، فباتت شركات المياه اللبنانية مثلاً تبيع غالون مياه الشرب بأربعة أضعاف سعره الأصلي، وتضاعفت أثمان السلع عشوائياً، إلى حدّ لم يعد في استطاعة عدد من السوبرماركت تغيير أسعار بضائعها يومياً. كل الأسعار أصبحت خيالية قياساً إلى قيمة الرواتب، لأن اللبنانيين ما زالوا يتحدثون فقط عن المأكل والمشرب.

لا أحد يتحدث عن شراء ثياب له ولا عن حذاء يبلغ سعره ثلاثة ملايين ليرة، ولا شراء هاتف خليوي أو كمبيوتر.

كل المشاهد المأسوية التي تعمّ دول العالم الفقيرة، من أفريقيا إلى أميركيا اللاتينية، بدأت تتكرر في لبنان الذي أعلن الناطق باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس، أن 78 في المئة من شعبه بات يقبع تحت خط الفقر.

وكل ما كان يسمعه اللبنانيون ويقرأونه باتوا يعيشونه. في الأحياء الشعبية، نتف من الحياة الصعبة، صارت واحدة من الشمال إلى الجنوب، حيث العائلات التي عانت الحر صيفاً بسبب عدم وجود مكيفات ربْطاً بأزمة الوقود، بدأت تفتش عن بديل للتدفئة.

فكيف الحال في الجبال حيث الصقيع يضرب الأجسام التي تعاني سوء التغذية وضعف القدرة على الصمود وعلى شراء الحطب والمازوت والغاز للتدفئة ولا حتى على توفير الفحم المُضِرّ أساساً والذي يؤدي إلى حالات اختناق. هو الفقر الذي ما زال مغطى بقشرة رقيقة من المساعدات.

جنود يحملون إعاشات، ومواطنون ينتظرون الأعياد بلهفة من أجل أن تتدفق صناديق المعلبات والطحين والسكر. صارت الأعياد بحسب الطوائف، على موعد مع المؤسسات الإنسانية والمتبرعين. عيد الميلاد القريب بعد عيد الأضحى والفطر، وعيد الفصح، ومناسبات تتكرر ومعها صناديق إغاثة.

ولكن اللبنانيين باتوا في حاجة إلى أكثر من الأرز والمعكرونة. يحتاجون إلى دواء واستشفاء وكهرباء وتدفئة وبنزين وإلى إصلاح سياراتهم، وإلى إطارات لها، بعدما باتت تكلفة الإطار الواحد (نحو مئة دولار) توازي نحو 3 أضعاف ونصف الحد الأدنى للأجور، فتحولت سرقة الإطارات مهنة مربحة، حيث يتناقل اللبنانيون صوراً من غالبية المناطق لسيارات مسروقة إطاراتها، وحيث تعم السرقات المناطق الجبلية التي غادرها أهلها شتاء، وفي الساحل حيث لا كهرباء ليلاً وحيث لا شرطة بلدية ولا قوى أمن.

كل الموبقات باتت مباحة، حرق الغابات وقطع الأشجار للتدفئة، سرقة الدواليب، وسرقة بطاريات السيارات في وضح النهار.

صارت السرقة خياراً، بعدما شرعتها المصارف وشرعتها السلطات المتعاقبة، فبات اللبنانيون بلا «كل شيء».

يومياً تزداد أوجه الحياة الصعبة، عدد الذين يطلبون جوازات السفر يفوق الآلاف، وليس في مقدور غالبيتهم السفر. لكن الجواز بات وسيلة الحلم من أجل ساعة صفر تنعدم فيها كل وسائل العيش.

في أحد المستشفيات الخاصة، يقبع مريض يحتاج إلى عملية جراحية طارئة، ورغم أن لديه تأميناً صحياً إلا أن تكلفة العلاج والعملية، باتت أكبر من قدرة شركات التأمين.

إذ طلبت إدارة المستشفى من المريض تأمين 25 مليون ليرة فارق التأمين.

أي ما يوازي الألف ومئة دولار وفق سعر السوق الموازية، في حين أن راتب هذا المريض لا يتعدى بعد انهيار الليرة أكثر من 150 دولاراً.

مريضة أخرى تبحث منذ أسابيع عن دواء علاج السرطان، ولا تجد سوى صيدلية باتت تقسم علبة الدواء على مرضاها كي تستطيع تأمين حاجات الجميع.

والدعم الذي رُفع عن سعر المازوت وأصبح يباع بالدولار، وتَعَمَّم رفْعُه على القسم الأكبر من الأدوية ولو بعضها نسبياً، قد «يتطوّر» في مرحلة ليست بعيدة في ما خص بيع البنزين، وسط توقعات بأن تطلب المحطات من المواطنين دفْع سعر الصفيحة بالدولار وليس بالليرة من أجل توفير ما يطلبه مصرف لبنان من شركات الاستيراد لجهة تأمين 10 في المئة من المبالغ المتوجب دفعها بالدولار من السوق السوداء.

وتشير التقديرات الى أن هذا «أول الغيث» وأن نسبة الـ 10 في المئة ستزداد مع الوقت لتصبح 100 في المئة لأن «المركزي» لم يعُد قادراً على الاستمرار بتأمين الدولارات لاستيراد البنزين، وهي الحلقة التي ستؤدي إلى ارتفاعات كبرى في سعر صرف الدولار وتالياً المحروقات المربوط تسعيرها أيضاً بسعر النفط عالمياً.

كل ذلك واللبنانيون وكأنهم يعتادون تردي أوضاعهم. مشهد بعض الحياة في المطاعم مشهد كاذب، عائلات ما زالت تصرف من مدخراتها، وأخرى لديها مَن يرسل إليها أموالاً من الخارج وفئة من اللبنانيين أصبحت تقبض «الدولار الطازج».

إلا أن الحياة لا تقف عند هؤلاء، لأن 80 في المئة من اللبنانيين يعيشون وسرطان الفقر ينهش في أجسامهم، من دون أن يُحرّكوا ساكناً وكأنهم يموتون... على السكت.

أرقام الجريمة في لبنان... صعوداً
تسجّل أرقام الجريمة في لبنان ارتفاعات مطردة على وقع الانهيار الشامل المتدحرج. وبحسب «الدولية للمعلومات»، فخلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، وصل صافي عدد السيارات المسروقة إلى 1.097 سيارة مقارنة بـ 351 سيارة في الفترة ذاتها من 2019 أي بزيادة 212.5 في المئة.

كما ارتفعت جرائم السرقة الأخرى خلال الفترة ذاتها مقارنة مع 2019 بنسبة 265.6 في المئة.

وتراجعت بشكل محدود أعداد قتلى الجرائم بنسبة (1.1 في المئة) خلال الأشهر الـ 10 الأولى من 2021 مقارنة مع الفترة ذاتها من 2020.

أما بالمقارنة مع الفترة ذاتها من 2019 فقد ارتفعت بمقدار 90 قتيلاً أي بنسبة 101 في المئة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي