No Script

سافر إلى ذاتك

هل أنت المتغير أم الزمن؟

تصغير
تكبير

التقى الصديقان بعد سنوات لا بأس بها في تبدل ملامحهما، وإسدال الشيب على رأسيهما، وتغير أفكارهما ومعتقداتهما وقناعاتهما، وبالتأكيد تبدل خبراتهما ووعيهما ونظرتهما للحياة.

سأل أحدهما الآخر... 20 سنة يا بومحمد قد تغيرت كثيراً.

أجاب الآخر، باندفاعة عالية الصوت كانت كفيلة أن يسمعها الجميع رافضاً كلام صاحبه... أنا لم أتغير، بل تغير الزمان ولا أنا على حالي مثل ما كنت وهكذا سأكون.

كان متفاخراً بوقوفه الفكري، بتبلد خبراته ومحدودية قناعاته وتصلب انجازاته...

وكنت متعجبة حد الذهول الذي جعلني مستغرقة في الإنصات لهما، وكأنني جالسة إلى طاولتهما، لم يكن إنصاتي فضولاً غمرني فحسب، بل كان نتيجة ذهولي ولعلو أصواتهما التي اقتحمت أذني لتجر كلماتهما لي.

أذكر جيداً، كنت أجلس على تلك الأريكة ذات اللون الزهري، أرتشف قهوتي الصباحية كعادتي اليومية، ولكن ما اختلف ذاك اليوم أنني لم أجلس مع نفسي بل كنت معهما، وأجيب بأعماقي عن إجابة أحدهما التي أزعجتني، والذي يؤكد بها أن الأيام تتغير، لا هو، والسنوات تتبدل، لا عمره، والحياة تمضي بخبراتها متجاهلته.

عزيزي، الذي لم تتغير بل تغير الزمن؟

هل الزمن متغير؟ نعم!

وهل يتغير بمفرده؟

لا!

هل نحن خاضعون لمتغيرات الزمن؟ إذا كنا نحن من صنع هذه المتغيرات؟

نعم، التغيير عملية شاملة، تراكمية تبدأ بشيء وتنتهي بكل شيء.

فكيف، إذن لا نتغير؟

أسئلة منطقية كنت أتساءل تحتاج إجابات توافيها في المنطق وفي القياس وفي الواقعية،

وأهم سؤال يجب أن نسأله أنفسنا، من يخضع للعبودية نحن أم الزمن؟

من وجهة نظري، ان الإحساس بعدم الخضوع لعبودية الزمن، هو المحرك الأساسي للتجديد، وهو أول نقاط التغيير، فالعمر لا علاقة له بالإنجازات ولا قطف الثمار ولا متى ستبدأ، فالتوقيت في الحياة بين البشر في الوعي والفكر والنجاح والاستيعاب مختلف جملة وتفصيلاً، وعلى ذلك تطور العنصر البشري لا يخضع للتساوي بالنتائج لاختلاف القدرة والاستعداد والخبرة.

ولكن هناك سؤال آخر، طالما لا يوجد توقيت يجمع الجميع لماذا نرفض أن نتغير؟ أو لماذا نظن أن التغير هو غروب للشخصية؟

لماذا لا يكون شروق لشخصية أفضل جديداً يسعى الجميع لامتلاكها ومن بينهم نحن؟

قد أكون اليوم أنا بشخصية مندفعة، ثائرة، انفعالية وأكون غداً شخصية متوازنة، هادئة، منطقية، في كلا الحالتين هذا الشخص هو أنا، انتقل من مرحلة الإعدادية في الشخصية لمرحلة جامعية، الحكمة هي جوفها، والحلم هو مستقبلها، والواقع هو مزرعتها لحصاد الغد.

فما المانع؟

أنت تكون أنت شخصاً آخر ليس كالذي كان أمس؟!

لماذا التغيير مرعب للناس، وكأنه وصف سيئ، بدلاً من أن يكون ميزة جيدة؟

كانت إجاباتي له، كثيرة وسريعة، إلا أنها كانت صامتة وغير مسموعة.

أفقت على نفسي وعدت إلى قهوتي بعد تلك الثرثرة في أعماقي لأرتشفها... متيقنة أن الصدام الفكري الذي حدث بيني وبينهما، لا جدوى منه، فهو رؤية تقليدية، بقت قائمة لقرون، رغم امتلاكها مقومات التجديد والتطوير، إلا أن التغيير قرار، والوعي قرار، والانتباه قرار، والتجديد قرار، وأن تكون أفضل من أنت السابق قرار، والشخص الذي لا يتغير كل فترة وتتطور أفكاره وقناعاته قد يضيف فكراً، وقد ينسف فكراً، ويعترف بوجود فكر أفضل منه وقد ينادي بشيء ويتراجع عن تلك المناداة بوعي آخر وقد يحمل شعاراً ويعدل عليه، شخص لا يمكن الوثوق به، فالتغيير يعني أن تتعمق أكثر وتعدل أكثر وتتطور أكثر وأكثر.

‏Twitter،Insta; @drnadiaalkhaldi

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي