No Script

«الراي» قلّبت مذكرات عمّته صونيا على وقع «خطيئة قرداحي»

فرنجية «ابن الخطّ» ينقلب على «إرثه»

تصغير
تكبير

حين كان الرئيس سعد الحريري يحاول إبرامَ تسويةٍ مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في باريس لانتخابه رئيساً للجمهورية بعد شغور الرئاسة اللبنانية بانتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان (2008 – 2014)، كان الانطباعُ الأولي أن فرنجية قد يكون الأكثر قبولاً.

وفي حيثيات هذا الانطباع، أن فرنجية مرشح من خط 8 آذار، وحليف حزب الله والرئيس نبيه بري وقريب جداً من الرئيس بشار الأسد. أما ورقتُه الرابحة فهي أن السعودية لن تقف ضده، بخلاف موقفها من الرئيس ميشال عون. حتى أن السفير السعودي آنذاك علي عواض العسيري قال «إننا نبارك هذه المبادرة وحريصون على ملء هذا الفراغ الرئاسي لأن البلد والمؤسسات فيه ووضعه الاقتصادي يحتاج ذلك»، وهو ما عُدَّ حينها موافقةً سعودية على انتخاب حليف حزب الله. لكن كانت للحزب حسابات أخرى، ولم يرض بتسوية فرنجية، كما لم توافق «القوات اللبنانية» التي أبرمت اتفاق معراب مع العماد ميشال عون فانتُخب رئيساً قبل خمسة أعوام بالتمام والكمال.

قد يكون فرنجية ورث زعامة زغرتا والمقعد النيابي والوزاري عن جدّه الرئيس سليمان فرنجية وشقيق جده حميد فرنجية، لكنه أيضاً ورث مع زعامته علاقته بالسعودية، كما علاقته بسورية. وهو الذي طوّر صلاته بدمشق بحُكْم العلاقة التي رَبَطَتْه أولاً بباسل حافظ الأسد، ومن ثم بالرئيس الحالي بشار الأسد. إلا أن علاقته بالسعودية ظلّت محكومةً بالإرث التاريخي وإصرار المملكة على التعامل معه، رغم اختلاف النظرة في كثير من المحطات كما حصل منذ الطائف الى ما بعد مرحلة عام 2005، كوريثٍ لعائلةٍ تَشارَكَتْ معها الكثير من المراحل السياسية الإقليمية منذ عهد الملك المؤسس، إلى مشاركة السعودية في كل الوساطات الدولية والإقليمية لإنهاء الحرب في لبنان، من مؤتمريْ جنيف ولوزان اللذين شارك فيهما الرئيس فرنجية وصولاً إلى مؤتمر الطائف.

قيل الكثير عن هذه العلاقة التي بدأت وطيدةً مع حميد فرنجية، وزير الخارجية ووالد إحدى أبرز شخصيات قوى 14 آذار النائب الراحل سمير فرنجية الذي ورث تأثيراتها أيضاً. وهي علاقةٌ نشأت مع بداية صعود الدور السعودي والنهضة والعمران في المملكة، وظلت واحدةً من العلامات اللافتة في مسار علاقة الرياض بالقوى السياسية وخصوصاً المسيحية. ومع أن سليمان فرنجية برز في المرحلة الأخيرة كأحد أبرز وجوه الثامن من آذار، فيما الرياض تقف الى جانب قوى 14 آذار، لم تصبح العلاقة بين الطرفين يوماً سيئة، بل على العكس فإن المملكة العربية السعودية وقفت الى جانب عائلة فرنجية ودعمتْها على كل المستويات.

بداية العلاقة جاءت مع الدور الذي لعبه حميد فرنجية. وفي كتابها «وطني دائماً على حق» تروي عمة زعيم «المردة» ابنة الرئيس سليمان فرنجية صونيا زوجة الدكتور عبدالله الراسي الذي كان أبرز الأطباء في السعودية في الخمسينيات أنه في أول لقاء لها مع الملك فيصل سألها عن حميد فرنجية «الذي يكنّ له تقديراً كبيراً».

ومن موقعها الى جانب والدها تروي فرنجية «منذ عهد الملك عبد العزيز، دعمتْ المملكة التنوعَ الطائفي وهو الذي قال «لبنان هو نافذتنا المفتوحة باتجاه الغرب بفضل مسيحييه، دعونا لا نغلق هذه النافذة لأننا بذلك سنختنق». وتضيف إن الملك فيصل كان صديقاً كبيراً للبنان، وفي أول قمة عربية حضرها فرنجية "أحاط الملك فيصل بفرنجية إحاطة الشقيق الأكبر، وكان يفسح المجال له حتى يمرّ قبْله قائلاً له «أفعل ذلك عمداً كي يلاحظه كل المشاركين فيتلقفوا الرسالة».

وقبل عامين نشر السفير السعودي في لبنان وليد بخاري عبر «تويتر» صورة الملك فيصل والرئيس فرنجية وأمراء وشخصيات يؤدون العرضة السعودية عام 1967. وجاء نشره التغريدة قبل أيام قليلة من زيارته لبنشعي للقاء رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

وتنقل صونيا فرنجية نصيحة والدها لها حين قررتْ الالتحاق بزوجها في السعودية: «تذكَّري دائماً أن عليك احترام عاداتهم وتقاليدهم هناك. والعائلة المالكة السعودية توازي العائلات المالكة في أوروبا أهمية. إذا تكلفتِ عناء الإصغاء بانتباه، يمكنك أن تتعلمي القِيَم العربية الحقيقية».

منذ عهد الرئيس فرنجية، ظلت العلاقة وثيقة بينه وبين السعودية، وحافظ السعوديون على دورهم كوسطاء مع قادة القوى السياسية والزعماء الذين لبوا دعوتها مراراً إلى وساطاتٍ لحل الكثير من الصراعات التي واكبتْها الرياض منذ ما قبل الحرب اللبنانية التي اندلعت عام 1975، الى حين عقدها مؤتمر الطائف (1989) والاتفاق الذي طبع مرحلة إنهاء الحرب وبداية السلم الأهلي.

كانت السعودية حريصة على التوازن في العلاقات مع القوى السياسية، وزعامة فرنجية وتيار المردة واحدة منها. ورغم أن مرحلة ما بعد 2005 واغتيال الرئيس رفيق الحريري حفلت بتوترات بين قوى 8 و14 آذار، ظلّ السفراء السعوديون يزورون بنشعي حيث مقر فرنجية ومنزله. لكن زعيم «المردة» كانت له ملاحظات على دورها إلى جانب خصومه. وهو اتهمها عام 2008 وقبل موعد الانتخابات «بضخ الأموال في لبنان لدعم معارضي سورية».

لكن رغم الموقف الذي اتخذه فرنجية من الرياض، فإن العلاقة بينهما ظلت قائمة وتُوِّجت إيجاباً في مرحلة تسويته مع الحريري لانتخابه رئيساً ومن ثم فشلها، وهي تبِعةٌ لا تتحملها الرياض التي أيّدتْها. علماً أن فرنجية كان يوجّه من حين الى آخَر سهامه نحو المملكة على خلفية وقوفه الى جانب حزب الله في موضوع سورية والحرب في اليمن.

ومع اختيار الوزير جورج قرداحي من حصة فرنجية، الذي تَمَثَّل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بوزيريْن من خارج معقله ومنطقة الشمال، كان رئيس المردة يعطي لسورية حصةً وزارية، إذ أن قرداحي محسوب عليها بفعل علاقته مع الرئيس بشار الأسد. لكن ما أثارتْه تصريحات قرداحي حول السعودية والإمارات وإساءته لهما واتهامهما بـ «العدوان» على اليمن من ردود فعل عربية وسعودية جَعَلَ موقف فرنجية دقيقاً. فهو بزيارته بكركي (حيث مقر البطريركية المارونية) وَضَعَ الملف في يديها فلا يضطر إلى التخلي عن وزيره وتَرَكَ الباب مفتوحاً أمام قرداحي ليتخذ قراره بنفسه، كاشفاً أنه رفض أن يقدّم قرداحي استقالته من القصر الجمهوري «كي لا يبيعها عون للسعوديين، وأنا لم آتِ بقرداحي لأقدّمه فدية لأحد». إلا أن فرنجية حاول حفظ ماء الوجه أمام السعودية بالتمسك بالكرامة وبحرية التعبير، لكنه شدد على أنه لم يستهدف دول الخليج طوال المراحل الماضية.

تروي صونيا فرنجية عن مرحلة بداية الحرب وتقول «عاد الوزير غسان تويني من السعودية، وكما في كل مرة يطلب فيها لبنان المساعدةَ تلبّي السعودية الطلب، وعرفنا أن النفط السعودي سيبدأ بالتدفق في أنابيب الزهراني وأنها تبذل كل ما في وسعها لمساعدة لبنان وحكومته». كان ذلك مع بداية الحرب اللبنانية. واليوم وفي ظل وضعٍ غير مسبوق، تتحوَّل قضية قرداحي واحدة من وجوه الأزمة مع الدول العربية. وهذه المرة لن يكون حلّها على طريقة سليمان فرنجية الجَدّ مع الرياض. فالوجوه تبدّلتْ وكذلك مصالح الدول وحساباتها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي