أهالي عين الرمانة يدّعون على نصر الله

استدعاء جعجع في أحداث الطيونة يُنْذِر بعاصفة سياسية في لبنان

تصغير
تكبير

- «القضاء الأعلى» استمع لبيطار: تشديد على العمل لإنجاز التحقيق بأسرع وقت وفق الأصول القانونية
- استدعاء جعجع لتحقيقاتٍ لدى المخابرات أعلن الجيش اللبناني انتهاءها
- سيناريوان لِما بعد دعوة جعجع كـ «شاهِد/ مستَمَع إليه»
- لبناني باكياً في طرابلس يتوسّل القوى الأمنية سجْنه «ضبّوني وطعْموني... لم أعد قادراً على تأمين الطعام لعائلتي»
- زيارة سريعة لميقاتي لبغداد ولقاء مع الكاظمي

تَقاسَمَ المشهدَ في بيروت تطوّران قضائيان بارزان سَبَقَ أن تَمَدَّدَتْ «فتائلُهما» السياسية والأمنية في الأسبوعيْن الماضييْن، أوّلهما تبليغ مديرية المخابرات في الجيش اللبناني رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع دعوةً لسماع إفادته حول أحداث الطيونة - الشياح - عين الرمانة يوم غدٍ، والثاني استماع مجلس القضاء الأعلى للمحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار الذي أدْخَلَ الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري الحكومةَ في أزمةٍ كبرى منذ أن علّقا جلساتها وفق معادلة «يطير بيطار أو الحكومة».

وإذا كان تبليغُ جعجع لَصْقاً على إحدى بوابات مقره في معراب دعوةَ الاستماع لإفادته بصفة «شاهِد / مستمَع إليه» في فرعِ التحقيق التابع لمخابرات الجيش في اليرزة (وزارة الدفاع) اعتُبر استكمالاً لمسار تحويل موْقعة الطيونة (في 14 الجاري) «سلاحاً» محشواً باستهداف سياسي نافر لـ «القوات» يُراد منه بالحدّ الأدنى إبقاؤها في «وضعية دفاعية» وتطويقها بـ «سيف مصلت» في الطريق إلى الانتخابات النيابية الربيع المقبل وكأحد الأطراف «المتفلّتة» من اللعب وفق «قواعد ربْط النزاع السياسي» مع «حزب الله» في ظل إمساكه بمفاصل الواقع اللبناني، فإن استماع «القضاء الأعلى» للقاضي بيطار الذي وقعت أحداث الطيونة على خلفية تظاهرة للثنائي الشيعي للضغط نحو إقصائه كان محط ترقُّب لإمكان أن يكون في سياق التمهيد لتسوية من ضمن البيت القضائي تفكك ألغام هذا الملف، أم سيكرّس حمايةَ كبير المحققين في «بيروتشيما»، الذي بات عنواناً لمدى القدرة على حفْظ آخر «شعرة» استقلاليةٍ للقضاء عن التدخل السياسي.

وجاء البيان الذي صدر عن مجلس القضاء الأعلى مدروساً انطلق من دوره في «السهر على حسن سير القضاء وعلى كرامته واستقلاله وحسن سير العمل في المحاكم ويتخذ القرارات اللازمة بهذا الشأن»، ليعلن أنه تم الاستماع إلى بيطار «والتداول معه بما هو مثار في شأن ملف انفجار مرفأ بيروت، وتمّ التشديد من المجلس على العمل على إنجاز التحقيق بأسرع وقت، وفق الأصول القانونية، وذلك توصلاً إلى تحقيق العدالة وتحديد المسؤوليات بحقّ المرتكبين».

وسيكون أول «اختبار» لمعاني هذا اللقاء والبيان في 28 و29 الجاري وهما الموعدان اللذان حددهما بيطار لاستجواب كل من الرئيس السابق للحكومة حسان دياب والوزيرين السابقين، النائبان الحاليان، نهاد المشنوق وغازي زعيتر كمدعى عليهما وإذا كان سيصدر بحقهم مذكرات توقيف غيابية، وسط تقارير تحدثت عن أن وزير العدل هنري خوري أرسل كتاباً إلى مجلس النواب أشار فيه إلى إصرار المحقق العدلي على المتابعة في ملاحقة الوزراء السابقين والنواب الحاليين استناداً إلى المادة 97 من النظام الداخلي لمجلس النواب.

ستريدا جعجع تذكّر بمرحلة 1994

وفي موازاة ذلك، لم يقلّ ملف استدعاء جعجع صخباً، إذ جاء أوّل ردّ من «القوات» على دعوة رئيسها إلى «اليرزة» التي سبق أن اعتُقل فيها بزنزانة انفرادية (في الطابق الثالث تحت الأرض) لنحو 11 عاماً بين 1994 و2005، على لسان النائبة ستريدا سمير جعجع التي وضعت الأمر في سياق «مرحلة جديدة من مراحل محاولة حصار واحتواء (القوّات) من أعداء مشروع الوطن الحرّ السيّد المستقلّ»، لافتةً إلى أنّ «من غير المنطقي استدعاء المعتدى عليه في حين أن المعتدي بمنأى عن مجرّد الاستماع إليه»، ومذّكرة بمحاولة اغتيال زوجها في 2012 ومعتبرة أنه «بالرغم من التشابه الكبير في الشكل بين اليوم وعام 1994 إلّا أن الفارق في المضمون كبير جداً، لناحية أن القاصي والداني والأكثريّة الساحقة من الشعب اللبناني اليوم على بيّنة من الذي يحاك لنا وترفضه رفضاً قاطعاً».

وفي حين كانت أوساط سياسية تبدي الخشية من هذه الاندفاعة من خلف «هزّ العصا» الذي اعتمدتْه الكنيسة المارونية بوجه «تحويل مَن دافعَ عن كرامتِه وأمنِ بيئتِه لُقمةً سائغةً ومَكسرَ عصا»، استوقفها البيان الذي صدر عن قيادة الجيش اللبناني أمس وأشار إلى أنه «بتاريخ 25 أكتوبر، أنهت مديرية المخابرات تحقيقاتها في أحداث الطيونة، وأحالت الملف مع الموقوفين إلى النيابة العامة العسكرية»، وهو ما ترك علامات استفهام حول «مفعول» وجدوى دعوة استماع المخابرات إلى جعجع وإذا كان الجيش يعطي إشارة «تبرؤ» من هذا التطور الذي يتحمّله مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، من دون أن يُعرف إذا كانت ستكون هناك «تتمات» لعدم تلبية جعجع الدعوة إلى اليرزة.

سيناريوان لِما بعد استدعاء جعجع

وفي هذا السياق برزتْ سريعاً مقاربتان مع شيوع خبر إاستدعاء جعجع:

• الأولى أن ثمة مَن رأى في الأمر «إجراء روتينياً» بعدما جرى توريط مزدوج للجيش في حادثة دموية كان في الإمكان تفاديها.

وبحسب هذه القراءة لاستدعاء جعجع الذي تزامن مع قفْل الجيش لملف التحقيق في أحداث الطيونة، فإن «الثنائي الشيعي»، أي «حزب الله» وحركة «أمل» أدرك حجم المجازفة التي ارتكبها مع تلقيه معلومات عن أن 3 قتلى وربما أكثر، من أصل 7 سقطوا يومها، لقوا حتفهم برصاص الجيش الذين حوصرت عناصره واضطروا للدفاع عن النفس إنفاذاً لأوامر القيادة بإطلاق النار على مَن يطلق النار.

وإذا صحت المعلومات عن أن آخَرين من المتظاهرين قُتلوا بالرصاص العشوائي وبنيران مناصرين لـ «القوات اللبنانية» في شوارع داخلية في عين الرمانة، يصبح استدعاء جعجع خطوة أقرب إلى أن تكون «شكلية» أمْلاها تسرُّع مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي تحت وهج الضغوط التي مارسها «حزب الله»، وخصوصاً إنه تربطه صلة قربى برئيس البرلمان (رئيس حركة «أمل») نبيه بري.

والذين يميلون إلى اعتبار استدعاء مخابرات الجيش لجعجع بمثابة إجراء اضطراري لا مناص منه كضابطة عدلية، رغم الاقتناع بأن لا مسؤولية يتحمّلها فيما جرى، يذكّرون بـ «مهنية» قائد الجيش العماد جوزف عون وحرصه على عدم القيام بتصفيات حساب لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، إضافة إلى إدراك قيادة الجيش لمعنى الكلام الواضح والحاسم للمرجعيتين المسيحيتين الأهمّ، أي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة.

• والثانية تغلّب السياسي على الإجراء الخطر الذي يمكن أن يشكل فخاً لرئيس «القوات» الذي يتعرّض لعملية اقتصاص قاسية من تحالف «حزب الله» وحزب رئيس الجمهورية ميشال عون «التيار الوطني الحر».

فرغم أن ملف التحقيقات لدى الجيش، لا يتضمن أي معطيات من شأنها إدانة جعجع أو توقيفه، إلا أن المحكمة العسكرية التي كانت طلبت الاستماع إلى رئيس «القوات» قبل انتهاء التحقيق، وفي خطوة غلب عليها الاستهداف السياسي، لن تتوانى في الذهاب بعيداً في أي إجراء لمصلحة الائتلاف الحاكم (عون – «حزب الله»)، خصوصاً في ضوء إشادة الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قبل أيام بـ «شجاعة التحقيق وشفافيته».

أما السيناريو الأكثر احتمالاً فهو ينطوي على عدم استجابة جعجع للإدلاء بشهادته أمام المخابرات بطبيعة الحال، وذهاب هذا الملف في اتجاهات تحكمها السياسة، فإما ينتهي الأمر بوضع ورقة الاستدعاء في الدرج، أو تحويلها مذكرة جلب.

وسَبَقَ بيان الجيش عن انتهاء التحقيقات لدى المخابرات ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية على 68 شخصاً بأحداث الطيونة بينهم 18 موقوفاً، بجرائم القتل ومحاولة القتل وإثارة الفتنة الطائفية والتحريض وحيازة أسلحة حربية غير مرخصة، والتخريب في ممتلكات عامة وخاصة، وأحال الموقوفين مع الملف على القاضي فادي صوان.

وفي السياق عيْنه عُلم أن عدداً من أهالي عين الرمانة الذين تضرروا من انحراف تظاهرة 14 أكتوبر نحو منطقتهم تقدّموا أمس بدعوى قضائية جزائية ضد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله مرفقة بشهادات وأشرطة مصوّرة عما وُصف بـ «غزوة عين الرمانة».

ميقاتي في بغداد وفي بيروت «قنابل موقوتة»

وجاء هذان الملفان المشتعلان ليطفوا فوق الهشيم اللبناني المتروك للحرائق الجوالة في ظل حكومة صارت «مشلولةً» بفعل العصْف السياسي بين مكوّناتها ومِن حولها، فيما لم يخْفُت صوت أنين الناس في طاحونة الارتطام الكبير الذي يزلزل أنماط العيش في لبنان ويفتح الباب أمام فوضى لن ينجو منها الاستقرار الأمني وقد يكون ضحيتها الأكثر إيلاماً.

وبدا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في زيارته السريعة لبغداد أمس حيث التقى نظيره العراقي مصطفى الكاظمي كمَن يدير ظهره لملفات كأنها قنابل موقوتة قابلة للانفجار... من المَلاحق المُقْلَقة لأحداث الطيونة والارتدادات المتوالية للتحقيق العدلي في «بيروتشيما» وخصوصاً بعد ما بدا «أسلحة محرَّمة» استُخدمت باستدعاء جعجع واستمرار الضغط للإطاحة ببيطار، إلى انفلاش مظاهر الانهيار معيشياً واجتماعياً و«استيقاظ» أزمة النفايات بقوة في بيروت وضواحيها، وليس انتهاءً باتجاه «المكاسرة» بين فريقيْ رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان على خلفية ملف بيطار كما التعديلات التي أُدخلت على قانون الانتخاب وردّ قانونها عون نحو فصولٍ قد تكون أكثر احتداماً مع توقعات بمعاودة البرلمان الإصرار على التعديلات في جلسته العامة بعد غد.

وإذ خطف الأضواء أمس فيديو لمواطن في طرابلس يبكي ويتوسّل القوى الأمنية أن توقفه وتودعه السجن «ضبّوني وطعموني»، كاشفاً أنه لم يعد قادراً على تأمين الطعام لعائلته «ابني يقول لي بدي بيض وأنا منذ الصباح أعمل على سيارتي، لم أعد استطيع التحمّل»، فإن قطع الطرق الذي شهدته مناطق عدة في بيروت ومحيطها والشمال والجنوب احتجاجاً على ارتفاع أسعار المحروقات ترك علامات استفهام حول ما يمكن أن يشهده «أربعاء الغضب» الذي دعت إليه اتحادات ونقابات قطاع النقل البري وخصوصاً بعد مناخاتٍ، أشاعت مخاوف من توترات أمنية قد ترافقه و«باسمها» أعلن اتحاد نقابات السائقين عدم المشاركة في التحرك.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي