وصف ديون الولايات المتحدة في حوار مع «ريكونسنس» بـ «قنبلة موقوتة»
فندقلي: السياسة الاقتصادية والمالية في أميركا مختلة بشكل كامل
- خطر من أن يؤدي المأزق السياسي في يوم من الأيام إلى انهيار كارثي
- كل أزمة مالية نظامية في التاريخ ارتبطت بالديون والمديونية المفرطة
- الدين الأميركي بلغ 28.3 تريليون دولار في 30 سبتمبر 2021
قال عضو اللجنة الاستشارية التابعة للخارجية الأميركية، هاني فندقلي، إن وضع الميزانية الأميركية خطير جدا ومعقد بشكل متزايد ما يعكس الانشقاقات السياسية والأيديولوجية العميقة داخل الولايات المتحدة وجعل السياسة الاقتصادية والمالية مختلة بشكل كامل.
وذكر في حوار مع مركز ريكونسنس يستعرض ملف مفاوضات الديون الأميركية، أنه في ظل غياب ميزانية رسمية لأميركا، يستمر الإنفاق بلا هوادة، حيث يُطلب من الكونغرس فقط الموافقة على سقف جديد للميزانية كل عام تقريباً للسماح للحكومة الفيديرالية بالعمل ودفع الفائدة على ديونها.
وتابع أنه في 12 أكتوبر 2021 وافق مجلس النواب على إجراء لسد الفجوة في اللحظة الأخيرة لتمديد سقف الدين إلى 28.5 تريليون دولار، ما يكفي بالكاد لتمويل الحكومة لمدة شهرين، وستعاد الكرة في أوائل ديسمبر عندما تطفو اللعبة السياسية المتمثلة في المزايدة على السطح.
وحذّر أن هناك خطراً من أن يؤدي المأزق السياسي في يوم من الأيام إلى انهيار كارثي يؤدي إلى التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة والالتزامات ودفع الرواتب والبرامج الاجتماعية والطبية، كما أن التخلف عن السداد له آثار سلبية خطيرة على الأسواق المحلية والدولية، والأهم من ذلك، على الدولار باعتباره عملة احتياطي مهيمنة.
وبسؤول فندقلي عن تكرر مثل هذه المواقف من قبل في الولايات المتحدة، قال «نعم ولسوء الحظ، حدث هذا كثيراً منذ أن تبنى الكونغرس في عام 1917 مفهوم سقف الديون. والغرض من هذا هو السماح للحكومة الفيديرالية بالاقتراض دون الاضطرار إلى الرجوع إلى الكونغرس ولكن مع الحفاظ على إشرافه العام على الميزانية. وفي القرن الماضي، تم رفع سقف الديون ما يقرب من 80 مرة خلال الخمسين سنة الماضية.
وأضاف «لكن عملية رفع سقف الديون أصبحت مثيرة للجدل، وأدت إلى سلسلة من الأزمات ابتداء من عام 1995 عندما اضطرت الحكومة إلى الإغلاق لمدة ثلاثة أسابيع، تلاها المزيد من الأزمات والإغلاق في 2011، 2013، 2018. و2019.
وعن الحلول الممكنة وماذا يتطلب تنفيذها، قال فندقلي: «لسوء الحظ، أصبحت هذه مشكلة مستعصية، متأصلة بعمق في دستور النظام الأميركي، حيث يتمتع الكونغرس بـ «سلطة الخزينة» وخرج الدين عن السيطرة.
وتابع أن«المسار الوحيد لتجنبه هو التعديل الدستوري الذي يكاد يكون مستحيلاً، ولا توجد حلول مجدية على المدى القصير. ومع ذلك، هناك ثلاث متطلبات لإدارة عبء الديون: نمو اقتصادي أسرع بكثير، وضرائب أعلى بشكل ملحوظ، أو خفض الإنفاق بشكل حاد».
وذكر أن"رفع الضرائب بشكل كبير سيكون تحدياً في مناخ احتراق سياسي وفي ظل عدم الاستقرار الاقتصادي.
ويعد خفض الإنفاق مستحيلاً تقريباً نظراً لأن الإنفاق التقديري يستهلك أقل من 30 في المئة من إجمالي الميزانية الفيديرالية البالغة 1.5 تريليون دولار ونصفها دفاعي.
وبيّن أن الإنفاق غير التقديري يمتص الآن 62 في المئة من الميزانية ( 29 في المئة في سنة 1969 ) بضمنها 48 في المئة للضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ( 19 في المئة في سنة 1969 )، و8 في المئة لدفع الفوائد على الديون.
وذكر فندقلي أن هناك مجالاً أو احتمالاً ضئيلأً لتقليل الإنفاق لتحقيق التوازن في الميزانية حيث من المرجح أن يسود الحبر الأحمر خلال العقود القليلة القادمة.
وأضاف أن «التكلفة الهائلة للرعاية الطبية لعدة ملايين من قدامى المحاربين في حربي أفغانستان والعراق وكبار السن، والتي تقدر بنحو 4-6 تريليونات دولار على مدى العقدين المقبلين، ستبقي على تكلفة برامج شبكات الضمان الاجتماعي عند مستويات مرتفعة تقريبا إلى أجل غير مسمى. والحل الوحيد الذي يمكن تصوره والذي تستسيغه النخبة السياسية على المدى القريب هو السماح للتضخم بالارتفاع بمعدل أسرع».
وأوضح أنه «من خلال تضخيم طريقنا للخروج من هذه المعضلة، سينكمش كل من الإنفاق الحقيقي والقيمة الحقيقية للديون، مما يوفر تخفيفاً متواضعاً في المشاكل قصيرة الأجل، ولكن من المحتمل أن يخلق المزيد من المشاكل على المدى الطويل.
وبيّن أنه»تم تبني هذا الحل في منتصف السبعينيات بعد نهاية حرب فيتنام التي أدت إلى سلسلة من الأزمات الاقتصادية وإلى انهيار نظام بريتون وودز، والذي كان ساري المفعول منذ منتصف الأربعينيات، حيث تم تثبيت الدولار الأميركي. وتم التخلي عن قابلية التحويل إلى ذهب، وفي النهاية تم تخفيض كبير لقيمة الدولار الأميركي وإعادة الاصطفاف مقابل الين الياباني والعملات الأوروبية الرئيسية (باستثناء المملكة المتحدة). ومن الممكن أن يعيد التاريخ نفسه في الاقتصاد العالمي بعد كوفيد 19".
وبسؤاله عن من الذي قد يكسب أو يخسر من هذا الأمر، أوضح أنه لا يوجد رابحون رئيسيون من هذه الأزمة، فالأمر نسبي فقط لعدة أسباب:
أولاً، نظراً لأن معظم الأزمات المالية على مر القرون تنشأ من الديون المفرطة، فإن عدم اليقين في شأن التخلف عن السداد العام سيؤدي الى خلق ضغوط في أسواق الائتمان الخاصة الأوسع نطاقاً والتي يمكن أن تتزايد لتصبح أزمة من نوع 2017
ثانياً، ستؤدي دورة التضخم والتخفيض التنافسي لقيمة العملة إلى تقويض البنوك والمؤسسات المالية مع احتمال ارتفاع حالات التخلف عن السداد من قبل المقترضين الضعفاء مما يؤدي إلى الحد من الإقراض والاستثمارات.
ثالثاً، سيؤثر عدم اليقين في شأن العملة واستقرار أسواق رأس المال على البلدان النامية التي ستواجه صعوبة في الحصول على تمويل ديونها وكذلك تقلص الطلب على منتجاتها.
رابعاً، يمكن أن تؤدي احتمالات ارتفاع التضخم إلى تثبيط المدخرات وتقليل تدفق هذه المدخرات إلى الاستثمارات الإنتاجية.
خامساً، يمكن أن تؤدي المواجهة السياسية الحالية بين الولايات المتحدة والصين إلى تعميق الانقسامات في الاقتصاد العالمي، مما يجبر الدول على اختيار أحد الجانبين ويؤدي إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية وزيادة احتمالية نشوب صراعات عرضية ولكنها مدمرة.
سادساً، عادة ما تصيب الأزمات الاقتصادية الفقراء أكثر من غيرها، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الاقتصادية. قد يكون هناك رابحون على الهامش كما هو الحال في معظم الأزمات، بما في ذلك المقترضون الكبار الذين سيدفعون أموالهم ذات القيمة المنخفضة، وقد يكون هناك بعض الرابحين الجيوسياسيين، مثل الصين، لكن ديناميكيات أي أزمة غالباً ما تؤدي إلى عواقب غير مقصودة والتي يصعب التنبؤ بها، لذلك لا يوجد سبب للاحتفال المبكر.
ووصف فندقلي الوضع بأنه قنبلة موقوتة، حيث إن كل أزمة مالية نظامية في التاريخ ارتبطت بالديون والمديونية المفرطة، وقد بلغ الدين الأميركي 28.3 تريليون دولار في 30 سبتمبر 2021، أو 7.5 أضعاف قيمته الحقيقية في حين أن الفائدة على الديون لا تزال منخفضة نسبيا وثابتة عند نحو 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب أسعار الفائدة الحقيقية المنخفضة بشكل مصطنع، ومعظمها سلبي على مدى العقد الماضي.
وذكر أنه وفي الوقت نفسه، أدت أسعار الفائدة المنخفضة والخوف من التضخم إلى إطلاق العنان لحالة اقتراض أدت إلى ارتفاع ديون الأسر الخاصة (المستهلك، والرهن العقاري، وديون الطلاب) إلى مستوى قياسي بلغ 16 تريليون دولار، في حين تجاوز ديون الشركات غير المالية رقماً قياسياً قدره 12 تريليون دولار. وسيكون سداد وخدمة هذا الجبل من الديون في بيئة من العجز المزدوج في المالية العامة والحساب الجاري مهمة شاقة.
وشدد على أن الأمر يتطلب إجراءات صارمة لا تستطيع البيئة السياسية الأميركية الحالية إنتاجها، وخلافاً لذلك، فإن حواجز الحماية غائبة في الولايات المتحدة، مبيناً أنه طالما أن الدولار هو أداة رئيسية للتجارة والاستثمار، فإن خطر العدوى مرتفع.