أكد أن الجمود السياسي يعيق التصدي للمخاطر المالية وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية
«صندوق النقد»: جهود الأمير لحل التأزيم بين السلطتين تُمهّد لتسريع وتيرة الإصلاحات
أكد صندوق النقد الدولي أن الجمود السياسي المستمر في الكويت يعوق جهود التصدي للمخاطر المالية وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية المعززة للنمو، مشيراً إلى أن هناك قوانين إصلاحية مهمة عديدة، بما في ذلك قانون جديد للدين العام الذي من شأنه ضمان التمويل المنظّم للاحتياجات التمويلية، حيث تنتظر تلك القوانين موافقة مجلس الأمة دون جدول زمني واضح للموافقة عليها.
وأضاف الصندوق «ومع ذلك، تُبذل جهود بقيادة صاحب السمو أمير البلاد لحل التأزم السياسي بين الحكومة ومجلس الأمة قبل انعقاد الدورة البرلمانية المقبلة التي تبدأ في 26 أكتوبر الجاري، مما سيمهّد الطريق لتسريع وتيرة الإصلاحات».
العجز المالي
وفي تصريح أوجز فيه أبرز مضامين البيان الختامي لبعثة صندوق النقد بمناسبة انتهاء زيارتها للبلاد خلال الفترة 26 سبتمبر الماضي وحتى 10 أكتوبر الجاري، في إطار المشاورات الدورية لعام 2021، بموجب المادة الرابعة لاتفاقية إنشاء الصندوق، أوجز محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد الهاشل أهم مضامين بيان البعثة، مشيراً إلى أن البيان أبرز طبيعة التحديات الهيكلية الماثلة أمام الاقتصاد الكويتي وسبل مواجهتها، كما رحب بجهود «المركزي» لتعزيز متانة القطاع المصرفي والمالي وزيادة تحصينه.
وبيّن المحافظ أن البيان جاء ضمن 5 محاور رئيسية، تشمل التطورات الأخيرة والتوقعات والمخاطر في الكويت، والسياسات قصيرة الأجل لدعم التعافي الاقتصادي، والسياسة المالية لتعزيز الاستدامة المالية، وتعزيز النمو في القطاعات غير النفطية والتوظيف، والسياسات النقدية والمالية لحماية الاستقرار المالي.
وأشارت بعثة صندوق النقد في بيانها إلى أن الحكومة بنشاط لإعداد خطة إصلاح شاملة، برنامج عمل الحكومة للفصل التشريعي السادس عشر، والتي تهدف إلى معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد والمالية العامة وتعزيز النمو الشامل والمستدام، لافتة إلى أن السلطات الكويتية استجابت بسرعة وحزم لأزمة جائحة كورونا.
وبينت أن التدابير الصارمة لاحتواء الجائحة والدعم الصحي خففا من حالات الإصابة والوفيات، حيث ساهمت مختلف تدابير الدعم المالي والنقدي التي اتخذتها الحكومة وبنك الكويت المركزي في تخفيف الأعباء على كل من الأسر والشركات والقطاع المالي، ما قلّص من الأضرار الناجمة عن الجائحة، مشيرة إلى أنه بفضل الجهود الحثيثة التي بذلتها السلطات في توزيع اللقاحات، تم تطعيم نحو 80 في المئة من السكان المستهدفين بالجرعة الأولى وأكثر من 70 في المئة بجرعتين، اعتبارًا من منتصف سبتمبر 2021، وتباطأت وتيرة الإصابة بشكلٍ كبير، الأمر الذي سمح بانتعاش النشاط الاقتصادي.
تعاف تدريجي
وتوقع خبراء الصندوق أن يتعافى الاقتصاد الكويتي تدريجيًا من هذه الجائحة، التي ترافقت فيها الآثار المباشرة لجائحة كورونا على النشاط الاقتصادي، مع الانخفاضات الحادة في أسعار النفط والتخفيضات في إنتاج النفط بموجب اتفاقية «أوبك+»، وتبعات ذلك على القطاع النفطي، مرجحة أن ينمو ناتج القطاعات غير النفطية بنحو 3 في المئة في 2021، مع تعافي النشاط الاقتصادي تدريجيًا وتحسن البيئة العالمية، على أن ينمو بنحو 3.5 في المئة على المدى المتوسط.
وتوقعت البعثة كذلك أن ينتعش إنتاج النفط مع مراجعة الحصص وفق اتفاق «أوبك+»، مضيفة «بشكلٍ عام، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2.7 في المئة على المدى المتوسط، وأن يبلغ متوسط التضخم السنوي نحو 3.2 في المئة في 2021 نظراً للزيادات في أسعار المواد الغذائية وتكاليف الخدمات المتصلة بالسفر، وأن يبقى عند نحو 3 في المئة على المدى المتوسط».
وفي شأن رصيد الموازنة العامة للسنة المالية 2021/2022، توقعت البعثة أن يتحسن الرصيد بشكلٍ كبير، نظرًا لانتعاش أسعار النفط، لكنها رجحت أن يتدهور بعد ذلك في ظل عدم ضبط أوضاع المالية العامة، منوهة إلى أن رصيد الموازنة العامة للدولة (بحساب دخل الاستثمارات الحكومية، وبدون حساب مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة) شهد تدهورًا حادًا في السنة المالية 2020/2021 بعجز بلغ 15.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة انخفاض الإيرادات النفطية، وتدابير الدعم المالي لتخفيف آثار الجائحة، وتراجع النشاط الاقتصادي. وتوقعت البعثة أن يتحسن رصيد الموازنة العامة خلال السنة المالية 2021/2022 ليحقق فائضًا مقدرًا بنسبة 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب انتعاش الإيرادات النفطية، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بشكلٍ ملحوظ، الأمر الذي يقلل من نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وخفض الإنفاق العام، وسحب بعض التدابير المالية ذات الصلة بالجائحة، مضيفة «غير أن استمرار ضغوط الإنفاق العام وانخفاض أسعار النفط سيؤديان في السنوات اللاحقة إلى اتساع العجز وانخفاض كبير في صافي الأصول الحكومية على المدى المتوسط، في ظل غياب جهود ضبط أوضاع المالية العامة، كما أن تدهور رصيد المالية من شأنه أن يؤدي إلى تراجع فائض الحساب الجاري بشكلٍ كبير على المدى المتوسط».
وتابعت «أما فيما يتعلق بآفاق النمو فتحيط بها حالة من عدم اليقين، مع ميل ميزان المخاطر إلى الجانب السلبي، حيث أن استمرار أمد الجائحة يؤثر على الانتعاش الاقتصادي المتوقع، وقد يؤدي التأخير في تبني إصلاحات مالية وهيكلية إلى تفاقم المخاطر المرتبطة بالسياسات المالية المواكبة للدورات الاقتصادية، وتقويض ثقة المستثمرين، وعرقلة التقدم نحو مزيد من التنويع الاقتصادي وزيادة القدرة التنافسية، وسيكون لتقلبات أسعار النفط تأثير كبير على التوقعات وموازين الاقتصاد الكلي؟ وفي المقابل، فإن انتعاش النشاط العالمي بأكثر مما كان متوقعًا يمكن أن يعزز الإيرادات النفطية، فيما يمكن أن يؤدي حل الجمود السياسي والضبط القوي لأوضاع المالية العامة إلى تحسين معنويات المستثمرين إلى حدٍ كبير». سياسات قصيرة الأجل
وأشار خبراء الصندوق إلى أن قطاع النفط كان سريع التعافي، مبينين أن ما هو متاح من معلومات يبين أن تدابير الدعم قد احتوت حالات الإفلاس في قطاعات الشركات الأكثر تأثرًا بالجائحة، وأنه،كما يبدو، فإن قيود دخول وخروج المقيمين قابلة للتغيير مع تخفيف تدابير احتواء الجائحة، ومع التعافي التدريجي للاقتصاد، يتم الرفع التدريجي لتدابير دعم القطاعات المالية والنقدية بوتيرة محسوبة. وأوضحوا أنه نظرًا لتقلبات الجائحة، فإن تخفيف تدابير الدعم المتبقية يتطلب الرصد الدقيق للحالة الصحية والاقتصادية، الأمر الذي سيساعد على ضمان سلاسة عودة الأوضاع إلى طبيعتها، مع إمكانية اتخاذ تدابير داعمة إضافية إذا اقتضى الأمر، على أن تستهدف هذه التدابير بشكلٍ متزايد القطاعات التي تضررت بشدة والأكثر ضعفًا ولكنها قابلة للتعافي، كما يتعين أن تكون التدابير موقتة لتجنب الزيادة الدائمة في العجز المالي.
وأكّدت بعثة الصندوق على أهمية تنفيذ ضبط أوضاع المالية العامة المخطط له على المدى القصير، بما يُراعي حماية الانتعاش الاقتصادي الناشئ، مبينة أنه بدخول النصف الثاني من السنة المالية 2022/2021، ستكون هناك حاجة إلى تخفيضات أكبر بكثير في الإنفاق خلال الأشهر المقبلة لتحقيق الهدف الحكومي البالغ 10 في المئة للسنة المالية بأكملها.
ويُعد إقرار قانون الدين العام - بحسب خبراء الصندوق- أمرًا ضروريًا لإصدار الدين الحكومي ودعم انتظام عمليات المالية العامة، حيث ينص مشروع القانون المعروض حاليًا على مجلس الأمة، على أن سقف الدين سيبلغ نحو 60 في المئة من إجمالي الناتج المحلي ما يتيح مساحة للاقتراض الإضافي مع توسع حجم الاقتصاد، وهو ما يعد مناسبًا.
وأفاد خبراء الصندوق بأنه «في ظل غياب إقرار قانون الدين العام، وعدم وجود سند قانوني يتيح الاستفادة من موارد صندوق احتياطي الأجيال القادمة الأكبر حجمًا، اعتمد تمويل المالية العامة في المقام الأول على سحب الأصول السائلة من صندوق الاحتياطي العام، وهو ما أشير إليه كسبب رئيسي لخفض التصنيفات الائتمانية السيادية أخيراً، لذا فإن هناك حاجة إلى وجود حل مبكر للجمود السياسي في مجلس الأمة لتمرير قانون الدين العام في الوقت المناسب».
تعزيز الاستدامة
وعلى صعيد السياسة المالية لتعزيز الاستدامة المالية، ترى بعثة الصندوق أن الاستدامة المالية وإعادة بناء المصدات الوقائية تستوجب إطلاق خطة طموحة ذات مصداقية لضبط أوضاع المالية وأن تكون ملائمة للنمو على المدى المتوسط، منوهة إلى أن مسار التعديل المحتمل الذي من شأنه أن يسد فجوة المدخرات بين الأجيال ويقلل من احتياجات التمويل يتطلب إصلاحات في الإيرادات والإنفاق العام، ويمكن أن تشمل التدابير على جانب الإيرادات العامة إدخال ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المئة، وضرائب على التبغ، وتوسيع ضريبة الشركات لتشمل الشركات المحلية، وتنفيذ ضريبة الممتلكات، أما من ناحية الإنفاق العام، فسيكون الإلغاء التدريجي للدعم وإصلاح الأجور العامة أمرًا بالغ الأهمية.
وأكّد البيان الختامي لخبراء الصندوق أن تنفيذ الإصلاحات المالية من المرجح أن يستغرق عدة سنوات، ولذا فهناك حاجة إلى إطار مالي متوسط الأجل لدعم صنع السياسات السليمة والتقييم الصارم لخيارات الإصلاح.
النمو غير النفطي والتوظيف
وفي ما يتعلّق بتعزيز النمو في القطاعات غير النفطية والتوظيف، أشار البيان الختامي لخبراء صندوق النقد إلى الإصلاحات المطلوبة بشكلٍ عاجل لتعزيز النمو في القطاعات غير النفطية، وأنه بالنظر إلى التركيبة السكانية فإنه من المتوقع دخول أكثر من 100 ألف شاب إلى سوق العمل على المدى المتوسط، ومع مراعاة حالات التقاعد سيتعين على الحكومة توفير نحو 64 ألف فرصة عمل جديدة على المدى المتوسط. وأشارت البعثة إلى أنه ومع الضغوط المالية التي تحد من التوظيف في القطاع العام، يجب أن يتضاعف نمو القطاعات غير النفطية لتوفير فرص كافية في القطاع الخاص للباحثين عن العمل، وأنه ستكون هناك حاجة لإصلاح المنافع الاجتماعية، مدعومة بمواءمة سياسات سوق العمل في جميع القطاعات بما يتماشى مع ظروف السوق، لدعم القدرة التنافسية وجذب الاستثمار الخاص، وتقليل الضغوط على التوظيف في القطاع العام.
وأفاد خبراء الصندوق بأن وضع برنامج عمل الحكومة للفترة التشريعية السادسة عشرة يعتبر أجندة طموحة للإصلاح المالي والهيكلي، ومن الأمور الجوهرية المضي قدمًا في اتخاذ تدابير إصلاح ملموسة ومتسلسلة بشكل جيد والتنفيذ الثابت، مصحوبة بمشاورات عامة واسعة.
وذكرت بعثة الصندوق أنه لمعالجة القضية الحرجة المتمثلة في نقص الأراضي لأغراض التنمية، ستكون هناك حاجة إلى خارطة طريق لإصلاح الأراضي، بما في ذلك إدخال آليات قائمة على اقتصاد السوق، تتسم بالشفافية لتخصيص تلك الأراضي وتوفير المعلومات العامة في هذا الشأن.