No Script

خواطر صعلوك

رسالة إلى رسول الله (ص)

تصغير
تكبير

بالتأكيد لن تسمح لي أن أنحني بجسدي أو رأسي وأنا أخاطبك، فلطالما كنت تقول (لا تنحنوا لغير الله) هكذا علّمت أهل بيتك وأصحابك... وحتى الصخور التي كانت تسلّم عليك والسحابة التي أظلتك، والجذع الذي صرخ ألماً لفراقك، جميعهم أصابهم نور ظلك وتعلموا منك توحيداً كان مفرقاً.

ولكني اليوم، وبمناسبة مولدك، أرسل لك رسالة ينحني فيها كل حرف وكل سطر... حتى المطبعة بأحبارها سيكون لها شرف أن تخاطب الإنسان الكامل والرحمة المهداة، الذي قال الله له (كن) فكان وارتقى وعلا وسما حتى أصبح (قاب قوسين أو أدنى) فأشرق لنا العالم.

قالوا لنا إنك ولدت في عام الفيل، ذلك الفيل الذي حاول أبرهة الحبشي أن يهدم به الكعبة، لقد كان فيلاً واحداً، أما اليوم فالأفيال لا تُحصى ولا تُعد وكلها تريد أن تهدمنا نحن قبل أن تهدم كعبتنا.

ونحن يا رسول الله... متفرقون ومتحزبون على عجل له خوار يُصدر ضجيجاً يجعلنا لا نسمع صوت المنادي الذي أخبرتنا به يوماً.

وعندما غاب المنادي أصبحنا نُطلق الرصاص الحيّ في الجسد الميت، ونطلق الرصاص إعلاناً ببدء الثورة، ونطلق الرصاص إعلاناً بانتصار الثورة... جميعنا مهزومون... صاحب مصنع الرصاص فقط هو الفائز الوحيد! يدّعي الكثيرون أنهم رأوك في أحلامهم، فهذا يقول إنك جئته في الرؤيا، وذاك يقول إنك أخبرته رسالة، ولكن قليل جداً مَنْ يحاول منهم أن يجعلك واقعاً نعيشه، وحلماً قابلاً للتحقيق، ومعيناً نتلمّس منه المعاني، وحقيقة قابلة لأن تتكرّر في أخلاقنا وسيرنا ومسيرنا ومسارنا.

سيدي يا سيد ولد آدم، وإمام الأنبياء، وأجمل وأتقى البشر، قيل لنا يوماً إنك كنت كثير الصمت كثير الابتسام بين أصحابك، بالتأكيد أنك كنت ترى وتعلم ما لا يعلمه أو يراه مَنْ حولك، لذلك كلامك كان يُعد على الأصابع، وغالباً تُسبّح أو تستغفر، اليوم يتكلم الكثيرون باسمك كلاماً لا يُعد في المطابع... ورغم ذلك لا يسمعون، ولا يُسبّحون! جاءك رجل ارتعدت فرائصه بين يديك يوماً من الخوف، أشعرته بالطمأنينة وذكرته أنك ابن امرأة تأكل القديد في مكة... من عيونك يا رسول الله كل الذين قابلوك وكانوا يعرفون أنك على خلق عظيم، خلق جعل الجميع يتكلم ويتكلم ويعلم أن مَنْ يسمع سيقول له (مفهوم... أنا أُصغي تماماً... لا تخف).

اعذرني، فلن أستطيع أن أجاري محمد إقبال أو أحمد شوقي أو جلال الدين الرومي، والذين خاطبوك بكلمات أجمل وحسّ أعلى... ولكني أعلم أيضاً أنك تقبل من الفقراء مشاعرهم حتى ولو كانت نصف صاعٍ مما يقدمه غيرهم. كانت تنام عيناك ولا ينام قلبك، فعرفت حقيقة الأشياء ومعانيها... فأكلت على الأرض ونمت على الأرض وجلست على الأرض، وأجبت دعوة المملوك على خبز الشعير.

في بيتك تسأل (هل عندكم طعام) فيقولون لك (لا)... تنظر للسماء فتقول (إني صائم)... ليس عن الطعام فقط بل وعن الكثير من الأشياء، حتى إن النار لا توقد في بيتك الهلال والهلال والهلال... لو دعوت وطلبت لملئت لك الدنيا... دنيا. ولكنك تسمو فقط، تعرج للحقيقة، فرددت قائلاً (بل إلى الرفيق الأعلى).

كنت تسلّم على النساء وتمسح رؤوس الصبيان وتلاعب بناتك وأحفادك، وتزجي الضعيف وتمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى تقضي حاجته، وتعود المريض وتسير خلف أصحابك لا أمامهم وتجلس في وسطهم وتحتبي على الأرض حتى إن الإعرابي يسأل (مَنْ منكم رسول الله؟).

في ذلك الوقت كانت للملوك عروش، وللأكاسرة قصور، وللقياصرة خزائن من الذهب.

فطرتك تتواضع وتتموضع بحكمة... فرفع الله لك ذكرك.

(اذهبوا فأنتم الطلقاء) قلتها لمَنْ كانوا بالأمس جبابرة في تعاملهم معك... (ألك حاجة) قلتها للخادم الذي لم يسأله أحد من قبل عن حاجته... (الصلاة... الصلاة... اتقوا الله في ما ملكت أيمانكم) قلتها كآخر وصية لمَنْ هم حولك.

(لا) الكلمة الوحيدة التي لم تقلها لأحد، حتى لذلك الرجل الذي طلب منك عباءة لم ترتدها يوماً.

في حضرتك تختفي الكلمات... ويرتعش القلم.

فأكتب وأنا على رأسي الطير لمَنْ عرف منطق الطير وورث عن آدم الأسماء كلها، فورثنا عنه المعاني.

سيتهمونني يا رسول الله بأني صوفي، أو أني أحد الفرق الثلاث والسبعين حيث أصبحنا نتوعّد بعضنا البعض بالنار، فقط لأني خاطبتك ربما يقيمون عليّ حد الحرابة لو كانوا يملكون السلطة، فقط لأني سعيد بمولدك... فقط لأني أحاول أن أبادلك نفس الشعور تجاهنا جميعنا عندما قلت يوما (وددت أني لقيت إخواني. فقالوا: أو ليس نحن إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني).

نحبك يا رسول الله... كما لم يحبك أحد... حتى في ضعفنا وهواننا وتقصيرنا نحبك... لأنك أجمل ما فينا. كل عام وأنت في قلوبنا وسلوكنا، حتى نلتقي عند الحوض فنشرب من يديك الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبداً. Moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي