No Script

تحديات «ما فوق عادية» تنتظره في العراق... الصعب

هل يستطيع الصدر أن يصفق وحيداً؟

مقتدى الصدر
مقتدى الصدر
تصغير
تكبير

من الواضح أن نتائج الانتخابات العراقية حَسَمت إلى حد بعيد هوية رئيس الوزراء القادم، الذي سيكون لزعيم التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر الكلمة الفصل في تسميته، خصوصاً في ظل توقع تشكيل تحالف بين «الأقوياء»، يضم إلى الصدر كتلتي مسعود البرزاني ومحمد الحلبوسي، إضافة إلى مستقلين.

إلا أن ذلك لا يعني أن المخيم الآخر بقيادة السيد نوري المالكي قد استسلم خاصة انه جمع خلفه ستة أحزاب ليصل عدد المجموعين 68 مقعداً برلمانياً مقابل 72 يمتلكها التيار الصدري وحده.

ولذلك فإن باب المنافسة مفتوح على مصراعيه من انعدام أي حظ للمالكي بالوصول إلى الكرسي الذي يطمح له. ورغم نشوة الانتصار الذي حققه الصدر، الذي يتمتع بشعبية لا يضاهيها أحد من الأطراف الأخرى، فإن هذه «الشعبية» التي سلمته دفة قيادة العراق، لن تستطيع بالتأكيد تمكينه من تحقيق جميع أهدافه في عراق صعب ومعقد ويتداخل فيه المحلي مع الإقليمي والدولي.

إذ يفرض الدستور الحصول على 165 مقعداً برلمانياً لمن يسمي رئيس الوزراء المقبل وتالياً فأن بازار المفاوضات والمطالب طرح على الطاولة ويفرض نفسه بقوة. ولم يكن عابراً خروج «حزب الله - العراق» (الذي لا يمت بصلة لحزب الله اللبناني) بطعنة في الانتخابات - كما كان متوقعاً - ليصفها بـ«أكبر عملية احتيال والتفاف على الشعب العراقي في التاريخ الحديث». وأوصى في بيان كتبه الناطق باسمه أبو علي العسكري بـ«الاستعداد لمرحلة حساسة»، وان «الاخوة في الحشد الشعبي هم المستهدفون الأساسيون»، وأن «عليهم أن يستعدوا للدفاع عن كيانهم المقدس».

وكذلك أعرب زعيم كتلة «الفتح» هادي العامري، عن رفضه لـ«النتائج المفبركة مهما كان الثمن» وأنه «لن يقبل بالنتائج المفبركة».

ولكن الطعن بالانتخابات ليس كإلغائها.

لن يقبل الصدر بتغيير النتائج وكذلك نوري المالكي الذي حصد مقاعد لم يتوقعها.

بالإضافة إلى ذلك فإن مقاطعة التشرينيين المناهضين للأحزاب السياسية الحاكمة للانتخابات (حصل هؤلاء على 12 مقعداً على الرغم من مقاطعتهم) وحصول المستقلين على 30 مقعداً بمشاركة قليلة يشكل مؤشراً إلى أن الانتخابات المقبلة ستكون متزلزله لمصلحة المستقلين وطالبي التغيير.

ولذلك فإن إعادة الانتخابات لا يصب في مصلحة العديد من الأحزاب الكلاسيكية، هذا عدا عن إعلان المفوضية العليا للانتخابات أن الأصوات الإلكترونية مطابقة للفرز اليدوي تماماً.

إلا أنه ما من شك أن هناك نحو مليون من الأصوات لم تحتسب، وتالياً فإن العد اليدوي أصبح ضرورياً، رغم أن العد النهائي لن يغير جذرياً بموازين القوى الجديدة.

وقد شكل صعود المالكي مفاجأة كبيرة بعد توقعات بخسارته مقاعد أكثر مما كان يملكها في الانتخابات الأخيرة (من 25 مقعداً إلى 37 مقعداً).

إلا أن صعوده له أسباب كثيرة، أهمها أن رئيس تحالف «الفتح» هادي العامري الذي (تراجعت كتلته من 60 مقعداً إلى 14) كان تحالف مع الصدر قبل الانتخابات ما دفع جميع الذين يخافون من صعود السيد مقتدى إلى الذهاب نحو المالكي.

إلا أن الأهداف الداخلية والخارجية للصدر تتضارب مع تلك التي يؤمن بها المالكي وتالياً فان التحالف بين المالكي والصدر مستبعد جداً خصوصاً أن السيد مقتدى قد قال إن تقسيم الكعكة، أي المحاصصة، أصبحت من الماضي.

وهذا ما لن يستطيع الصدر الالتزام به لأن رئيس المجلس الحالي محمد الحلبوسي (40 مقعداً) والسيد مسعود البرزاني (32 مقعداً) لديها مطالب وحصص في الحكومة الجديدة.

وتالياً فإن رفضه مطالب هؤلاء يعني توجههم نحو الكتلة المنافسة ليعود المشهد السياسي العراقي إلى ما كان عليه في السابق دون تغيير يذكر.

وقد اجتمعت جميع الأحزاب والكتل التي أصيبت بخيبة أمل من النتائج أو الخاسرة في منزل المالكي ليتمخض - بحسب مصادر حضرت الاجتماع - عن قرار خيالي بأن «يعطي الصدر عشرة مقاعد من حصته للخاسرين» وبإنشاء تحالف يسعى للتواصل مع الأحزاب السنية والكردية لقطع الطريق عليه وإفقاده القدرة على تشكيل الحكومة المقبلة.

هذه التصريحات الرافضة للنتائج من الخاسرين تأتي ضمن ديموقراطية العملية السياسية وحقوق المرشحين والكتل، ولكنها تأتي أيضاً رداً على «خطاب النصر» الذي ألقاه الصدر عند إعلان النتائج الأولى وقوله إن «السلاح يجب حصره بيد الدولة وإنهاء زمن الميليشيات ومحاربة الفساد وأن جميع السفارات مُرَحب بها ما لم تتدخل في الشأن العراقي وتشكيل الحكومة». وبدا واضحاً أن مواقف الصدر تحمل رسالة إلى الداخل والخارج.

في الداخل، قال إنه سينهي عهد الميليشيات، وهو يعني الفصائل العراقية التي تتحدى رئيس الوزراء وتساهم في تقويض سلطته.

إلا أنه لم يكمل «السطر» الذي ينبغي الإشارة فيه إلى العمل على إخراج القوات الأميركية من البلاد، بحسب ما نص عليه قانون البرلمان العراقي، فالوجود الأميركي سبب بقاء الفصائل المسلحة التي ما زال الصدر «يحتاجها» لغاية تاريخ 31 /12 /2021، الموعد المقرر لانسحاب القوات الأميركية من العراق.

ففي رأي من هم على دراية بالواقع العراقي إن وجود مقاومة للقوات الأميركية القتالية، التي تعتبر احتلالاً بعد نهاية السنة، ضروري للدولة التي يمكنها التنصل من أي هجمات تشن على قوات أقوى دولة في العالم، ما يجنب العراق أي عقوبات. وتالياً فإن الانسحاب الأميركي يصب في مصلحة العراق وأميركا - إذا أدركت واشنطن فرصتها - ويرضي إيران التي لن تتمسك بدعمها للفصائل، رغم أنها لن تنسى اغتيال أميركا للقائد قاسم سليماني الذي كان ضيفاً ومستشاراً للعراق، والذي اغتيل بعد وصوله إلى بغداد بدعوة من رئيس الوزراء، وهي لن تنسى أيضاً أن العراق سكت عن قتل ضيفه ولم يحترم قانون الضيوف وحمايتهم... كل ذلك ما دامت القوات الأميركية موجودة في بلاد ما بين النهرين.

ومع مطلع السنة المقبلة تصبح هذه الفصائل غير شرعية إذا خرجت القوات الأميركية.

وتالياً فانه يمكن للدولة بسط نفوذها وسحب سلاح أي طرف خارج الأجهزة الرسمية، وهو ما أٌقره المجلس النيابي، بمن فيهم «الحشد الشعبي».

وقد أشار الصدر إلى «الحشد الشعبي» في خطابه بطريقة غير مباشرة عندما رفض إعطاء الحشد أي أهمية مميزة بل قال إن «العراق هو عراق المرجعية والحكماء وسنستنير بآرائهم».

وهذا يدل على أن أي قرار يختص بـ «الحشد الشعبي» مرتبط ارتباطاً مباشراً بقرار من أوجده عام 2014 وهو المرجع الأعلى في النجف الأشرف السيد علي السيستاني، الذي أشار إليه مقتدى، وتالياً فإنه سحب من يد الجميع التداول بقضية «حل الحشد» من عدمه خصوصاً أن «الحشد» كان مادة انتخابية مهمة استخدمت ضد الصدر ولم تأت بالنتيجة المطلوبة لإسقاطه (أي خفض عدد نوابه في البرلمان).

أما التحدي الآخر الذي من المتوقع أن يجابهه الصدر ومرشحه لرئاسة الوزراء فيتمثل بالوضع الاقتصادي الصعب والبنية التحتية وفرص العمل ووضع حد للفساد.

وهي مطالب المرجعية في النجف ومطالب الشعب وأيضاً النواب المستقلين الذين سيلتحق عدد منهم بالكتلة الصدرية.

ولهذا فان السيد مقتدى يحتاج إلى الدعم الإقليمي في الدرجة الأولى وإلى الدعم الغربي للاستثمار في العراق.

أما عن الدعم الإقليمي، فان الصدر سيكون أمام تحدي إيجاد توازن بين المشاريع التي تسيطر عليها أميركا في العراق ومشاريع أخرى تستطيع الصين وروسيا وإيران القيام بها، وتالياً فأن توجهه إلى دول المنطقة وإلى الشرق سيريح الحكومة المقبلة ويخفف عنها ضغوط حلفاء إيران الذين سيتسلحون بأي توجهات خارجية مغايرة للصدر للهجوم عليه ومحاولة إفشاله. إنها تحديات ما فوق عادية، وأكبر من أن يتحملها حجم التيار الصدري في حال وصل وحيداً إذا أراد التمسك بأهدافه المعلنة، لأن خصومه داخل البيت الشيعي كُثّر ويتربصون به، ولأن اختيار رئيس وزراء ضعيف لم يعد مطروحاً في ضوء الانتصار الكبير الذي حققه السيد مقتدى. وتالياً فان العراق يتحضر لرئيس وزراء صدري قوي، إلا إذا فشل الصدر في تحقيق هدفه وهذا ما سيضع العراق أمام خيارات صعبة وتحديات أصعب.

إن التحديات الداخلية وإعادة أعمار البنية التحتية وبناء النفوس بسبب الحرب على «داعش» لمهمة شاقة.

يضاف إليها التحديات الخارجية والتي تضع بلاد ما بين النهرين في طليعة الدول الأشد أهمية في غرب آسيا ولكنها الأكثر تعقيداً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي