No Script

جمعهما «بس يا بحر» وغيّبهما الموت أمس

الشملان طوى «صفحة من تاريخ الكويت»... والسينما فقدت «عرّابها» الصديق

تصغير
تكبير

جمعتهما الصدفة في الفيلم الروائي «بس يا بحر»، وغيّبهما الموت في اليوم نفسه...

فقد توفي المؤرخ الكاتب الإعلامي القدير سيف مرزوق الشملان صباح أمس، عن عمر يناهز 94 عاماً، على أن يوارى الثرى صباح اليوم، في حين وُوري جثمان المخرج القدير خالد الصديق الثرى عصر أمس في مقبرة الصليبخات، عن 76 عاماً، لتنطوي برحيلهما صفحة لطالما كانت نبراساً مضيئاً في صفحات التاريخ الكويتي، لمجالات الأدب والثقافة والسينما.

ونعى عدد من الفنانين عبر «الراي»، الفقيدين الشملان والصديق، حيث استذكروا مآثرهما واستعرضوا تاريخهما الحافل بالإنجازات.

في البداية، هاتفت «الراي» الفنان القدير سعد الفرج، الذي يتواجد حالياً في المملكة العربية السعودية لتصوير مسلسله التلفزيوني «في توقيت مكة»، حيث بدا متأثراً للغاية، وهو يحاول إخفاء نبرة البكاء حزناً على رفيقي دربه، لكنها بدت واضحة في صوته.

وقال الفرج: «رحمك الله يا أبا أمين، وأقولها من كل قلبي: مثواك الجنة إن شاء الله».

وأكمل: «كان مخرجاً كبيراً في كل شيء، وإنساناً كريماً وطيب القلب والمعشر، فلا يُنكَر مجهوده وعطاؤه في السينما الكويتية، التي أثراها وقدّم فيها أعمالاً مهمة، ولكن هذا قضاء الله وقدره، وهذه نهاية كل إنسان».

وأضاف «بوبدر»: «كما أتقدم بأحر التعازي لأسرة المؤرخ والإعلامي القدير سيف مرزوق الشملان، الذي أسهم في تدوين جزء كبير من تاريخ الكويت على مدى عشرات السنين، حيث كنا نستعين به في بعض الأعمال الفنية، خلال عمله في مكتبة التلفزيون، وكان رحمه الله، متعاوناً لأبعد الحدود».

وكان الفرج نشر عبر حسابه على «إنستغرام» صورة تجمعه بالراحل الصديق، أرفقها بتعليق «رحم الله خالد الصديق وأسكنه فسيح جناته... وأثابه الله عن كل ما قدمه للسينما الكويتية»، منوهاً إلى أن «الصورة من أرشيف الأخ حسن الجسمي أطال الله في عمره».

بدورها، لم تُخف الفنانة القديرة سعاد عبدالله حزنها لوفاة «أبو أمين»، حيث قالت: «يصعب عليّ الكلام، بحق إنسان صاحب فكر، وسابق عصره برؤاه، فكل ما يمكنني قوله، إن الموت حق علينا جميعاً، والمرحوم كان دائم التواصل مع زوجي فيصل الضاحي، حتى إن هناك لقاء كان سيتم بينهما، لولا مشيئة الله».

وتابعت «أم طلال»: «الصديق لم يكن يشتكي من شيء، بل إنه عاش أيامه الأخيرة بصحة وعافية وبكامل قوته. وقد رحل عنا جسده وترك صوراً ولوحات جميلة من أعماله ستبقى في ذاكرتنا، فهو إنسان يتمتع بخيال واسع، وقد تعاونت معه في الستينات من القرن الماضي عبر سباعية بعنوان (قاتل أخيه) وشاركني بطولتها الفنان الراحل غانم الصالح، وهي أول عمل يجمعني معه. (إنا لله وإنا إليه راجعون)، اللهم لا اعتراض على حكمك ومشيئتك».

أما الفنان داود حسين، فقال: «رحل مخرج مهم، وصانع الحركة السينمائية في دولة الكويت، وهذا درب كلنا سالكوه»، مردفاً: «برحيل الصديق رحل الفكر والإبداع والإخراج والنجاح، فلم نسمع عنه إلا كل الاحترام والتقدير والتواضع... رحل الصديق، ولم يبقَ سوى أثره الطيب في نفوسنا».

إتلاف «شاهين»

من ناحيته، استذكر الفنان إبراهيم الحربي لقاءه بالراحل المخرج خالد الصديق في فيلم «شاهين» الذي جرى تصويره في الهند ولم يعرض إلى الآن، حيث قال: «اجتمعت مع الراحل لأكثر من شهرين خلال فترة التصوير، ومن ثم تكونت بيننا صداقة طيبة، إلى حد أنه كان يفصح لي عمّا يعتصر قلبه من حسرة وألم إزاء المعاناة التي مرّ بها، خصوصاً بعد الانتهاء من تصوير الفيلم الذي شاركت في بطولته، إلى جانب الفنان مجدي وهبة وعدد من الفنانين الإيطاليين ونجوم آخرين من الهند، إذ لم يعرض الفيلم بسبب الغزو العراقي الغاشم، الذي أدّى إلى قيام بعض المخربين بإتلاف النسخة الأصلية للفيلم».

وأضاف الحربي «الصديق كان دائم الابتسامة، وأسلوبه سلس ومتفاهم مع فريق العمل بشكل جميل، فهو مخرج رائع ومبدع على مستوى العالم، وهو رجل لم يأخذ حقه وكان لا بد من تكريمه التكريم المستحق، فهو بالإضافة إلى عمله في الإخراج السينمائي، كان يلقي المحاضرات في عدد من الدول، ودائم التواجد في المهرجانات العالمية».

ولم يغفل الحربي مآثر ومناقب المؤرخ والكاتب سيف الشملان، مبيناً أنه التقى به ذات مرة، «وكان لقاء ممتعاً، فهو كنز من المعلومات والتاريخ، قامة وعلامة كبيرة». وختم كلامه قائلاً: «الرحم يولد والأرض تبلع، وهذه سنة الحياة، رحم الله الفقيدين، وأسكنهما فسيح جناته».

من جانبه، عبّر المخرج السينمائي وليد العوضي، عن حزنه العميق لرحيل من وصفه بـ«عميد السينما الكويتية وعرّابها» خالد الصديق، مشيراً إلى أن المخرج الراحل كان المثل الأعلى الذي يقتدي به، على الصعيدين المهني والشخصي.

ومضى يقول: «لطالما كان أبو أمين داعماً لكل السينمائيين الكويتيين، وأنا واحد ممن تتلمذوا على يديه، فهو أستاذي ومعلمي، وقد كان رحمه الله سخياً في نصحه وتوجيهه وتشجيعه إليّ».

وأكمل: «لعلّ أبرز نصائحه كانت تصبْ في جودة العمل السينمائي وقيمته الفنية، إذ دأب على القول إن فيلماً واحداً يظلّ خالداً في ذاكرة الجمهور، خيرٌ من عشرات الأفلام التي تمرّ مرور الكرام ولا يتذكرها أحد».

ولفت إلى أن الفضل في تأسيس السينما الكويتية يعود إلى المخرج الراحل خالد الصديق، لكونه صانع أول فيلم روائي طويل «بس يا بحر»، والذي لا يزال عالقاً في ذاكرة الجمهور منذ ما يقرب الـ50 عاماً.

كما استذكر العوضي مسيرة المؤرخ الراحل سيف الشملان، مؤكداً أن فريق «بس يا بحر» كان قد استعان به لتوثيق بعض الأحداث المهمة في التاريخ الكويتي، بالإضافة إلى توفيره للبيت الذي جرى من خلاله تصوير بعض مشاهد الفيلم».

وختم قائلاً: «رحم الله المخرج الصديق والمؤرخ والإعلامي الشملان، وأسكنهما فسيح جناته».

ونعى المخرج صادق بهبهاني المخرج الصديق، قائلاً: «كُلي حزن، ولكن هذه هي الحياة.

رحل الداعم الأساسي بالنسبة إليّ، ومعرفتي به منذ العام 2007 وصولاً الى اليوم الحزين الذي تلقيت به خبر وفاته، وكنا على موعد لنلتقي بعد أسبوع في السينما الخاصة بمنزله بمنطقه النزهة، لكي أحظى بشرف مشاهدته الحصرية لفيلمي القادم قبل انطلاقته في دور العرض رسمياً».

واستدرك: «لكن لم يعد هناك موعد بيننا في الدنيا بعد الآن، إنا لله وإنا إليه راجعون».

«مجلس الثقافة»: الصديق والشملان... مسيرة حافلة بالعطاء

نعى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كلاً من الصديق والشملان.

ونقل الناطق الرسمي للمجلس والأمين العام المساعد لقطاع الثقافة الدكتور عيسى الأنصاري تعازي وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب ورئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عبدالرحمن المطيري وأمين عام المجلس كامل العبدالجليل وكافة العاملين فيه لأسرة الفقيدة وللأسرة الفنية.

وأضاف الأنصاري «آلمنا خبر وفاة المخرج السينمائي الكبير خالد الصديق صاحب الأعمال السينمائية والتلفزيونية الرائدة التي تركت بصمات في هذا المجال محليا وعربياً ودولياً، وهو منتج ومخرج سينمائي ذاع صيته بفضل نظرته الفنية الثاقبة والفريدة، ويُعد رائد الحركة السينمائية الكويتية».

كما نعى الأنصاري المؤرخ الشملان، «الذي رحل عنا ليترك فراغاً واضحاً في مجال عمله التأريخي والتوثيقي لمحطات في تاريخ الكويت، وتاريخ الغوص على اللؤلؤ، وتوثيق سير تراجم رجالات الكويت، وكتاباته حول الشعر والأمثال واللهجة الكويتية، وتوثيق الأماكن والقرى والمدن، وكان تكريم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب للمغفور له مستحقاً حينما مُنح جائزة الدولة التقديرية في العام 2000 إضافة إلى حصوله على تكريم مؤسسات أخرى في الدولة».

الشملان في سطور

ولد المؤرخ والكاتب والإعلامي سيف مرزوق الشملان في العام 1927، حيث بدأ حياته موظفاً في دائرة الصحة، وله العديد من المقالات والأبحاث في الصحف والمجلات الثقافية والأدبية الكويتية.

ومن أهم أعماله سلسلة في مجلة البعثة الكويتية عن تاريخ إمارة قطر منذ العام 1952 وحتى العام 1954، وأصدر كتابه بعنوان «من تاريخ الكويت» العام 1959، والذي قدم من خلاله مادة مميزة لتاريخ الكويت منذ نشأتها وحتى وقت تأليفه.

كما قدم برنامجه التلفزيوني الشهير «صفحات من تاريخ الكويت»، الذي وثق من خلاله الرواية الشفاهية الموثوقة من أصحابها، والذي يعد من أطول البرامج التلفزيونية، حيث بدأ خلال العام 1965 واستمر حتى التسعينات من القرن الماضي.

للمؤرخ الشملان دور بارز ولافت في الحفاظ على جزء مهم من الكويت القديمة ممثلة في دواوين أهل الكويت المطلة على البحر، وكذلك أصدر كتاباً بعنوان «الألعاب الشعبية الكويتية» في العام 1970، وكتاباً بعنوان «تاريخ الغوص على اللؤلؤ» والمكون من جزأين في العام 1975، كما أقام متحفه الخاص الذي أعطى المجتمع من خلاله درساً قيماً في حفظ التراث الكويتي القديم بمقتنياته النادرة.

وقد جمع الشملان رحلته العملية الطويلة التي امتدت منذ العام 1950 وحتى العام 2010 الغنية بالعطاء والإنجازات في كتابه «رحلتي مع الكلمة» المطبوع سنة 2010.

الصديق... رائد السينما الكويتية

ولد المخرج خالد محمد بستكي، العام 1945. هو مُنتج ومخرج سينمائي كويتي، يُعد رائد الحركة السينمائية الكويتية، حيث رُشّح فيلمه «بس يا بحر» الذي أنتجه وأخرجه في العام 1972 لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في حفل توزيع جوائز الأوسكار الخامس والأربعين، وهو أول فيلم كويتي يترشح للجائزة.

نال عدداً من الجوائز والتكريمات العالمية والعربية عن فيلمه «بس يا بحر»، منها الجائزة الأولى في مهرجان الفيلم الشبابي في دمشق العام 1972، جائزة الشرف في مهرجان طهران الأول للسينما العالمية، جائزة فيبرانشي وجائزة النقاد السينمائيين العالميين في مهرجان البندقية السينمائي، الجائزة الثانية في مهرجان أوهايو العالمي، في الولايات المتحدة وكانت الجائزة الوحيدة المخصصة لفيلم روائي، جائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية، إضافة لجوائز عدة من مهرجانات وملتقيات سينمائية في شيكاغو وإسبانيا وقرطاج وغيرها، كما حصد فيلمه «عرس الزين» 7 جوائز عالمية، ونال الصديق جائزة الدولة التقديرية لعام 2010.

ومن أعماله: «المطرود» (1964)، «الصقر» (1965)، «الرحلة الأخيرة» (1966)، «الأمن الداخلي» (1967)، «وجوه الليل» (1968)، «معهد الأمل» (1969) «عن الصم والبكم»، «بس يا بحر» (1972)، «عرس الزين» (1976)، «شاهين» (1986).

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي