No Script

حكومة ميقاتي دشّنتْ إطلالتَها بـ «خطوة أولى» عودة العلاقة مع سورية.. هل تعيدها «لاعباً» في لبنان؟

حكومة لبنان
حكومة لبنان
تصغير
تكبير

قبل أن تلهو حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بالصراع الذي يهدد مصيرَها مع بلوغ المواجهة مع المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت طارق بيطار طاولة مجلس الوزراء، كانت تحاول وببطء ترتيب أولوياتها وسط تحدياتٍ كبيرة في الداخل ومع الخارج.

ومنذ تشكيل الحكومة كانت «العين» على مقاربتها لملف العلاقة مع سورية بعد مرحلة طويلة من نأي لبنان بنفسه عن مجريات الصراع في البلاد – الجارة وعليها على مدى نحو عقد من الزمن الصعب.

وكانت حكومةُ الرئيس السابق حسان دياب إختتمت فترةَ تصريف الأعمال، وقبل تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بزيارة وفد وزاري لدمشق ضم وزيرة الدفاع، ووزيرة الخارجية بالوكالة زينة عكر ووزير المال غازي وزني والطاقة ريمون غجر والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

ودشنتْ حكومة ميقاتي عملها بالموافقة رسمياً على توجه وزير الأشغال العامة علي حمية إلى دمشق بناء على تكليف رسمي من مجلس الوزراء. ورغم أن طابع الزيارة إقتصادي كونها مخصصة للبحث في تسهيل عبور الشاحنات اللبنانية عبر سورية، إلا ان مبادرة ميقاتي السريعة لإتخاذ قرار التواصل الرسمي مع دمشق، في أعقاب أول جلسة لمجلس الوزراء يترأسها في مقره السرايا الحكومية، وتكليف وزير ينتمي إلى فريق «حزب الله»، تترك مجالاً للتأويلات حول توقيت طرْح عودة العلاقة السياسية بين لبنان وسورية عبر الحكومة الجديدة.

بدا واضحاً من كلام ميقاتي منذ توليه رئاسة الحكومة إصراره على توسيع بيكار الحوار مع سورية وغيرها في إطار إبداء حرصه على التواصل مع جميع الدول من أجل مصلحة لبنان. لكن من المفيد التذكير بأن ميقاتي هو أصلاً قريب من دمشق، وأتى وزيراً للأشغال عام 1998 بناء على طلب من سورية أثناء وجودها السياسي والعسكري في لبنان. كما إختير مرتين رئيساً للحكومة بناء على هذه العلاقة. ولذا لا يأتي الإنفتاح على دمشق غريباً على الحكومة بوجهيها، من جهة رئيس الجمهورية ميشال عون ومن جهة ميقاتي.

ورغم أن حكومة زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري الأولى تواصلت مع سورية، وهو ذهب للقاء الرئيس بشار الأسد الذي إستضافه عام 2009 في «قصر تشرين»، إلا ان ذلك تم على بـ «قوة» المفاوضات السعودية – السورية، التي عُرفت بـالـ «سين – سين». ولاحقاً تَحَلَّلَ الحريري من عبء هذا التواصل، وهو ما ظَهَرَ في صورة جلية بعد إندلاع الثورة في سورية ووقوفه إلى جانب الشعب السوري ومعارضي الرئيس بشار الأسد.

أما اليوم فيعود التواصل الرسمي اللبناني – السوري من الباب العريض، فعون لم يذهب كرئيسٍ إلى دمشق (علماً ان الرئيس السابق ميشال سليمان ذهب إليها أكثر من مرة) وهو سبق أن زارها يوم كان رئيساً لـ «تكتل التغيير والإصلاح»، لكنه يحرص على إبقاء العلاقة معها قائمة عبر موفدين خاصين يزورونها في صورة دورية.

وقد طُرحت أكثر من مرة في المرحلة الأخيرة تساؤلات عن إحتمال زيارة صهر عون ووريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لسورية. إلا ان الأخير بدا متريثاً لإعتبارات تتعلق بوضعه الداخلي والخارجي على السواء، رغم انه لوّح أكثر من مرة، لا سيما عشية إحتجاجات 17 أكتوبر 2019 بعزمه على زيارتها. علماً أنه من دعاة التنسيق معها لا سيما في موضوع النازحين السوريين، واعتبر مراراً ان حل هذه القضية لا يمكن ان يتم بمعزل عن الحوار اللبناني - السوري.

تشكل حكومة ميقاتي في قرارها الرسمي مَخْرجاً للإئتلاف الحاكم، عون وباسيل من جهة و«حزب الله» من جهة أخرى. فمن ناحيةٍ تُحَقِّقُ التواصلَ كمرحلةٍ أولى في إنتظارِ إستكشاف مزيد من الرؤية الخارجية حيال باسيل تحديداً، كما أنها تملك الغطاء الشرعي الرسمي في التواصل مع دمشق تحت سقف دولي وإقليمي. فالحكومة تتظلّل ببدء حركة إقليمية عربية تجاه دمشق، وبرفْع واشنطن سقف المحاذير عن زيارة الوفد الوزاري السابق إليها وسماحها بإيصال الغاز الأردني إلى لبنان عبر سورية. كذلك فإنها تتذرع بجو عربي منفتح تدريجاً على دمشق، كما يحصل مثلاً على الخط الأردني – السوري. علماً ان ميقاتي حلّ ضيْفاً في الأيام الأخيرة على عمّان في زيارة وُصفت بـ «الخاصة» والتقى خلالها الملك عبدالله الثاني. كما أن التواصل الحكومي يسحب ذريعة إبقاء العلاقة تحت سقف محدد بين سورية و«حزب الله» أو الأحزاب الحليفة الأخرى حتى لو كانت ممثَّلة في الحكومة، ما يضفي شرعية على عودة العلاقات إلى طبيعتها تدريجاً بين البلدين.

وتتذرّع الحكومةُ كذلك بسلسلة ملفات عالقة مع دمشق يفترض وضعها على الطاولة عبر حوارات ثنائية، بعضها كان يتولاها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وبعضها إتصالات بعيدة عن الأضواء بين لبنان وسورية. فهناك ملف النازحين السوريين، وملف الإرهاب المفتوح في المنطقة، وملف الحدود والتهريب عبرها المطروح بقوة من خلال التفاوض مع صندوق النقد، إضافة إلى تهريب النفط إلى سورية وضبط المعابر. كما أن هناك ملفاً شائكاً، هو مادة دسمة كي يُبنى عليه تطبيع العلاقة مع دمشق، أي الملف الإقتصادي برمّته، مع فتْح الحدود نحو العراق والأردن وموضوعيْ الغاز المصري وإستجرار الكهرباء الأردنية عبر سورية. والحجة الرسمية ستكون من الآن وصاعداً تنشيط وتكامل الملفين الإقتصادي بين البلدين، لحاجاتهما المتبادلة، وهو ما بدأ الكلام به السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي.

وفي مواجهة هذه الملفات، ستكون الحكومة متحرّرة من أعباء الماضي، في محاذرة التواصل مع سورية. لكن النقطة التي يفترض التوقف عندها تكمن، ليس في الملف الإقتصادي، بل ان الأهم يتعلق بإمكان أن تعود سورية للعب دور في تسمية موالين لها في الإنتخابات النيابية، عبر حلفائها. وهذا الأمر مطروح بقوة بعد إستعادة بعض حلفائها نشاطهم، ليس في المناطق الأقرب جغرافياً إليها، وما زالت تتمتع فيها بنفوذ ما، إنما في مناطق «إستراتيجية» بالمعنى السياسي، وتُعدّ ساحات لخصومها. علماً أن عودتها السياسية بدأت بحصتها في الحكومة الحالية، بطريقة مباشرة كوزير الإعلام جورج قرداحي، وبطريقة غير مباشرة عبر حلفائها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي