No Script

جُسَيمات ليوي... هل تحوي مفتاح إنهاء «الشلل الارتعاشي»؟


صورة مجهرية ترصد أحد جُسيمات ليوي
صورة مجهرية ترصد أحد جُسيمات ليوي
تصغير
تكبير

في سبق علمي يرقى إلى كونه اختراقاً بحثياً مهماً في مجال علم المخ والأعصاب، أعلن علماء بجامعة أمستردام أنهم قد نجحوا أخيراً في التوصل إلى اكتشاف رائد يتعلّق بطبيعة وتأثير شوائب عصبية تعرف طبياً باسم «جُسَيمات ليوي» (Lewy bodies)، وهو الاكتشاف الذي حققوه بفضل استخدام تقنيات مجهرية إلكترونية فائقة الدقّة تمكنوا من خلالها من تصميم بنية ثلاثية الأبعاد لتلك الجُسَيمات.

الباحثون نشروا نتائج دراستهم الواعدة في دورية «أكتا نيروباثولوجيكا» (Acta Neuropathologica)، وهي النتائج التي تبشر بفتح آفاق جديدة في مجال معالجة مرض الشلل الارتعاشي الذي يعرف طبياً باسم مرض «باركنسون».

وللمرة الأولى، اكتشفت نتائج الدراسة الهياكل المتسقة التي تشكل تكوين جُسَيمات ليوي الناضجة، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام فهم كيفية نشوء تلك الشوائب في أدمغة مرضى «باركنسون» تمهيداً لإيجاد علاجات ناجعة لذلك المرض.

نستعرض في التقرير التالي مزيداً من التفاصيل المتعلقة بذلك الاكتشاف...

توضيحاً لأهداف الدراسة، قالت البروفيسور ويلما فان دي بيرغ - التي تعمل في كلية الطب بجامعة أمستردام الهولندية وتولت قيادة فريق البحث: «من المهم جداً معرفة الكيفية التي تتشكّل بها جُسَيمات ليوي كشوائب في الخلايا الدماغية»، مشيرة إلى أن نتائج هذه الدراسة تكتسب أهميتها وخصوصيتها من كونها تسلط الضوء لأول مرة على الهياكل المتسقة في تكوين جُسَيمات ليوي الناضجة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقود إلى طرح فرضيات جديدة حول تكوين تلك الشوائب في أدمغة مرضى الشلل الارتعاشي (باركنسون).

متغيرات «ألفا - ساينوكلين» من الثابت أن بروتين «ألفا - ساينوكلين» (a-synuclein) يشكل أحد المكونات الرئيسية لجُسَيمات ليوي، وهو بروتين متوافر بكثرة وبأشكال متنوعة في الدماغ البشري.

وفي سياق إجراء دراستهم، لجأ الباحثون إلى «بنك الدماغ الهولندي» ليزودهم بعينات من أنسجة المخ البشري المأخوذة من متبرعين بعد وفاتهم ممن كان قد تم تشخيص إصابتهم سريريّاً قبل وفاتهم بمرض «خرف جُسَيمات ليوي» الذي يعتبر أحد أشكال مرض «باركنسون»، بالإضافة إلى تزويدهم بأنسجة غير مصابة بأمراض عصبية (لاستخدامها كعناصر تحكم خلال التجارب).

واستخدم الباحثون أحدث طرق الفحص المجهري الإلكتروني فائقة لرصد وتصوير متغيرات «ألفا - ساينوكلين» بتفصيل كبير، وذلك باستخدام تقنية «الفحص المجهري المحفز لاستنفاد الانبعاثات» (STED)، وهو الفحص الذي يلتقط صوراً فائقة الدقة ويسمح بالتصوير البصري بدقة نانومترية متناهية الصغر أعلى من المعتاد.

ومن خلال تصوير جُسَيمات مضادة حساسة ومحددة للغاية، نجح الباحثون في رصد بنية ثلاثية الأبعاد لجُسَيمات ليوي؛ حيث اكتشفوا أنها تحتوي على طبقات متراكبة متحدة المركز على شكل حلقات بعضها داخل بعض، حيث يتراكم جوهر البروتينات والدهون محاطاً بـجزيئات «ألفا - ساينوكلين» مفَسْفَر (محْتوٍ على فسْفور) إلى جانب مكونات خلوية أخرى تشكل هيكل الجسيمات.

ووفقاً لما لاحظه الباحثون، فإن تلك البنية الهيكلية التي رصدوها تشير إلى أن الخلايا الدماغية هي التي تتحكم في تنظيم شكل جُسَيمات ليوي، وربما كان ذلك بدافع تغليف مكوناتها السامة.

مدافن نفايات دماغية! وإلى جانب توزيع متغيرات «ألفا - ساينوكلين» داخل جُسَيمات ليوي، قارن الباحثون أيضاً توطّنها خارج جُسَيمات ليوي في خلايا أدمغة المتبرعين، خلال المراحل المبكرة مقابل المراحل المتأخرة من مرض باركنسون، بالإضافة إلى مقارنتها بعناصر التحكم.

وبناء على النتائج التي توصلوا إليها، اقترح الباحثون فرضية مفادها أن الخلايا الدماغية تلجأ إلى تشكيل جُسَيمات ليوي في المواقف التي لم تعد قادرة فيها على إعادة تدوير نفاياتها. وعندما تتراكم الدهون والبروتينات، قد تحاول الخلية عزلها في مكان مخصص (يمكن مقارنته بمدافن النفايات)، وفي النهاية تعيد تشكيلها وتغليفها لحماية نفسها من المكونات الضارة، وبمرور الوقت، قد يؤدي وجود هذا «المدفن» نفسه إلى تغيير البيولوجيا الطبيعية للخلايا العصبية.

آفاق مستقبلية واعدة واختتمت «دي بيرغ» بالتنويه بأن «هذه الاكتشافات التي رصدتها الدراسة يمكن أن تكون مرجعاً مهمّاً للأنظمة النموذجية الحالية والمستقبلية الخاصة بمرض باركنسون. كما أن إثبات الفرضيات الجديدة التي طرحتها مثل الأنظمة التجريبية سيشكل خطوة مستقبلية مهمة لفهم أفضل للدور الذي تلعبه جُسَيمات ليوي في مرض باركنسون، وهو أمرٌ محوري لتطوير مؤشرات حيوية وعلاجات جديدة قد تقضي على ذلك المرض».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي