No Script

على الهواء

«العلمين» قصةُ حربٍ وحب

تصغير
تكبير

قصة شاعت في مصر وليبيا رواها «الحكواتية» في الساحات والمقاهي، هناك وسط كثبانٍ رملية على مد البصر في ليلة لم يكتمل فيها القمر، وشبح لا يميزه أحد بين الظلمات المتحركة وعواصف الصحراء الترابية، ارتفع صوتُ ناي حزين مع غناء بدويّ شجيّ:

رحيمين ماتو من أسباب الغيا

بلا ذنب اجتلوه، دون خطا

كيف الحليب ثناهما

عزاز نفس، إبليس ماغواهم

نفوس عالية ماهي نفوس دنّيا

هكذا كان يردد الشاعر البدوي قوله:

غلاهم إن نملاهم وشّرفهما قد

احتواهما حليبُ أمهما الطاهر.

هناك على بُعد من الإسكندرية بمسافة (90) كيلو متراً قرب الحدود الليبية تغفو قرية تواجه البحر وتستند على كثبان الصحراء.

دارت الحروب حول قرية العلمين المصرية وحملت اسمها، الحرب الإنكليزية - الألمانية بقيادة رومل ومونتغمري... استعرت الحرب، بين القائد رومل ثعلب الصحراء إلى أن قُطعت عنه الإمدادات العسكرية والغذائية، فغلبت الجيوش الإنكليزية بعد أن همّت بالانسحاب عن طريق مصر والاحتماء أولاً بالجولان.

الكاتبة المصرية سنية قراعة ذهبت إلى العلمين، فلاقت الشيخ جلال، لتسأله عن حكاية قرية العلمين التي اشتهرت عندما دارت أقوى حرب على كثبانها وساحلها من البحر الأبيض المتوسط الذي تأتي منه القوات البحرية الإنكليزية إليها مباشرة، وأعاقت إمدادات القوات الألمانية حتى هزمت.

إن القبيلتين تخاصمتا وقسمت القرية بساتر تُرابيّ ليعزل بينهما بعد حروب ومُصادماتٍ، وكان ما كان بين فتاة شابةٍ جميلة وبين فتى يرعى ماشية أهله... وهي كذلك، حتى تعارفا في أحد المراعي وتجاذبا الحب من طلوع الشمس، ويشتركان في غذاء فطور الصباح يلتقيان قرب الساتر رغم عداء قبيلتيهما، الشاب اسمه قاسم، ابن شيخ إحدى القبيلتين، وعالية، ابنة شيخ القبيلة الأُخرى...

واعتاد المحبان اللقاء عند الفجر، أخذ حُبّهما ينمو مع عمرهما، فشبت عالية وجاوزت الطفولة إلى الصِّبا وزاد جمالها، وشبَّ قاسم وبدت عليه الرجولة المبكرة، شاع أمرهما في الحَيّين المتخاصمين حتى ترصد ماجد، ابن عم الفتاة بعد أن علم بمكان لقائهما فصوّب بندقيته إلى قاسم فأرداه قتيلاً، فألقت عالية بجسدها عليه وهو يحتضر حتى فارق الحياة، وقامت بعد ذلك بدفنه وهي تبكي وتنتحب وتذرف الدموع الغزيرة الحادة، ثم ترصد ماجد لعالية فأطلق عليها النار فَدُفنت بجانب حبيبها فتجاور قبراهما، وتفكرت القبيلتان في امتزاج دم القبيلتين واعتبرتا أنها رسالة إلهية لكي تتقاربا وتنبذا العداوات منذ القدم.

وقال أحد الشيخين للآخر إن الله سبحانه أراد أن نُحقن دماءنا التي جرت منذ سنوات طويلة، فارتفع على كل قبر علم لعالية وقاسم يرفرفان على روحهما، وقال الشيخ:

لكي يصلح الله بين القبيلتين، نزيل السّاتر الترابي ولنتّحد كما كان آباؤنا وأجدادنا الأولون.

وصار القبران رمزين للحب وأصلح الله بين القبيلتين، وأنبت الله شجرتين بين القبرين حتى تعانقتا كقلبي المحبين قاسم وعالية.

قصة الحب، رواها أحد الشيخين للكاتبة سنية قراعة، ونشرت اللقاء في مجلة «العربي» الكويتية في العدد رقم 41 لشهر أبريل 1962.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي