No Script

مجرد رأي

طباخ الملك

تصغير
تكبير

وظيفة المستشار هي من الوظائف الأزلية، ولها مكانة مهمة ورفيعة لحساسيتها ولقربها دائماً من أصحاب النفوذ والقرار والسلطة، وكان للمستشارين دور بارز عبر التاريخ في نهضة الأمم أو دمارها.

ولعل من الطرائف التي تحكى في التاريخ القديم، أن ملكاً كان في رحلة صيد وكان لديه طباخ وسمعه في إحدى المرات يكلم نفسه بصوت عال منتقداً مستشار الملك، ويقول أنا أفضل من المستشار، لماذا لا أكون مستشاراً للملك، فأراد الملك أن يعطي الطباخ درساً لا ينساه فنادى عليه، وقال له هل تسمع صوت قطيع الحيوانات؟ رد بنعم، فقال الملك، اذهب إليها واعرف كم عددها، فتوجه الطباخ وقال إنها 6، فسأله الملك ما هي ألوانها، رد الطباخ لا أذكر، وردد سوف ارجع لها، ثانية.

وبعد عودته، قال للملك ألوانها كذا وكذا، ثم رجع الطباخ لمكان القطيع أكثر من مرة، وذلك للرد على كل سؤال يوجهه له الملك. وبعدها نادى الملك للمستشار، وسأله هل تسمع صوت حيوانات القطيع؟ رد نعم، فقال الملك اذهب إليها وارجع، وحينما عاد وكل ما سأله الملك عن شيء من تفاصيلها، أجابه بكل وضوح دون أن يرجع كل مرة إليها لمشاهدتها، فأدرك الطباخ دقة وذكاء المستشار الذي أجاب عن كل الأسئلة من نظرة واحدة.

لعل تدافع كثير من غير المؤهلين للتعيين في منصب مستشار، دفع مجلس الخدمة المدنية بوضع آليات جديدة للحد من تعيينات المستشارين بالتوجه لوضع حد أعلى لراتب المستشارين بحيث لا يتجاوز 700 دينار، وسقف لعدد المستشارين بحيث لا يتجاوز 8 مستشارين لكل جهة، وإن كانت الغاية محمودة إلا أن الأداة المستخدمة لن تنتج لنا إلا مزيداً من الطباخين، لأنه في حقيقة الواقع لن تجد مستشاراً حقيقياً يقبل أن يعمل لدى أي جهة حكومية أو قطاع خاص بمكافأة شهرية بهذا المبلغ لأن في ذلك تقليلاً لمكانته وخبراته.

وبالتالي، فإن هذا التوجه من مجلس الخدمة المدنية يتعارض مع توجه مجلس الوزراء بالاستعانة بالخبرات والمستشارين للمساهمة في تحقيق الرؤية، فنحن نعيش تناقض الذات، ندعو الخبرات الكويتية للمساهمة في صناعة التحول المستهدف، بينما نضع أمامها معوقات وشروطاً تدفعها إلى الابتعاد عن المشاركة أو المساهمة.

لذلك لن تجد مستشاراً حقيقياً يقبل على نفسه أن يتقاضي مثل هذه المكافأة، بل يمكن أن يقبل أن يعمل متطوعاً مجاناً ولا يقبل هذه المكافأة احتراماً لذاته وخبراته، فلا بد أن نقدر الكفاءات والخبرات ونقيمها التقييم الحقيقي الذي يليق بمكانتها.

وهذا يذكرني بحادثة إحدى البواخر التي تعطلت أياماً عدة في احد الموانئ وعجز الطاقم عن اصلاحها فاستعانوا بأحد الميكانيكيين من الخارج لإصلاحها، فحضر الميكانيكي ومعه مطرقة وقام بإصلاحها فطلب مقابل إصلاحه 10 آلاف دولار، فاعترض القبطان، وقال لقد شاهدتك وأنت تقوم بإصلاحها لم تستخدم سوى مطرقة لا يتجاوز سعرها 10 دولارات، فطلب منه القبطان إرسال فاتورة تفصيلية بالمبلغ، فما كان من الميكانيكي إلا أن أرسل فاتورة مكتوب فيها 10 دولارات سعر مطرقة و9990 سعر خبرة مدتها 20 سنة، فالذي أصلح هو سنوات الخبرة وليس الأداة المستخدمة.

نحن مع مجلس الخدمة المدنية لوضع المزيد من الاشتراطات في تعيين المستشارين، لكن مع التي تساهم في استقطاب أفضل الكفاءات، والخبرات، وتقود إلى إحداث فرز حقيقي بين مستشار يمتلك الخبرة والقدرة على التوجيه نحو التحول المستهدف، وآخر لا يملك إلا طبخ ما يكلف به.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي