No Script

نشر أخبار الظاهرة وطرقها يدفع «اليائسين» إلى التقليد

عدوى «الانتحار»... الإعلام في قفص الاتهام

تصغير
تكبير

مع تحول «الانتحار» إلى ما يشبه الظاهرة في المجتمع، بتزايد حالاته أو الإقدام عليه، طرح عدد من الأسئلة حول أسباب الظاهرة، وتحولها إلى «عدوى» في ظل تشابه الحالات، وآخرها كان إقدام فتاة على الانتحار بإلقاء نفسها من فوق جسر جابر إلى البحر، أول من أمس، في صورة «طبق الأصل» لمحاولة فتاة قبلها أفشلتها يقظة رجل أمن كان متواجداً لحظتها فأمسكها ومنعها من السقوط.

عدوى الانتحار هذه، شخصها أطباء وعلماء نفس، ورأوا أن نشر أخبارها في وسائل الإعلام يكون له دور في إرشاد «اليائسين» إلى طريق التخلص من حياتهم، مدللين على ذلك بتكرار طرق الانتحار، سواء بإلقاء النفس من علو أو «الشنق»، وهي أخبار تتداولها وسائل الإعلام، بذكر الظاهرة من دون التعريج على الأسباب التي أدت إلى الوصول إليها، وهو ما أدى إلى الدعوة لمنع نشر أخبار الانتحار وطرقه في وسائل الإعلام.

وفيما أكد عدد من أساتذة علم النفس في جامعة الكويت، أن الانتحار لا يشكل ظاهرة جلية وواضحة في المجتمع، ولكن عدوى الانتحار تزيد في ظل زيادة الاكتئاب في المجتمع، مبينين أن كثرة الضغوط النفسية وعدم القدرة على مواجهة أعباء الحياة تزيد من نسبة الإقدام على الانتحار، وطالبوا بتكاتف الجهود للتصدي لمشكلة الاكتئاب واحتواء من يفكرون في الانتحار، من خلال تشكيل جهاز يقدم الإرشاد النفسي والتوعية للأسر، لمعرفة مؤشرات الاكتئاب الحاد الذي يؤدي إلى الانتحار.

وطالبوا بضرورة الانتباه لمؤشرات الانتحار، مدللين على ذلك بأنه في أميركا وعدد من الدول الأوروبية عندما يتحدث أي شخص عن الانتحار، يأخذون حديثه بجدية ويعملون على الاهتمام به، فمن ينوي الانتحار ويفكر فيه بجدية، يقوم بتبديد ممتلكاته ولا يقول إنه يريد الانتحار، مدللين على ذلك بنسبة الانتحار العالية عند الآسيويين بسبب الضغوطات التي يعانونها.

«ننزع ارتباط الظاهرة بالوازع الديني لأنها وذاك شيء آخر»

نايف المطوع: على وسائل الإعلام ذكر أسباب الانتحار ليستدركها من يعاني مثلها

قال أستاذ علم النفس الإكلينيكي في كلية الطب بجامعة الكويت الدكتور نايف المطوع، إن «فكرة عدوى الانتحار أن الشخص يمر أو يسمع عن حالات الانتحار في أسرته أو بشخص في نفس عمره أو فئته الاجتماعية، أو يرى ذلك في الأخبار، فعندما يرى هذا الشيء تزيد فرصة الانتحار عنده أو عند غيره»، مبينا أن «التصدي لهذا الأمر يكون بأن يتحدث الإعلام عن هذا الأمر ويعطي المعلومات بحذافيرها، ولا يقف عند ذكر خبر الانتحار، بل يذكر الأسباب التي أدت بهذا الشخص للانتحار، ليطلع عليها من يعاني من هذه الأسباب ويخرج منها قبل الوصول إلى هذه المرحلة، كما أنه يجب أن يكون لدينا توعية في المجتمع بالنسبة للانتحار، وننزع ارتباطه بالوازع الديني لأن هذا شيء وذاك شيء آخر».

وأضاف المطوع أن «هناك دراسة عملت في انجلترا وأميركا، تبين أن الانتحار يزيد عندما يرى الشخص قصصا صحيحة أو خيالية عن الانتحار، فالقصص الخيالية من الممكن أن تغير واقع أي مجتمع، فجدا مهم أن هذه القصص لا تعرض، وأكثر من 50 بحثاً أجريت على قصص حقيقية في وسائل الإعلام، ودائما كانت المعلومات أن نسبة الانتحار تزيد كلما زادت القصص، ونتخيل الآن مع السوشل ميديا في قضية من ألقت نفسها من أعلى جسر جابر، فكم شخص في البلاد تفاعل معها في هذه الوسائل، وتقليل نشر قصص الانتحار في وسائل الإعلام سيقل معها قصص الانتحار في المجتمع».

وتابع «كما أن هناك من يلجأ إلى الانتحار لخوفه من أن تذهب عليه فرصة علمية بأن يسقط أو لا يقبل بجامعة مرموقة، ومنهم من لا يريد أن يدخل السجن أو من يتعرض للتنمر أو غيرها، فكل هذه عوامل تزيد نسبة الإقبال على الانتحار، وهناك ما يسمى بالانتحار غير المقصود، مثل الأشخاص الذين لديهم (الشخصية الحدية)».

«الظاهرة عدوى نفسية لا صحية»

خضر البارون: الدافع للانتحار ربما يكون إشارات سلبية من أشخاص محيطين

رأى أستاذ علم النفس في جامعة الكويت الدكتور خضر البارون أن «الانتحار ليس عدوى طبية ولكنه عدوى نفسية، فالشخص من الممكن أن يشجع الآخر على الانتحار بشكل غير مباشر، من خلال زيادة الإحباط، فمن يفكر بالانتحار يتأثر بكلام الآخرين الذين يرسلون إشارات سلبية للشخص الآخر، ومن الممكن أن يقلدهم إذا لم يكن الإنسان المقابل محصنا تجاه هذه الأمور السلبية، فهم يتأثرون بمحيطهم وبيئتهم لأنهم يعيشون في مجتمع واحد».

وقال البارون «لا يوجد لدينا في الكويت ظاهرة الانتحار، بل هي ترتبط بظروف المنتحر من اليأس من الحياة ولا يجد حلا لمعضلته، ولا يستطيع أن يخرج من ظروفه السيئة، وهو لا يرى لها حلا غير الانتحار، وعلماء النفس يطلقون على هذه الحالة من اليأس أن اليائس يتقبل ما يصاب به».

ولفت إلى أن «هناك مؤشرات على الانتحار، ففي أميركا وعدد من الدول الأوروبية، أي شخص يتحدث عن الانتحار يأخذون حديثه بجدية ويعملون على الاهتمام به، فمن يرَ الانتحار ويفكر به بجدية يقم بتبديد ممتلكاته، ولا يقول إنه يريد الانتحار، فلذلك نرى نسبة الانتحار عند الآسيويين عالية جدا بسبب الضغوطات التي يعانونها».

وتابع «لابد أن الدولة يكون لديها فريق متخصص ويكون جاهزا لحل مشكلة من يفكر بالانتحار، ولا بد من وضع خط ساخن لهذه الحالات اليائسة لإعطاء الإرشادات، وهذا مطبق بكثير من دول العالم ولابد من علاج من يفكر في الانتحار من خلال فريق نفسي واجتماعي يذهب لإيقاف إيذاء النفس والمجتمع ويهتم بهؤلاء».

«الحالة عرض أساسي من أعراض الاكتئاب المتوسطة والشديدة»

أمثال الحويلة: الانفعالات معدية ومنها زيادة معدل الإحباط عند الإنسان

أكدت أستاذة علم النفس في جامعة الكويت الدكتورة أمثال الحويلة أن «الانتحار عرض أساسي من أعراض الاكتئاب المتوسطة والشديدة، والإنسان في حالة الاكتئاب من الممكن أن يؤذي نفسه بالتخلص من حياته التي لا يقدر أن يتوافق معها».

وقالت الحويلة إن «كل النظريات في علم النفس تؤكد على أن الانفعالات معدية، بغض النظر عن نوع هذه الانفعالات إن كانت سلبية أو إيجابية، موضحة أن السبب في ذلك أن هناك عدوى للانفعال النفسي، ومن صورها أنه من الممكن أن يجلس شخص مع شخص متفائل، فيعطيه الأمل ويرفع من معنوياته، والعكس صحيح من الممكن أن يجلس مع شخص محبط ويزيد عنده الإحباط، فالإنسان بطبيعته يؤثر ويتأثر في مجتمعه وبيئته».

ولفتت إلى أن «النظريات تؤكد على أن الإنسان هو ابن بيئته، ويتأثر بمن يصاحبه، فإذا كان في بيئة إيجابية تكون حالته النفسية إيجابية وإقباله على الحياة أكبر، كما أننا نرى أن المشاعر السلبية أو الانفعالات والاضطرابات قد يتأثر بها الشخص كذلك».

وتمنت أن «يكون لدينا ثقافة مجتمعية عالية في استشفاف حالات الاكتئاب المتوسطة والعالية، لأن هناك أمورا كثيرة تؤدي للاكتئاب وتؤدي أحيانا لمضاعفات حادة واضطرابات غير حميدة».

«من الأسباب الأعباء والديون أو الخلافات الزوجية والأسرية»

محمد الرجعان: محاورة ذوي المنتحرين لمعرفة دوافعهم

أوضح مدير عيادة الرجعان للاستشارات الأسرية والاجتماعية والنفسية، البروفيسور محمد سالم الرجعان، أن «الانتحار لا يعتبر ظاهرة في الكويت، وإنما هو استجابة وردة فعل للكبت اللا شعوري الموجود لدى المنتحر». ورأى أن «من أسباب الانتحار الهروب من الواقع، مثل الوضع الصحي الذي تعيشه البلاد من الإغلاق نتيجة تفشي وباء كورونا، وهو ما يؤثر على الصحة النفسية للأفراد».

وأضاف الرجعان، أن «هناك من يلجأ إلى الانتحار ربما تأثر من الأعباء والديون المالية أو الخلافات الزوجية والأسرية، كما أن هناك مشكلات عاطفية قد تدفع البعض على هذا الفعل» داعيا إلى الاستعانة بالمختصين في العلاج النفسي لمثل هذه الحالات التي قد تؤدي بأصحابها إلى الهلاك.

وأكد «ضرورة تقديم دراسة علمية مستفيضة مع ذوي الحالات الذين أقدموا على الانتحار لدراسة الأسباب وتقديم الحلول، مع أهمية أن تقود الدولة هذه الجهود في البحث والدراسة، تلافيا لأن تصبح ظاهرة في المجتمع».

انتشار المخدرات... والانتحار

لفت أستاذ علم النفس الإكلينيكي في كلية الطب بجامعة الكويت الدكتور نايف المطوع إلى أن «الانتحار يكون ردة فعل بسرعة من دون تخطيط، فالشخص الذي يخطط غالبا ما يراجع عيادة نفسية، ولكن أغلب الحالات تكون ردة فعل سريعة مثل خسارة في البورصة يلقي نفسه من الشباك، وغيرها، ومن الممكن أن الشخص يكون عنده اضطراب بعد الصدمة فتزيد نسبة فرصة الانتحار عنده».

وأكد المطوع أن «كثيرا من المنتحرين في المجتمع عندنا من المقيمين، ولا نعلم ما هي ظروفهم النفسية، وكذلك مما يزيد نسبة الانتحار تعاطي المخدرات، وهذا نراه في الكويت ودول أخرى فاستخدام المخدرات يجعل الشخص يحس أنه يائس ولابد أن ينتحر».

الاكتئاب وضغوط الحياة

استبعدت أستاذة علم النفس في جامعة الكويت الدكتورة أمثال الحويلة أن «تشكل حالات الانتحار التي يشهدها مجتمعنا ظاهرة علمية، كما أنه ليس لدينا إحصائيات علمية عن هذا الجانب، فالانتحار موجود في كل المجتمعات الأخرى، ولكنها تبقى مشكلة إنسانية مؤرقة ولا تعد ظاهرة ولكن علينا دراسة الأسباب، ودائما عندما نرجع لها أكيد يكون الاكتئاب هو السبب الرئيسي، وخاصة الاكتئاب الحاد بسبب الضغوط الحياتية والذي مع أي ضغط بسيط يمكن أن يؤدي بالشخص للضرر بنفسه».

الكندري يقترح تشكيل فريق يدرس دوافع الانتحار

تقدم النائب الدكتور عبدالكريم الكندري باقتراح برغبة قيام مجلس الوزراء بتكليف وزراء الداخلية والصحة والتربية والأوقاف بالاستعانة بمؤسسات المجتمع المدني والمختصين النفسيين والاجتماعيين بتشكيل فريق يقوم بدراسة دوافع إقدام المواطنين والمقيمين على الانتحار واقتراح طرق معالجة هذه الظاهرة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي