No Script

خواطر صعلوك

شين الشمس... في عظمة الشينية!

تصغير
تكبير

- أكبر مشاكل العبثيين والماديين وأصحاب اللامعنى أنهم لا يؤمنون بالبدايات... هم فقط في حالة انتظار الموت والاحتفاء بالنهاية

يا لها من مفارقة عجيبة، فالشمس الكبيرة والقوية والقادرة على أن تكسر كل عين تنظر لها، والجريئة بدخولها في كل مكان كالحقيقة تماماً، تستحي أن تخرج في المساء. في الصباح يحيط بنا ثلاثة أشياء، العولمة والتفاهة والشمس. أما في المساء فلا شيء سوى الجسد والوحدة.

قرأت هذا الأسبوع رواية «الغريب» للكاتب الفرنسي ألبير كامو، وقرأت التعليقات والتأملات التي كتبت حول الرواية من القراء العرب والأجانب، فلم أجد ذكر الشمس فيها، رغم أن أكثر الأشياء حضوراً وسطوعاً في رواية الغريب هي الشمس، حيث وصفها الكاتب 42 مرة خلال 141 صفحة، بل إن بطل الرواية «مورسو» كان تبريره لقتل الجزائري هو «حرارة الشمس التي لم يكن قادراً على تحملها»! الشمس هي المعقل الأخير لتذكير البشرية أن هناك ما هو طبيعي غير قابل للهزيمة... الأمل.

لقد كانت الشمس في الرواية عدوة العدمية والعبثية واللامعنى التي أراد ألبير كامو أن يقولها في روايته، كانت الشمس فوق رأس الكاتب طوال الرواية، لتذكره بأن هناك بداية جديدة، ولكنك لا تراها! كل ما تراه هو أن تشرب فنجاناً من القهوة في جنازة أمك، وتتساءل عن جدوى حب الأم أصلاً... تُصبح متطلبات الجسد يا ابن المساء والوحدة هي ملاذك، يا ابن النهايات والعدم.

شين الشمس هي شين البدايات، والنهوض إلى الأعلى، والتوجه نحو الأسمى، والعلو وإن كان بعده هبوط، والشمول في تكامله وتوازنه، ولمُ الشمل في جماله.

فشين الشمس هي شين الشباب ونضارته، والشروق وبدايته، والشمال في اتجاهه، والشكل في أول ظهوره، والشبكة في إيقاع حركتها، وعندما ترتفع النار نقول «شبت النار»، ووجه الشبه بين «شاب» في عمره، وبين «شاب» في شعره أن كليهما بداية لمرحلة جديدة.

تذكرنا الشين دائماً أنه في كل مرة هناك بداية جديدة، شروق جديد، نهوض مرة أخرى... الشمس هي روعة البدايات، وتذكير النهايات بأن هناك بداية جديدة.

وأكبر مشاكل العبثيين والماديين وأصحاب اللامعنى، أنهم لا يؤمنون بالبدايات، هم فقط في حالة انتظار الموت، والاحتفاء بالنهاية... فلا معنى للحب والصداقة والزواج والجيران والدين والقيم ويوم القيامة حيث هناك بعدها بداية جديدة... كلها خرافات من وجهة نظر لا ترى في العالم أكثر مما تُريها العولمة وحفلات التفاهة اليومية.

تبقى الشمس حاضرة كل يوم دون أن تتغيب ولو لمرة واحدة لتذكرنا بأن هناك معتقلاً أخيراً لكل المهزومين، ملاذ البدايات الجديدة.

وبقدر ما بلغ المتفاصح من مجاري الكلام وبلاغة المقال، فلن يُوفي عظمة الشين حقها.

وأنت أيها القارئ الجيد، من أعماق مستقبلك ومن أقاصي غيبك... ماذا ترى؟ هل ترى الشمس... أم ترى المساء؟

Moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي