No Script

خواطر صعلوك

اللبناني... لا يموت!

تصغير
تكبير

ما الإرادة؟

لبنان دائماً ما يخيب ظن الأطباء، وأجهزة العناية المركزة، فهو لا يموت إلا في الوقت الذي تراه مناسباً.

لدى سكان الجبل أسطورة تقول إن اللبناني عندما يُولد... يتعلّم مع السباحة شُرب القهوة والتنكيت، وعقد الصفقات بسرعة وكفاءة، وأن يقول المسيحي «فطر سعيد» ويقول المسلم «ميلاد مجيد»، وأن يعيش ليتعلّم كيف يموت بالطريقة التي تناسبه.

يروي الشعب اللبناني إرادته ليس بالكلمات فحسب، وإنما بجسده كله.

في عام 1955م، وُلِدت ليلى الشرقاوي - فتاة لبنانية - وعلى عادة اللبنانيين، كانت مثل طائر، لنقول – مثلاً - طائراً عذباً يُغرّدُ على شجرة، ثم ماتت وهي في عمر السبع سنوات، فحصها الطبيب، ثم وضعوا على أذُنيها القطن، وضعوها على «التخت» لكي يودعها أهلها وأصدقاؤها وكلبان لبنت الجيران... نبحَ أحدهما عندما حرّكت ليلى إصبع قدمها الأوسط.

في هذا اليوم، ماتت ليلى من الثانية عشرة ظهراً، حتى الثانية عشرة بعد منتصف الليل، ثم عادت... عندما سألها أبوها أين كنتِ قالت:

- كنت هناك!

عندما أصبح عمرها أربعة عشر عاماً، وبينما هي عائدة من المدرسة ماتت مرة أخرى، وهذه المرة سيُقسِم الأطباء بأغلظ الإيمان إنّ القلب متوقف وكل الأعضاء الحيوية لا تعمل... لم يضعوا على أذنيها القُطن، تركوها لعلّها تعود من هناك...عادت بعد أربع ساعات.

تروي قصتها وهي في عمر السبعين... وتنتظر الذهاب إلى «هناك» وتبتسم بسعادة.

محمود المصري - طفل لبناني - أصيب في الحرب الأهلية بينما كان يركب دراجته الهوائية مسرعاً بين القناصة، أحس بشيء حار دخل في ظهره؛ مُلقى، انفجرت أحشاؤه أمام عينيه، نظر لبيض الحمام المكسور أمامه، وأعشاب الطبيب التي كانت معه، وبعض الحبوب التي سرقها من مخزن الغلة.

سحبه الجيش اللبناني العربي إلى المستشفى، وهناك مات ووضعوه في «براد الجثث»... أقيم له العزاء، ثلاثة أيام دون أن يحضر أصدقاؤه ويُودعوه... ثم بدأوا بعد ذلك إجراءات الدفن، فتحوا براد الجثث، فتحوا الرف المخصوص... نهض، لملم أحشاءه... وقال لهم «خذوني إلى المنزل... عند أمي»!

بعد خمسين سنة من العودة، وفي ظل أوضاع لبنان، أصبح يردد كثيراً:

- الآن أريد أن أعود إلى هناك ويبتسم!

جان بدوي مات أيضاً ووضعوه في الثلاجة...عاش واحداً وعشرين يوماً بلا دفن، ثم قرّر أن يعود...أما سيمون حاج فقد مات خمسة عشر يوماً فقط.

في عام 2013م انتشر خبر أن مصطفى رفيق البابا مات ودفن، ووضعوا عليه متراً من التراب وصبة إسمنتية، انتشرت الأخبار في لبنان كلها أنه يصرخ من قبره... أخرجوني.

الموت جزء من حياة كل اللبنانيين، كحال الجميع، لا يمكن وقفه، ولكنه حر بقدر اختيار الوقت الذي يُناسبه، وبقدر معرفته أن أفضل ما نفعلهُ هو أن نموت سعداء.

ما الإرادة؟

الإرادة حُلم يرويه الشعب اللبناني.

ولبنان لا يموت.

@Moh1alatwan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي