No Script

قيم ومبادئ

الجزيرة العربية وإرادة الله

تصغير
تكبير

شاءت حكمة الله تعالى أن تكون آخر رسالة يبعث بها لأهل الأرض هي رسالة الإسلام والسلام العالمي، وتكون في أصل العرب وتحديداً في الجزيرة الغربية (أم القرى) مكة، وهي أول بيت وضع للناس مباركاً وهدى للعالمين.

وشبه الجزيرة العربية أكبر شبه جزيرة في العالم وحدودها، تضم بالإضافة إلى دول مجلس التعاون اليمن وجنوب بادية العراق والأردن والشام كانت وما زالت تلعب دوراً جيوسياسياً مؤثراً في العالم، وفيها أقاليم عدة فرعية ورئيسية وممرات مائية عالمية وتقدر مساحتها 3،000،000 كيلومتر مربع، أغلبها أرض بكر صحراء غير مستغلة ويشغلها عدد سكان قرابة 72،6 مليون نسمة.

وأول من سكن الجزيرة العربية هم العرب وقبلهم أبو البشر آدم عليه السلام، ثم نوح عليه السلام وأبناؤه من بعده (حام وسام ويافث)، وسام هو أبو العرب وعلماء النسب قسموا العرب إلى العرب البائدة، وهم الذين أهلكهم الله تعالى وقص لنا أخبارهم في القرآن الكريم مثل عاد وإرم وثمود، والعرب العاربة وهم أبناء قحطان وهو أبو اليمن فقد اعتبر ابن خلدون هذا القسم ممن انتقلت إليه عادات العرب، فأصبحوا عرباً بالصيرورة ثم العرب المستعربة، وسموا بذلك لأنهم اندمجوا مع العرب العاربة وأخذوا منهم اللغة وأصل اشتقاق كلمة عرب من قولنا أعرَبَ الرجل عما في داخله أي كشفه وأوضحه، ولهذا أنزل الله تعالى عليهم قرآناً عربياً واضح الألفاظ سهل المعاني لا لبس فيه ولا انحراف، حتى يمتثلوا أوامره ويجتنبوا نواهيه، باللسان العربي أشرف الألسنة وأوضحها وهذا الإيضاح لعل العرب تعقله بعقولها، فإذا عقلوه بقلوبهم أثمر ذلك عمل الجوارح والانقياد فينتقلوا من حالهم إلى أحوال أعلى منها وأكمل.

لقد فضل الله العرب على جميع الأمم لحكمة بالغة ولأنهم يتمتعون بصفات قلّ أن توجد في غيرهم وهذا التفضيل تفضيل الجملة على الجملة، الذي لا يستلزم أن يكون كل فرد أفضل من كل فرد ذلك لأن في غير العرب خلقاً كثيراً خيراً من أكثر العرب، وفي غير قريش من المهاجرين والأنصار من هو أكثر خيراً من قريش، ومن غير بني هاشم من قريش، من هو أكثر خيراً من بني هاشم.

وهذا الفضل الذي اختصهم الله تعالى به مع الثروات الطبيعية، فأصبحوا محوراً تدور حوله أحداث العالم اليوم!

وما زالت الحكمة والعقل والحنكة تنبع من الجزيرة العربية وقادتها، لجهة ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم مع قوة العقل وكمال الإرادة، والحفظ والفهم لتجارب التاريخ مع تمام قوة المنطق الذي هو البيان والمعاني، فهم أحفظ وأقدر على العمل الذي مبناه على القيم والأخلاق الأصيلة، وهي تلك الغرائز المخلوقة في النفوس تطوع لهم عمل الخير فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء بلا تهور واندفاع، والناس معادن كمعادن الذهب والفضة وخيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية، وجنس العرب أفضل من جنس العجم لحديث (إن الله اصطفى من ولد إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريش، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار)، والخيار يعني من عموم البشر لكن الأفضل عند الله (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وهذا هو ميزان التفاضل بين الناس.

ومن خصائص الجزيرة العربية أنها دار الإسلام أبداً إلى قيام الساعة، وعلماؤها وقادتها قدوة في إمامتهم للدين والدنيا وعليهم ائتلفت قلوب المؤمنين، فأصبح لفتواهم قبولاً وهيبة عند الجميع.

والإسلام حين يضطهد في دياره وخارجها، فإنه ينحاز ويأوي إليها، وهذه إرادة الله، فيجد الكرم والمواساة بعد طول غربته وقساوة محنته، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها) كما أن من خصائصها ليس على وجه الأرض بقعة يجب على كل قادر السعي إليها، والطواف بالبيت الذي فيها غيرها وليس على وجه الأرض موضع يشرع تقبيله واستلامه، وتحط الخطايا والأوزار فيه غير الحجر الأسود والركن اليماني، كما أن ثواب الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، وهذه البقعة المباركة تعلقت بها إرادة الله وجرت بها مشيئته، فالبلد الحرام حرمه الله قبل أن يخلق الخلق، ولم يرضَ لقاصده من الثواب دون الجنة. ولقد جعل الله للبيت العتيق من القدر والشرف والعظمة ما أذل به رقاب أهل الأرض، حتى يقصده عظماء الملوك ورؤساء الجبابرة، فيكونون هناك في الذل والمسكنة كآحاد الناس.

الخلاصة

هذه إرادة الله في بداية ونهاية العالم، فلابد من إعزاز الإسلام والمسلمين، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَٰلَمِينَ).

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي