No Script

سافر إلى ذاتك

انتبه للتوازن!

تصغير
تكبير

يدهشني مفهوم التوازن في الحياة، فهو يعني أن يختلّ شيء عندك ليوازن شيئاً آخر عند شخص قد تعرفه أو قد لا تعرف عنه شيئاً، وكأن التوازن عملية إنسانية كونية، تجبرنا على الأخذ والسحب والعطاء والتناول والمناولة غير المرئية، وغير القابلة للقياس على البعد الذي نعيه أو القريب منا.

لكنها مرئية وتقاس جيداً في وقعها على المرسل له والمرسل منه، ولأن ما سبق طرح جديد من نوعه، فالتالي طرح بسيط لوصفه.

ما جعلني أكتب هذه المقالة، هي قصة سمعتها من صديقة لي، تحكي لي ما حدث لأبيها الميت دماغياً، فبينما الأطباء يعلنون استسلامهم الطبي أمام حالته، وأبناؤه يبكون عجزهم ورأفتهم لمعاناته، حكت لي آلامها.

ففي وقت كان العالم ينهار داخلها والساعات تقف في عالمها، كان هذا الوقت ذاته، في مكان مختلف ولأشخاص آخرين، وفي ساعة مشابهة، يتحقق توازن غريب، فهناك مشاعر تسير بالعكس، دقات قلب سريعة، تصفيق، دموع فرح، سعادة لا توصف، نتيجة زف الأطباء لهم بوجود متبرع جاهز، يتوافق مع حالة ابنهم، لنتوقف هنا: كيف تذهب معاناة أحد وآلامه لناس آخرين بمشاعر معاكسة تماماً للشعور ذاته، شعور ألم لأحدهم هو ذاته فرح لآخر، وشعور انكسار لأحدهم هو جبر لآخر، وشعور انهيار لأحدهم هو بناء لآخر، والمذهل أنهم لا يعرفون بعضهم، وقد لا يتعرفون على بعضهم إطلاقاً، فالمفهوم شامل ومحدود ومعلوم ولا معلوم وواضح وغامض، وعند إكمال القصة، تأمل كيف أن حزن ووجع صديقتي تحولا فرحاً وسروراً لناس لا تعرف عنهم شيئاً، كانت أقصى أمانيهم أن ينقذوا ابنهم الشاب بالتبرع بكلية أبيها، الذي أوصى بذلك قبل أن تتدهور حالته.

وبين حزن أبنائه وفرح والديّ المتبرع له جلست أفكّر في التوازن، ذلك القانون المذهل في الحياة الذي يجبرنا على حاجة بعضنا لبعض، والتعامل المشترك، وتقديم الخدمات، والعيش والتعايش مع بعضنا البعض.

وبمفهوم أبسط أيضاً... نلاحظ دائرة الانتعاش في حياتنا البسيطة التي تحقق مفهوماً بسيطاً للتوازن، فخلال العطل الرسمية تنتعش مكاتب السفريات، وفي الوباء تربح شركات الأدوية والقطاعات الطبية، وفي المدارس تنتعش المكتبات، وفي لحظة خسارة فريقك المحبب لك يفرح آخرون بكسب فريقهم، وفي لحظة خسارتك لمشروع هي اللحظة نفسها التي كسب فيها شخص آخر مشروعاً، وفي لحظة دفعك لمال هي لحظة كسب آخر لمالك، هل فكرت يوماً أن ما تدفعه يربح وينعش شخصاً آخر، وما تحتاجه يجعل آخر يمارس مهنته ويقدم خدماته، وما ينقصك وتبحث عنه يكمله شخص آخر.

من اليوم قرر أن تفهم مفهوم التوازن، أن تدفعه وتستقبله، وأن تتقبل ظروفك مهما بلغت من خسائر، وأن تعيش متصالحاً مع التغيرات التي تطرأ عليك.

وأخيراً... راقب التوازن في حياتك!

‏Twitter &instgram:@drnadiaalkhaldi

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي