No Script

أضواء

الدمج الثقافي القسري جريمة ضد الإنسانية

تصغير
تكبير

بين عامي 1863 و1998 تم انتزاع أكثر من مئة وخمسين ألفاً من أطفال سكان كندا الأصليين من ذويهم، ليعيشوا بمعزل عنهم في مدارس حكومية، تحت إشراف الكنائس الكاثوليكية، من أجل دمجهم في المجتمع الكندي، وهو مجتمع تشكّل حديثاً من المستعمر الأوروبي.

لكن وإن كان الهدف مقبولاً من الناحية التعليمية، إلاّ أن الأساليب المتبّعة في دمجهم كانت غير إنسانية، وتصل إلى مستوى مأسوي، لأنها تتعارض مع التعاليم المسيحية السمحة، التي جاء بها السيد المسيح عليه السلام.

لا يجد المرء صعوبة في تصوّر مدى الآلام النفسيّة التي تتركها هذه المعاملة القاسية على الأطفال، بعد انتزاعهم رغماً عن ذويهم وإيداعهم في سكن المدارس الخاصة، ناهيك عن ألم الفراق الذي ينتاب ذويهم بحرمانهم من الاستئناس برؤيتهم والاطمئنان عليهم.

ولأن عملية الدمج كانت تأخذ طابعاً سرياً بعيداً عن أعين الناس وتحت غطاء حكومي، فقد سارت الأمور كما هو مخطط لها، حتى جاء اليوم الذي انكشفت فيه فضائح القوم، عندما اكتشفت منذ أيام قبور أطفال ناهز عددها الألف قبر بجانب مدارسهم، حيث ماتوا دون علم ذويهم بهم، وكما أوردت وسائل الإعلام بأن موتهم كان لأسباب تتعلّق بتردي ظروفهم الصحيّة داخل مدارس ذات أبنية غير ملائمة صيفاً وشتاءً، ومن سوء التغذية مع سوء المعاملة.

وقد أثار ذلك حفيظة السكان الأصليين، ودفعهم إلى حرق أربع كنائس كاثوليكية، تعبيراً عن سخطهم عليها، وعلى الفور قامت الحكومة الكندية بتقديم الاعتذار، مع تفاعل بابا الفاتيكان فرانشيسكو، الذي أبدى تعاطفه مع السكان الأصليين، لكنه رفض الاعتذار حتى لا يعترف بالجريمة، والتي صنفت على أنها إبادة جماعية ثقافية، مطابقة تماماً لما تقوم به الصين الشيوعية تجاه أطفال سكان الإيغور المسلمين.

ومع ذلك لم تتوقف سياسة دمج الأقليات الإثنيّة أو الدينية في المجتمعات الغربية، وإن اختلفت أساليبها عن الأساليب القديمة، حيث لم تتخل تلك المجتمعات عن إرث التوحّد الثقافي، والحساسيّة تجاه الثقافات الأجنبية أو المحليّة، وإن ادّعت احترام ثقافة الآخر.

ويبدو النموذج الفرنسي واضحاً، كمثال غربي في رفض الثقافة الإسلامية، من خلال منع الحجاب واللحم الحلال، وإغلاق العديد من المساجد، والاستهزاء بالرموز الإسلامية، مع توجّه شعبي عنصري تجاه كل ما هو أجنبي، يتزعمه اليمين المتطرّف المتنامي في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وقد رأينا تجلياته في عهد الرئيس ترامب العنصري.

عملية الدمج الثقافي القسري اليوم، تتبع أسلوب محاصرة ثقافة الآخر، بمبررات قانونية تافهة، ولم تعد هنالك ثمّة حاجة لإقامة مدارس شبيهة بالمدارس الكاثوليكية الكندية سيئة السمعة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي