No Script

رئيسي لن يدير الخد الأيسر... بل سيأخذ زمام المبادرة

الرئيس السابق حسن روحاني يقف إلى جانب الرئيس الجديد المنتخب إبراهيم رئيسي خلال حفل التنصيب في طهران أمس (رويترز)
الرئيس السابق حسن روحاني يقف إلى جانب الرئيس الجديد المنتخب إبراهيم رئيسي خلال حفل التنصيب في طهران أمس (رويترز)
تصغير
تكبير

قلبت إيران ميزان القوى وأخذت بيدها المبادرة للمرة الأولى، عبر استهداف ناقلة إسرائيلية (فارغة) قبل أسبوع من تسلم الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، زمام الحكم رغم نفي «الجمهورية الإسلامية» مسؤوليتها عن العملية.

هذا التطور إن دل على شيء، فهو يدل على أن الإدارة الإيرانية الجديدة، التي وجّهت في شكل غير رسمي الوزارات المختلفة، وبالتفاهم مع الرئيس حسن روحاني، قبل أسبوع من مراسم التسلم والتسليم التي جرت أمس، كشرت عن أنيابها لتقول لإسرائيل وأميركا، إنها لن تدير الخد الأيسر بل ستأخذ المبادرة لتردّ على الضربات التي تتلقاها منذ أعوام في سورية أو في ساحات أخرى، خصوصاً لأن هناك «شريفاً جديداً في البلاد».

وبحسب الدستور الإيراني وقانون الانتخابات، فإن ولاية الرئيس الجديد تبدأ لحظة تسلمه رسالة المصادقة على النتائج من القائد الأعلى والولي الفقيه.

وكان قائد القوات البحرية الإسرائيلية الأميرال إيلي شارفيت، قام بتقليد العديد من الأوسمة والتنويهات بسبب عمليات سرية قامت بها الغواصات وقوارب الصواريخ ووحدات «الشايطيت - 13»، أي قوات الكوماندوس البحرية التي تزرع الألغام وتجمع معلومات استخباراتية وتعمل على مهاجمة السفن وغيرها من المهمات التي تتعلق بتخريب خطوط النفط وإمداداتها في سورية وكذلك بمهاجمة سفن ونشاطات تتعلق بـ«محور المقاومة» في سورية وإيران وضد «حزب الله» كما كشف في إسرائيل.

ومن الواضح أن البحرية الإسرائيلية كانت خسرت الكثير من سمعتها في صيف عام 2006 عندما اصطاد «حزب الله» بصواريخ C-802 الصينية الصنع، الزورق الصاروخي «حانيت» وقتل 4 جنود.

ولم تكن بحرية إسرائيل واستخبارات جيشها وعيون حلفائه الغربيين على علم بقدرات «حزب الله» الصاروخية. وتالياً، فإن تل أبيب فشلت في معرفة وتحديد وتدمير التهديد الذي واجهها ما أخرج البحرية من معادلة المعركة في الأيام الأولى لانطلاقها ضد لبنان.

وشكل الهجوم الذي وقع الخميس الماضي في بحر عمان، سابقة، إذ سجل سقوط قتلى في حرب الناقلات التي بدأتها إسرائيل في عام 2018، إضافة إلى الخسائر الفادحة في الممتلكات.

واعترفت صحيفة «هآرتس» بأن تل أبيب شنت «عشرات» الهجمات ضد أهداف إيرانية أوقعت خسائر بمليارات الدولارات ولم تكن معلنة في أكثرها.

وبما أن أميركا تدعم إسرائيل بالمطلق، فإن العشرات من هجماتها اعتبرت دفاعاً عن النفس وكذلك الاغتيالات التي تقوم بها داخل إيران مثل الاغتيال أخيراً للعالم النووي محسن فخري زاده، وغيره من العلماء الذين أقرت باغتيالهم.

أما الرد الإيراني (نحو أربعة ضربات مقابل عشرات العمليات التخريبية الإسرائيلية) فيعتبر «عملاً إرهابياً».

وتقف أميركا بشدة إلى جانب إسرائيل مهما اخترقت أجواء الدول المجاورة أو قامت بهجومات على مراكز تابعة للدول المحيطة بها أو ارتكبت أعمال تخريب في الممرات البحرية الدولية لأنها حليفتها الإستراتيجية في الشرق الأوسط. وتمتلك إسرائيل النفوذ السياسي والإعلامي الوازن داخل الولايات المتحدة والتي لا يمكن لأي إدارة تجاهله.

ولم يصدر أي موقف يدين عشرات الهجمات الإسرائيلية ضد إيران، بينما أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن «إيران تواصل التصرف بقدر كبير من اللامسؤولية. نحن على اتصال وثيق للغاية، بالتنسيق، مع المملكة المتحدة وإسرائيل ورومانيا ودول أخرى... سيكون هناك رد جماعي».

لا يمكن تجاهل أن أميركا تواجه أزمة في التفاوض مع إيران حول الاتفاق النووي في فيينا، حيث توقفت المفاوضات المتعثرة. فثمة تقديرات بأنه كان على الإدارة الأميركية الجديدة إغلاق الملف النووي مع حكومة روحاني في الأشهر الأولى من تسلم جو بايدن السلطة.

إلا أنها فقدت فرصة ذهبية لم تعد متوافرة اليوم، لتظهر الأمور على حقيقتها أن كلا الطرفين، الأميركي والإيراني، قد حافظ على موقفه وتالياً فهما غير مهتمين بمناقشة شروط كل منهما.

هذا الواقع الجديد سيؤدي إلى نتيجة حتمية مفادها أن الاتفاق قد دفن ولا يحتاج إلا إلى تشييعه. وبوقف المفاوضات، انتقلت أميركا إلى موقع الاتهام لإيران إذا ردت على الضربات الإسرائيلية مُتجاهلة ما قامت به تل أبيب في الأعوام الماضية من عمليات قتل وتخريب.

إن كل الدلائل والإشارات والأسلوب والرسائل الموجهة تشير إلى مسؤولية إيران عن عملية استهداف الناقلة المملوكة من الملياردير الإسرائيلي إياك عوفر.

وهذا الهجوم يدخل في سياقه الطبيعي ضمن المعركة بين الحروب التي يخوضها الطرفان منذ عقود.

إلا أن إسرائيل استدعت جميع جنودها المدنيين العاملين في الإعلام الغربي لتشن حملة على الهجوم الرابع التي نفذته إيران مقابل الهجمات الـ16 التي قامت بها.

هذا لأن المفهوم الغربي قائم على قاعدة أنه يحق لإسرائيل ما لا يحق لغيرها، خصوصاً أن الضربة الإيرانية أربكت تل أبيب ووضعتها في موقف حرج مهما كان اختيارها للرد على الرد من عدمه.

ومن غير المستبعد، في رأي بعض الدوائر، أن تكون طبيعة إسرائيل العدوانية وسياسة المبادرة بالاعتداء التي انتهجتها منذ عام 1948 ضد الشعب الفلسطيني ودول الجوار، قد اهتزت وتالياً فإنها تجد نفسها تتصارع بين أن ترد أو لا ترد على إيران في ساحة من الساحات التي ترابطت بعضها ببعض بدءاً من غزة فلبنان وسورية وصولاً إلى العراق واليمن وإيران نفسها.

إلا أن أي رد إسرائيلي سيكون واضحاً ولا يحتاج لدلائل أو تكهنات ولكن تل أبيب تخشى بطبيعة الحال ما سيتبعه من رد إيراني دون شك لأن الخيار الإستراتيجي الذي اعتمدته إيران يؤكد أنها لم تعد تخشى الرد ولم تعد تفسح المجال لتمادي إسرائيل في ضرباتها ضد «محور المقاومة».

وكان بارزاً أنه منذ الدقيقة الأولى لتنصيبه، أظهر رئيسي وفي لفتة غير الزامية، أسلوبه المتواضع عندما استأذن الولي الفقيه السيد علي خامنئي لإلقاء خطابه الأول كرئيس.

إنها بداية توضح أكثر فأكثر سياسة الرئيس الإيراني الجديد، الذي يبدو أنه لن يختار ديبلوماسية سلفه، بل سيسير على خطى خامنئي الذي يعتبر أن على بلاده «عدم الوثوق والتعامل مع الغرب لأن أعداء إيران يوجهون الضربات ما استطاعوا وان الحال الوحيدة التي لا يضربنا بها الغربيون هي عندما لا يستطيعون فعل ذلك».

لم يعد لطهران الكثير مما تخشى فقدانه بعلاقتها مع الغرب الذي لا تثق به، والذي لا يريد رفع جميع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وتالياً لا تجد منفعة من مهادنة الغرب أو السكوت عن دعمه اللامحدود لإسرائيل والتعامل بمكيالين.

ما يعني أن كل الاحتمالات أصبحت مطروحة وهو ما يؤشر أيضاً إلى أن عدم استقرار الشرق الأوسط أصبح بمثابة الخيار الوحيد للأطراف جميعها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي