No Script

رؤية ورأي

ذكريات حرب التحرير ومعركة الإصلاح

تصغير
تكبير

قبل عطلة العيد أعلنت وزارة الخارجية أنه تم التعرّف على رفات عشرة شهداء من أسرى ومفقودي الغزو الصدّامي. وكعادتي مع هكذا أخبار، استذكرت بعض أحداث مرحلتي الغزو والتحرير، لأتعظ بها وأستخلص منها دروساً وعِبراً، من باب سداد قسط من ديننا الوطني لشهدائنا الأبرار.

تذكّرت الهجمات الصاروخية العراقية على الكيان الصهيوني إسرائيل التي بدأت في 18 يناير 1991، أي بعد يوم واحد من بدء عاصفة الصحراء، وجاءت تنفيذاً للتهديد العراقي الرسمي بمهاجمتها إذا شنّت قوّات التحالف حرباً بريّة عليه، وكانت هذه المرّة الأولى التي يوجه فيها الطاغية صدّام ضربة عسكريّة إليها.

فمنذ أن انتزع صدّام رئاسة العراق في 1979، نكّل بشعبه وشن حروباً على دول مجاورة. وأما إسرائيل، فلم يتجرّأ المساس بها - قبل ذلك اليوم - حتى بعد الغارة الجوّية المدمّرة التي شنّتها على مفاعل تمّوز النووي في 1981.

رغم صراحة الغاية من التهديد العراقي باستهدافها (ردع التحالف عن بدء العمليات البريّة)، ووضوح الهدف من تنفيذه (تحريك الشارع العربي ضد الحكومات العربية المشاركة في قوّات التحالف)، وهما (الغاية والهدف) غير مرتبطين بتحرير فلسطين؛ ورغم انشغال صدّام منذ توليه الرئاسة بالحروب العبثية ضد دول حليفة للفلسطينيين (إيران والكويت)، عوضاً عن العدو الإسرائيلي؛ إلا أن شرائح واسعة من الشارع العربي، اعتبرت أن تلك الضربات الصاروخية نقلة نوعية في الحالة العربية من الخضوع والتسوية والتطبيع، بعد سلسلة من الحروب الخاسرة، إلى مواجهة تبشّر بفتح كبير.

لكن التاريخ سجّل أن مغامرات صدّام كانت الأكثر إضراراً بالحالة العربية مقارنة بالمواجهات العربية - الإسرائيلية التي سبقتها.

الشاهد أن خروج مظاهرات متعدّدة داعمة لعراق صدّام، في دول كانت مشاركة بجنودها في قوّات التحالف، ومساهمة بكامل طاقتها الإعلامية في كشف بشاعة الغزو ووحشيّة صدّام وجنوده، دليل قاطع على تفوّق إعلام تنظيمات شعبية وحزبية على الإعلام الرسمي في تلك الدول.

الشواهد على تفوّق الإعلام الشعبي على الرسمي توالت في الدول العربية، وبوتيرة متصاعدة بعد أن نجح الأول في إسقاط مصداقية الثاني من خلال حملات إعلامية ممنهجة قبيل الربيع العربي.

ومن أغرب تلك الشواهد، وقوع أعداد من الكويتيين في شباك التضليل التابعة للإعلام الشعبي، بعد أن كانوا من المستغربين من بساطة وغفلة المتظاهرين الذين اعتبروا الهجمات الصاروخيّة العراقية بوادر معركة تحرير فلسطين.

فعلى سبيل المثال، من بين ضحايا الإعلام الشعبي في الكويت، من يعتقد أن بعض النوّاب السابقين تضاعفت ثرواته أو تخاذل على مدى سنوات طويلة عن التصدّي الحقيقي لسراق المال العام، جاد اليوم في محاربة الفساد، وأن ملفات الفساد التي يتابعها ليست انتقائية ضد شخصيات معينة ولم يستبعد منها ملفات شخصيّات أخرى مقرّبة جداً منه.

وهناك من يظن أن بعض النوّاب شرّع في مجالس سابقة عقوبة الحبس في العديد من قضايا الرأي، صادق في الاقتراحات بقوانين التي قدّمها في المجلس الحالي لإلغاء الحبس في تلك القضايا، وأن غايته هي تعزيز حرّية التعبير عن الرأي بكل تصنيفاته، وليس الرأي السياسي فقط. ولا يعلم أن هناك عقوبة حبس في قضايا رأي أخرى لم يُقدّم أي اقتراح بقانون لإلغائها.

ولدينا في الكويت من يترقّب من نوّاب - يعبثون أو يتغافلون عن عبث رفاقهم بالدستور واللائحة الداخلية للمجلس - أن يسترجعوا هيبة المجلس، ولم يلاحظ أنهم يفتقرون لمقومات الشخصية الإصلاحية ويعانون من التموّج والازدواجية في المبادئ والمواقف.

خلاصة القول، إن الإعلام الشعبي الذي يسلّط الأضواء على مساحات معيّنة ويطفئها عن مساحات أخرى، غير مؤتمن على إدارة الحملة الإعلامية للإصلاح والتطوير. فلا صدّام كان آنذاك قادراً على تحرير فلسطين، ولا المعارضة الحاليّة مؤهلة للإصلاح ومحاربة الفساد...

اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي