No Script

جودة الحياة

اترك شذى عطرك في تفاصيل المكان

تصغير
تكبير

بمقدار ما تكون سيرة العظماء في التاريخ البشري - في أي مكان - نبراساً يضيء العتمة، فإن حياتهم مثالاً لكل صاحب همة وبُعد نظر، فقد عاشوا حياة ليست ككل حياة، وعندما رحلوا خلدت سيرة أعمالهم العظيمة ذكرى عطرة لا تنقضي على مر الأزمان وتعاقب الأجيال.

قد مات قومٌ وما ماتت فضائلهم

وعاش قومٌ وهم في الناس أموات

لا أدري لماذا جال بخاطري هذا البيت من شعر الإمام الشافعي (رحمه الله) وأنا أبدأ في كتابة مقالي، ربما لأنه الأنسب في سياق حديثي عن ترك الأثر الطيب والذكرى الحسنة بمكان ما، بالطبع لن نستطيع إعادة الزمن لحظة للوراء لنصحح أخطاء كان يمكن تفاديها، أو نقدم اعتذاراً لمن أسأنا إليه بكلمة خشنة أو بتصرف غير لائق، فالأيام صحائف الأعمال التي ستعرض يوماً ما على خالق الأكوان.

لن تستطيع أبداً ترك أثر في أي مكان كنت يوماً جزءاً منه، ما لم تكن قادراً على أن تحس بآلام الآخرين وتعاسة المحرومين، تعطي دون انتظار مقابل، أن تكون قادراً ببساطة على التفاعل بإيجابية مع مكونات المكان الإنسانية والمادية، غير أن ترك الأثر الطيب الذي يذكره الناس دوماً بعد مغادرة صاحبه جغرافية المكان سواء بترك العمل أو مقاعد الدراسة الجامعية مثلاً، أو مكان السكن أو حتى الانتقال إلى دار البقاء، يتطلب نفساً كريمة، وقلباً حانياً، عيناً تدرك بنظرة واحدة أوجاع الآخرين المخبأة خلف ابتسامة هادئة.

وفي تقديري أن الأثر الطيب لا يمثّل عبئاً على النفس الطيبة، فيمكن أن يكون ذلك بابتسامة ودودة، بكلمات مواساة في لحظات حزن طاغية أو صدقة في أوقات ضعف وحاجة ملحة، يمكنني الاستطراد في ذكر المواقف الحياتية التي تصنع فرقاً، والتي تترك أثراً لا يمكن للأيام مهما تطاولت وعلت الذاكرة والنسيان أن تمحوه، فالأثر الطيب يملك دوماً خاصية البقاء في النفوس والقلوب مهما تطاولت الأزمان، ولا جدال أيضاً في أننا نحدث أثراً طيباً يتجاوز اللحظة الراهنة إذا أسدينا لمخطئ نصحاً صادقاً، أو أكرمنا مجتهداً في عمله، أو واسينا محزوناً فقد عزيزاً لديه، ربما تجد من حولك الجحود والنكران، لكن لا تعرض أو تدير ظهرك للجميع بفعل البعض، لا تدع لأهواء النفس، للخوف من الأثر السلبي أن يمنعك أو يحرمك مد يدك لمن هم أشد حاجة، يقيني أن الحياة أخذ وعطاء وسيأتي يوم تغادر فيه أرواحنا إلى خالقها فنحاسب بقدر أعمالنا في الحياة، وبقدر ما قدمنا من خير أو نقيضه لأنفسنا وللآخرين.

كن إنساناً بمعنى الكلمة، كن شمساً تهب الضياء ولا تغيب، وعندما تغادر أي مكان احرص على ترك شذى عطرك وأثرك الطيب في تفاصيله، فرحلة الحياة قصيرة جداً ولن تستمر إلى الأبد، لكن ستبقى بكل تأكيد المواقف الحياتية النبيلة التي منحت فيها المحرومين والأقل حظاً من فيض إنسانيتك، من كرمك وحسن أخلاقك، ستبقى تلك المواقف قلادة تزيّن سيرتك وتحفظ مكانتك عالية مهما تبدّلت الظروف والأزمان.

Twitter: t_almutairi

Instagram: t_almutairii

talmutairi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي