No Script

من الخميس إلى الخميس

نحن بحاجة إلى عصر تنوير

تصغير
تكبير

يضع الفيلسوف الألماني إمانويل كانت أمامه صورة لمبنى مهدّم ليعزز في نفسه رغبته الجامحة لإعادة بناء النظريات الفلسفية القديمة وجعلها قادرة على توظيف العقل، (كانت) هو من أواخر الفلاسفة التنويريين، الذين ساعدوا في عصر النهضة الأوربية، ذلك العصر الذي بدأ بجون لوك وبيركلي وغيرهم كثير.

والذي كان يميزه عن غيره هو إبداعاته في نظرية المعرفة وفروعها كالتبرير والاعتقاد واقتحام الحجج وتواصلها للوصول إلى الحقيقة أو قريب منها.

ومن يطّلع على تاريخ البشرية، يجد أن التنويريين الذين استخدموا العقل للوصول إلى المعرفة كانوا هم شعلة النور التي حققت عصر التقدم ونجحت في تطوير أممهم، ونذكر هنا نهضة الأمة الإسلامية في القرن الثالث والرابع عشر الميلادي حين أعادت التنوير للأمة وتصدّت للتتار، كما أعادت منهج النقل الصحيح باستخدام الأدلة العقلية، وقاد تلك النهضة أحمد بن تيمية، الذي يعتبره كثير من كبار العلماء والفلاسفة عالماً مميزاً على المستوى العالمي، لقد فاجأ (بن تيمية) فلاسفة عصره بسؤال قد يبدو بسيطاً؛ لكنه في الحقيقة جوهر التنوير في عصره السؤال هو: ماذا تقصدون بالعقل؟ هل أداة التفكير، أم المعلومات التي يتلقاها العقل؟ إذا كان المقصود بالعقل هو أداة التفكير، فنعم، فلا يمكن لغير العاقل أن يتوصل إلى دليل نقلي أو عقلي، فبدون هذه الأداة لا سبيل إلى الوصول إلى أي دليل.

وكان لنقد بن تيمية للمنطق الأروسطي - نسبة إلى أرسطو - تأثير على الفكر اللاتيني حيث كان ابن تيمية يتقن اللغة اللاتينية، ودرست المستشرقة الألمانية كوج جان مقدار تأثير نقد بن تيمية للمنهج الفلسفي القديم وتأثيره على الحضارة الغربية والذي أنتج عنه المنهج التجريبي الذي قامت عليه حضارة الغرب.

إنّ المُطّلع على فكر الفيلسوف الألماني (كانت) لا يمكن إلا أن يشعر بمقدار تأثير فكر النهضة الإسلامية التي سبقت وجود (كانت) بخمسمئة سنة، تأثيره على احترام ( كانت) للعقل وتوظيفه للخدمة البشرية، ولا بد أن نعترف نحن أن الأمة الإسلامية بعد انتهاء مرحلة التنوير التي قادها بن تيمية، تراجع مستوى التنوير فيها ولم تتمسك بالفكر التنويري وانتشرت فيها المِلل والنِحل المنحرفة التي اعتمدت على الخرافة والطلاسم ونست ثقافة التنوير، ثقافة التنوير التي انتقلت إلى مكان آخر، حيث نهضت أوروبا وتوقف لدينا نحن نور العقل.

وأيضاً لا بد أن نعترف أن المفكرين العرب الذين ظهروا بالمشرق العربي في أواخر القرن التاسع عشر والعشرين لم يصلوا إلى مستوى قيادة حركة تنويرية، ولعلنا نذكر هنا أشهر من عرفتهم أمتنا كمحاولات تنويرية للتعرف عليهم مثل، رفاعة الطهطاوى وجمال الدين الأفغاني، محمد رشيد رضا، عبدالحميد بن باديس، مصطفى الرافعي، حسن البنا، عباس العقاد، سعيد حوى، واليوم أيضا هناك عشرات من الأسماء المجتهدة في محاولة تنوير الأمة، ولكن وللأسف هناك آلاف من العقول المضادة للتنوير والتي أحيانا تدعمها دول من أجل استمرار ظلمة العقل والتخلف الفكري وهو السائد اليوم.

اليوم أصبح فكر الظلام والعيش داخل كتب التاريخ وعبادة الأشخاص والتعصب الفكري وعدم احترام المنهج العقلي في التفكير هو السائد وأصبحنا نرى أمام أعيننا أطباء ومهندسين، وهم يدافعون عن فكر التخلف ويبررون عبادة الأفراد وإلغاء العقل.

نحن اليوم بحاجة فعلا إلى عصر نهضة تنويري، يعيد للعقل وظيفته التي خلقها الله له.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي