No Script

نتائج دراسة مطولة تكتشف جوانب مهمة لم تكن معروفة

مَغازِل النوم... تُغازِل دماغ الرضيع

No Image
تصغير
تكبير
عضلات الأطفال الرُّضع ترتعش بانتظام خلال مرحلة النوم العميق ... وهذا اكتشاف غير مسبوق تماماً ولا تُعرف أسبابه حتى الآن

ما زال «سلطان النوم» يشكّل أحد أكثر الأسرار الفسيولوجية غموضاً؛ فهو عملية لا تقتصر أهميتها وفوائدها على راحة الجسم وإعادة بناء العضلات والخلايا، بل تمتد لتشمل تعزيز العمليات العقلية والذهنية كالذاكرة والتعلم والوقاية من الأمراض البدنية والنفسية، بل وحتى الإسهام في منع تدهور الأمراض التنكسية والعصبية الأكثر شيوعاً، كمرض ألزهايمر وغيره.

ومن المعلوم أن للنوم مراحل عدة، تبدأ بمرحلة حركة العين غير السريعة، ثم مرحلة حركة العين السريعة، ثم مرحلة البدء في النوم العميق... وهكذا.

لكن ما زال هناك غموض يكتنف تفاصيل وأعماق تلك المراحل؛ فلا أحد يعرف حتى الآن على وجه الدقة أهمية تَعاقُب تلك المراحل. لذا، فإن الدراسات البحثية تتوالى بوتيرة سريعة سعياً إلى الكشف عن مزيد من الأسرار.

وفي إطار تلك المساعي، نشرت أخيراً ورقة بحثية في دورية «كارينت بايولوجي» المتخصصة، حيث استعرضت نتائج دراسة أجراها باحثون في قسم العلوم النفسية والسلوكية في جامعة أيوا الأميركية.

نسلط في التالي مزيدا من الضوء على نتائج تلك الدراسة...

الارتعاشات خلال النوم

كشفت الدراسة عن أسرار جديدة من بينها أن الأطفال الرضع يفعلون في أثناء نومهم أكثر بكثير مما كنا نظن. كما خلصت تلك النتائج إلى كشف النقاب عن أفكار غير مسبوقة حول التنسيق الذي يحدث بين أدمغة الأطفال الرضع وأجسادهم في أثناء نومهم.

ومن بين الأمور الجديدة المدهشة التي اكتشفتها الدراسة أن عضلات الطفل الرضيع تنتفض بارتعاشات متفاوتة في أثناء مرحلة النوم العميق، وهي المرحلة التي تتسم عند المراهقين والبالغين بالسكون الكامل للجسم بمجرد الدخول فيها.

والانتفاض - أو الارتعاش - هو التقلص بذبذبة سريعة لعضلات الجسم في أثناء النوم بوتيرة معينة. وعادة، تحدث نوبة الارتعاش تلك في مرحلة حركة العين السريعة لدى جميع الأعمار، لكن لم يسبق أن تم رصدها من قبل على الإطلاق في مرحلة النوم العميق.

وقبل نحو 6 سنوات، كان الباحثون قد بدأوا هذه الدراسة المطولة حول أنماط حركات النوم الارتعاشية لدى الأطفال الرضع في أثناء مرحلة الحركة السريعة؛ وذلك بهدف معرفة الكيفية التي تُسهم بها هذه الحركات اللاإرادية في قدرة الأطفال على تنسيق حركاتهم الجسدية خلال ساعات اليقظة.

اكتشاف غير مسبوق

وقالت الدكتورة غريتا سوكولوف، الباحثة بقسم العلوم النفسية والسلوكية في جامعة أيوا، والمشرفة على تلك الدراسة: «النتائج البحثية التي توصلنا إليها جاءت مدهشة تماماً. فإلى جانب الارتعاشات البدنية في مرحلة حركة العين السريعة، لاحظنا وجود ارتعاشات لدى الأطفال الرضع في أثناء مرحلة النوم العميق».

وأضافت: «هذا الاكتشاف لم يكن معلوماً في السابق على الإطلاق. ففي أثناء مرحلة النوم العميق تسترخي العضلات بشكل كامل، وتهبط مستويات التنفس وضغط الدم، ويصبح من الصعب إيقاظ النائم الذي لا يتحرك إلا ليتقلب في أثناء تلك المرحلة».

وراقب الباحثون أنماط حركة 22 رضيعاً خلال ساعات نومهم، حيث تراوحت أعمار الأطفال بين أسبوع وسبعة أشهر. ولاحظ الباحثون حدوث زيادة ملحوظة في ارتعاشات أجسام الأطفال في جميع مراحل نومهم، وهو أمر فريد من نوعه ولم يُلحَظ من قبل إطلاقاً.

في البداية، لاحظ الباحثون الارتعاشات التي تحدث بالتزامن مع مرحلة حركة العين السريعة. ولكن بعد ذلك لاحظ الباحثون أن أجسام الأطفال الرضع تواصل ارتعاشاتها أثناء مرحلة النوم العميق.

مغازل النوم

ولأن الباحثين كانوا يسجلون موجات نشاط الدماغ لدى الأطفال خلال نومهم، فقد تمكنوا من رصد الأنشطة المحركة لتلك الارتعاشات. واتضح أنه في أثناء النوم العميق، تبث أدمغة الأطفال الرضع ذبذبات نشطة أطلقوا عليها لقب «مغازل النوم»، وهو البث الذي لوحظ أنه يحدث بمعدل مرة كل 10 ثوانٍ تقريباً.

ويشير مصطلح «مغازل النوم» إلى نوع خاص من نبضات النشاط الدماغي، وتعتبر تلك النبضات نافذة تعمل على تنسيق الدماغ مع المنظومة التي تتحكم في نمط حركة الجسم أثناء النوم.

واكتشف الباحثون أن معدل بث نبضات «مغازل النوم» لدى الأطفال الرضع يصل إلى ذروته خلال الفترة العمرية من ثلاثة أشهر إلى سبعة أشهر، وأن تأثيرات تلك المغازل تَركَّز على الشريط الحسي في الدماغ، وهي المنطقة التي تُعالج فيها القشرة الدماغية المعلومات الحسية والحركية.

واكتسب هذا الاكتشاف أهمية خاصة بعد أن اكتشف الباحثون أن «مغازل النوم» والارتعاشات تحدثان بشكل متزامن ومتناغم، كما اكتشفوا أن ذلك التزامن يلعب دوراً كبيراً في تعزيز القدرات الحركية لدى الطفل خلال يقظته.

تأثيرات إيجابية على القدرات العقلية

وعلاوة على ذلك، رصد الباحثون علاقة تأثيرية قوية بين «مغازل النوم» وعمليات التعلم والذاكرة؛ حيث إن تلك العلاقة تُنشط مركز الذكريات، ما يسهم بدوره في تقوية الذاكرة العاملة ويساعد في دعم عملية التعلم لدى الطفل.

ويتوقع الباحثون أن لتلك العملية التي تحدث لدى الأطفال الرضع في مرحلة النوم العميق انعكاسات إيجابية على مستوى الذكاء، لكن الدكتورة سوكولوف قالت إن ذلك التوقع «يحتاج إلى مزيد من الدراسات لإثباته أو نفيه».

ويفتح هذا الاكتشاف أفقاً جديدا للبحث في طبيعة آليات التواصل بين الدماغ والجسم في أثناء لدى الأطفال، ومن المتوقع أن تلقي النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة أضواء غير مسبوقة على مدى إسهام أدمغة الرضع في عملية التواصل مع الجهاز الحركي.

وختمت سوكولوف بالقول: «نتائج هذه الدراسة تكشف عن أن معلوماتنا عن النوم لدى الأطفال تحديدا ما زالت محدودة، وأن هناك كثيراً من الأشياء بشأن تلك العملية ما زالت الأوساط البحثية تجهلها. ولأن دراستنا رصدت التفاعل النشط بين الجسم والدماغ في أثناء جميع مراحل النوم، فإن نتائجها تؤكد على ضرورة التركيز على نوعية النوم وكميته، وهي الأمور التي يُمكن أن تكون مفتاحا لتحسين الصحة العامة لدى جميع الأعمار، ولكن خصوصاً لدى الأطفال الرضع الذين يحتاجون إلى نمو عصبي سليم».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي