No Script

قيم ومبادئ

امتهان المواطنة

تصغير
تكبير

لا يمكن النهوض بواقعنا السياسي في محيطه العربي والإسلامي، إلا بالارتقاء بمفهوم المواطنة وأبعاده الإنسانية والاجتماعية والثقافية، وما يتبع ذلك من ممارسات سياسية أو اقتصادية وغيرها، ولعل جانب كبير من مشاكلنا سببها تغييب مفهوم المواطنة الصحيح وتجييره للأجندات المختلفة، حتى بات أبناء المجتمع الواحد يعيشون في جزر اجتماعية معزولة!

المواطنة باختصار مسؤولية ملقاة على عاتق كل مواطن - ولا تعني بطبيعة الحال - إلغاء كافة مكونات المجتمع مثل الأفراد والقبائل والشعوب وغيرها، وإنما تعني التوافق والتعايش بالتراضي وعدم هضم الحقوق أو التعدي والظلم.

المواطنة الحقة هي (عملية تربوية مستمرة للأجيال، مما يؤدي الى استقامة الفرد و المجتمع، للقيام بالمصالح وتبادل المنافع، فهي إذاً تستهدف الصالح العام المعروف لدى الفطرة السليمة، يتلقاها المولود من ثقافة البيئة وثوابت المجتمع وتشدُّه إلى أعلى المراتب الإنسانية شيئاً فشيئاً، كلما حاولت المثبطات والهواجس والأفكار أن تسِفَّ، وتجنح به عن الصواب).

يُعرف النموذج العالمي المواطنة بأنها (وصف قانوني يتم من خلاله منح كافة أفراد الجماعة السياسية مجموعة متساوية من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية)، ويؤخذ على هذا التعريف زيادة حدّة الشك في شمولية هذا المفهوم للمواطنة، من حيث الواقع العملي للأميركيين من أصل أفريقي، والنساء من أصل لاتيني! والمقيمين في أوروبا وأميركا وكندا وغيرها، لا يزالون يعانون من التفرقة العنصرية.

لقد تعددت مناهج تفسير المواطنة في المدارس السياسية الغربية القديمة منها والحديثة، مثل النموذجين الجمهوري والليبرالي حيث قام الأول على مبدأ عام وهو الحكم الذاتي المدني الذي تجسده المؤسسات والممارسات النظامية، وضربوا لذلك مثلاً وهو التداول على السُّلطة، فهذه هي غاية المواطنة حسب تعريف هذه المدرسة إيجاد (الفرد الذي يستطيع أن يحكم)، أو (يتشاركون في تولى المناصب العامة في الدولة)، أما النموذج الليبرالي للمواطنة فيرجع أساساً إلى ممارسات الإمبراطورية الرومانية، فقد أدى توسع الإمبراطورية الجغرافي عام 476 م إلى مدِّ حقوق المواطنة فيها لتشمل الشعوب المغلوبة على أمرها، مما جعل معنى المواطنة يتغير بشكل جذري، فأصبحت المواطنة فيها تعني أن يحميك القانون بدلاً من أن تشارك في صياغة هذا القانون وتطبيقه، فتحور المعنى القديم إلى معنى حديث، وهو أن المواطن يساوي وضعاً قانونياً بدلاً من كونه واقعاً معاشاً في الحياة، فالمواطنة تعني عند الليبراليين حديثاً هي (العضوية في مجتمع يعيش في ظل قانون عام يمكن أن يكون مطابقاً للجماعة، أو الفئة في أنحاء الولايات والأقاليم أو مختلفاً عنها)، وتأسيساً على ما سبق فالمواطن في هذه الحال إما ناشط سياسي فاعل وإما أن يكون فرداً منشغلاً لشؤونه الخاصة التي لا تُتيح له مشاغله الوقت الكافي للمشاركة في الشأن العام السياسي.

ولمّا نشطت الحركات النسوية، في أواخر القرن الثامن عشر ومطلع التاسع عشر، وجهوا نقداً لاذعاً للنظرية الجمهورية والليبرالية ونقضوا أساس تعريف المواطنة، فأخذوا على التعريف الجمهوري تفريقه بين المواطنين في القطاع العام والخاص، وتفريقه بين الجنسين في الحقوق والواجبات! وإلغاءه كيان المرأة ودعوا إلى صياغة نماذج للمواطنة أكثر استيعاباً، من خلال التأكيد على دور المرأة في المجتمع.

أما النموذج الليبرالي فقالوا عنه إنه أعطى الأولوية والأفضلية للمجال الخاص، فهو ينظر إلى حرية المواطن السياسية بمعايير نفعية مصلحية!

وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) وضع خطوطاً واضحة، في تقرير حق المشاركة لكل فرد في إدارة الشؤون العامة لدولته، إما مباشرة و بواسطة ممثلين من خلال الانتخابات الدورية، التي تتسم بالنزاهة والحيادية، إلا أننا نجد الإسلام بتشريعاته المرتبطة أساساً بالعقيدة سبق الجميع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة المكرمة (ما أطيبك من بلد وأحبك إليَّ ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك)، وهذا الواجب يحتم أن يمتثلوا بواجب الشورى، وإبداء الرأي والنصح للمشاركة وهذا الواجب ينطوي في الوقت ذاته على حق لله، يتعلق بالصالح العام، ويتضمن كذلك حقاً للمواطن فيما يتعلق بمصلحته الخاصة.

الخلاصة

المواطنة هي إخلاصك لله تعالى ثم للوطن والأمير، وهي تزكية النفوس وتجميلها بالطيبات والسلوك، يتبع العقيدة والتصور، واستقامة العقيدة تستلزم استقامة السلوك غالباً إلا من شذَّ، (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية) مادة 29 الدستور الكويتي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي