No Script

«حرب غزة» لن تكون آخر المطاف

الشيخ جراح... متراساً لمنع إسرائيل من تهويد القدس

أهالي حي الشيخ جراح يواجهون التشريد
أهالي حي الشيخ جراح يواجهون التشريد
تصغير
تكبير

خرج حي الشيخ جراح إلى دائرة الضوء أخيراً، والأكيد أنه لن يغادرها.

فـ«حرب غزة» الأخيرة بعنوانها «سيف القدس» لم تكن إلا معركة ذات طبيعة إستراتيجية في دوافعها ونتائجها، وسياقها الأهم هو منع خسارة فلسطين للقدس عبر درء الخطر عن المقدسيين، وهو ما جعل لقضية الشيخ جراح بعداً بدت معه كأنها قضية فلسطين برمتها.

ولأن قرقعة السلاح على طول المنطقة وعرضها كادت أن تطمس ما تعده إسرائيل للقدس، نجحت انتفاضة الشيخ جراح في تصويب البوصلة من جديد ونفضت الغبار عن حكاية الحي المقدسي، موئل تعدد الأديان السماوية ورقعة الجغرافيا العصية على المكائد الإسرائيلية ومخططات التهويد وما تنطوي عليه من حصار وتنكيل.

على جدران الشيخ جراح، الذي تصدر الشاشات أخيراً، كتب المقدسيون أسماء عائلات الحي... الداوودي، الحسيني، حجيج، حنون، الغاوي، الكرد، الشنطي، الزين، الدجاني، الجاعوني، إسكافي، عبداللطيف، غوشة، القاسم، عطية، أبو عرفة، حماد، الداوودي عويض، الصباغ، الفتياني والخطيب.

من هم في الشيخ جراح تحدثوا عن أن قوات الاحتلال، التي استفزتها كتابة أسماء العائلات على الجدران سارعت إلى إزالتها تحت جنح الظلام، لكن لم يكن من المقدسيين إلا أن وقالوا كلمتهم فوق كلمة الاحتلال، فهم يدركون انهم في فم مخطط يمتد إلى حي سلوان الملاصق للمسجد الأقصى، وتالياً فإن لسان حالهم في مواجهة عمليات القضم هو «انهم لن يمروا».

يدرك المقدسيون وسواهم من الفلسطينيين، أن جانباً من المحاولة الإسرائيلية التي تندفع بين الحين والآخر هدفها الى جعل العالم ينسى ما يحدث في هذه المدينة متعددة الأديان التي تعني الإنسانية جمعاء، ما يزيدهم إصراراً على حماية الحي، الذي يربط القدس الشرقية بالقدس الغربية وترتفع فيه شعارات «لن نرحل» و«إن عُدتم عدنا».

جغرافيا الشيخ جراح تجعله في «عين العاصفة» وعلى موعد دائم من «الكر والفر» مع الإسرائيليين، فهو يقع على تماس مباشر مع خط هدنة 1949، ومع القدس الغربية التي استولى عليها الصهاينة، ويجاور تماماً عدداً من المستوطنات.

ويعتبر الرابط بجبل سكوبس المسمى «الحوض المقدس» عند الإسرائيليين.

وكعادتها، عملت إسرائيل على تطويق الشيخ جراح ومحاصرته، فأنشأت حوله وزارات أمنية حساسة وأقامت مباني حكومية أخرى في سياق سلوكها التوسعي المتدرج بقصد دفع العائلات الفلسطينية للمغادرة.

فمنذ 73 عاماً تسعى إلى اقتلاع الوجود الفلسطيني وجذوره من هذا الحي الذي كانت الحكومة الأردنية أهدته إلى لاجئين فلسطينيين ومنحت منازل لـ28 عائلة مساحة الواحد نحو 70 متراً مربعاً مع حديقة تمتد على مساحة 400 متر مربع.

ويتوسط الشيخ جراح في القدس الشرقية التي بقيت للفلسطينيين من عاصمته، حي وادي الجوز من الجهة الشرقية وحي الساهرة من الجهة الجنوبية.

وأول ما احتله الصهاينة كان منزل عائلة الشنطي كموطئ قدم للتمدد لاحقاً وإبعاد المقدسيين عن الحي بأكمله.

وهذه العائلة الفلسطينية وجدت منزلها محتلاً تحت قانون وضعته إسرائيل لمصادرة الأراضي التي لا تملكها وهو «قانون مصادرة أملاك الغائبين 1948»، قبل أن تجري تعديلات عليه في العام 1950 وتحرم كل فلسطيني بموجبه من أملاكه ما اعتبر مناقضاً للقوانين الدولية.

واستولت إسرائيل على فندق «شبرد» المملوك من عائلة الحسيني وكذلك صادرت كرم المفتي.

وقبر حجازي السعدي الذي اسمته بـ«قبر شمعون الصديق» وحولته إلى مزار للصهاينة.

ولم تنجح إسرائيل في كسب شرعية لسلوكها الاستيطاني، فالأمم المتحدة أصدرت قرارها الرقم 194 الذي تقرر فيه «السماح بالعودة في أقرب وقت للاجئين ودفع تعويضات عن الممتلكات للذين يقررون عدم العودة وتعود الأملاك إلى أصحابها الأصليون مع التعويض للخسائر أو الفقدان أو الضرر وفق القانون الدولي ومبادئ العدالة الدولية، وتالياً فإن القوانين الدولية تعتبر أن وضع القدس الشرقية داخل القانون الإسرائيلي غير قانوني».

وحكاية الشيخ جراح مع المخطط التوسعي قديم، ففي 1950 تقدمت وحدات «الهاغانا» إلى الحي واحتلت ثلاثة منازل لعائلات فلسطينية بالقوة وهي تدعي ملكيتها.

وفي 2009 استولى الصهاينة على منزل عائلة الغاوي بالقوة ورموا أثاث المنزل إلى خارج الدار وحولوه مركزا للانطلاق منه للاستيلاء على نواحٍ أخرى من الشيخ الجراح.

والثابت في سياق هذه المواجهة أن الإسرائيليين لا يملكون أي صكوك بيع لأن السجلات التركية - العثمانية والأردنية مازالت موجودة.

وتواجه اليوم ست عائلات خطر التهجير القسري بعد أن أبلغت بأمر إخلاء.

وهذا ما تسبب بـ«سيف القدس»، خصوصاً في ضوء دعاوى رفعها الصهاينة ضد 28 عائلة جديدة تواجه خطر الإخلاء أيضاً.

ودلت التجربة في سياقاتها التاريخية، أن إسرائيل لا ترتدع بل غالباً ما تؤجل قراراتها إلى حين ان تهدأ الأمور لتعاود هجومها لطرد المزيد من الفلسطينيين تحت أنظار العالم.

وهذا يعني أن جميع المقدسيين في دائرة الخطر خصوصاً أن المستوطنين يواصلون هدم المنازل الخالية ويخططون لبناء وحدات سكنية في إطار مخطط تهويد القدس وإتمام الطوق الاستيطاني على الشطر الشرقي منها.

في مؤتمر كامب دايفيد عام 2000 ومؤتمر أنابوليس عام 2007 تقرر الالتزام بـ«خريطة طريق» تفضي إلى جعل القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين وضمان ديمومة الشيخ جراح كحي عربي داخلي وكذلك وادي الجوز وإعطاء الحيين حكماً ذاتياً.

غير أن الولايات المتحدة تراجعت عن تنفيذ ما اتفق عليه عندما تسلم دونالد ترامب الحكم وعمد إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس التي اعتبرها عاصمة لإسرائيل، ضارباً بعرض الحائط الحقوق الفلسطينينة.

إذاً، الشيخ جراح في الواجهة، أما الخطوة التالية فستكون الأحياء المجاورة للوصول إلى الهدف الحقيقي أي إلى البلدة القديمة، وهذا يعني أن «سيف القدس» سيكون على موعد مع جولات أخرى مستقبلية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي