القانون يدخل حيز النفاذ في 18 مايو 2021

«لا حبس احتياطياً لجرائم الرأي»... قالب جديد في اعتبارات الحبس الاحتياطي

تصغير
تكبير

- المشرع لم يحسن الصياغة التشريعية إذ ورد النص غير قاطع الدلالة على المراد منه غامضاً مثيراً للبس
- النصوص لا تفهم بمعزل عن بعضها إنما تتأتى دلالة أي منها في ضوء ما تهدف إليه دلالة الأخرى من معانٍ شاملة
- استثناء المشرع لأحكام الحبس الاحتياطي ينصرف إلى أي اتهام بارتكاب جريمة سواء كانت جناية أو جنحة
- صياغة الفقرة المُضافة على المادة 69 جعلت جميع الجرائم المتصلة بالتعبير تمتد إلى بعض جرائم أمن الدولة
- الحبس الاحتياطي أضحى في مصاف العقوبات علينا إعادة قراءة الفلسفة التشريعية لقواعده بحيث لا يُساء استخدامه

نُشر بتاريخ 18 أبريل 2021، في العدد 1531 للسنة السابعة والستين من الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) القانون 1 /2021 بتعديل بعض أحكام القانون 17 /1960 بإصدار قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، الذي نص في مادته الأولى على أن تضاف إلى المادة 69 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية المشار إليه، فقرة أخيرة نصها الآتي «وفي جميع الأحوال لا تسري أحكام الحبس الاحتياطي، على من يمارس حقه في التعبير عن رأيه، ونشره بالقول أو الكتابة أو الرسم أو غير ذلك، بما في ذلك أن يكون التعبير عن الرأي، عن طريق وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي».

وكان النص بالعبارات المتقدم بيانه، من شأنه أن يثير الجدال حول مدى إمكانية سريان هذا الاستثناء من أحكام الحبس الاحتياطي وتطبيقه على أرض الواقع، على سند من أن الحبس الاحتياطي لا يتصور إلا حيث تكون القضية المقيدة ضد المتهم جناية أو جنحة، في حين أن ممارسة الحق في التعبير عن الرأي ونشره بأي وسيلة لا يعد جريمة، وكان هذا الجدال مرجعه أن المشرع لم يحسن الصياغة التشريعية إذ ورد النص غير قاطع الدلالة على المراد منه غامضاً مثيراً للبس، وسعياً لإزالة هذا اللبس بقواعد ومبادئ التفسير القانوني السليم عندنا، يدخل القانون المشار إليه حيّز العمل في 18 /5 /2021 عملاً بما قررته المادة 178 من الدستور من أنه يعمل بالقوانين بعد شهر من تاريخ نشرها، ما لم ينص القانون على ميعاد آخر، وكان القانون المشار إليه لم ينص على ميعاد آخر.

إن ما أورده المشرع في القانون 1 /2021 المشار إليه من استثناء سريان أحكام الحبس الاحتياطي على الدعوى الجزائية متى ما كانت في حوزة جهة التحقيق الابتدائي، سواء الإدارة العامة للتحقيقات أو النيابة العامة – بحسب الأحوال – وهو ما مؤداه أنه على الرغم من أن القضية مقيدة ضد متهم بارتكاب جريمة، إلا أنه يعد بريئاً حتى تثبت إدانته بحكم قضائي، عملاً بما قررته المادة 34 من الدستور، فلا يُستساغ القول بأنه ارتكب جريمة، بل إنما هو متهم بارتكابها سواء أكانت جناية أو جنحة، ولم ينل ذلك من أحقية جهة التحقيق تلك، من إصدار أمرها بحبس المتهم احتياطياً، إنما كانت تحكمه مبررات وضوابط نظمها القانون، بعيدة كل البعد عن طبيعة الأفعال المنسوبة له، أما وأن المشرع أدخل التعديل التشريعي المشار إليه بموجب القانون 1 /2021 أضحت طبيعة الأفعال المنسوبة للمتهم محل اعتبار للقول بجواز الحبس الاحتياطي من عدمه- أياً ما كانت الاتهامات الموجهة إلى متهم، بسبب يعود لاستعمال حقه في التعبير والرأي، ولكنه تجاوز الحق في التعبير إلى حد التأثيم، ولا يتوقف ذلك الحد عند إسناد الوقائع التي تستوجب العقاب أو تلك التي تؤذي السمعة، أو التلفظ بعبارات تخدش الشرف والاعتبار، لا بل يمتد الاستثناء إلى جرائم أمن الدولة التي تقع بواسطة التعبير عن الفكر والرأي، بالقول أو بالكتابة وغيرها من الوسائل المحددة بالقانون الجديد.

أصبحت طبيعة الأفعال المنسوبة للمتهم محل اعتبار عند التقرير بالحبس الاحتياطي.

من الجرائم التي تتعلق بطرق التعبير، ويشملها القانون:

- العيب في الذات الأميرية.

- التحريض على قلب نظام الحكم والدعوة لاعتناق مذاهب ترمي لهدم النظم الأساسية للبلاد.

- المساس بالذات الإلهية والأنبياء.

- الإخلال بالاحترام للقضاة.

إن من المقرر في أصول وقواعد التفسير، أنه وإن كان لكل نص مضمون مستقل، إلا أن ذلك لا يعزله عن بقية النصوص القانونية الأخرى التي ينظمها جميعاً وحدة الموضوع، بل يتعين أن يكون تفسيره متسانداً معها وذلك بفهم مدلوله على نحو يقيم بينهما التوافق و ينأى بها عن التعارض، فالنصوص لا تفهم بمعزل عن بعضها البعض إنما تتأتى دلالة أي منها في ضوء ما تهدف إليه دلالة النصوص الأخرى من معانٍ شاملة، لما كان ذلك.

ولما كان ذلك وكان البين أن المشرع استعمل في المواد 25 و29 و19 من القانون 31 / 1970 والقانون 3 /2006 عبارات «بأي وسيلة من وسائل التعبير عن الفكر»، وأن استثناء المشرع لأحكام الحبس الاحتياطي، إنما ينصرف إلى أي اتهام بارتكاب جريمة سواء كانت جناية أو جنحة متى ما كانت الوسيلة التي ارتكبت الجريمة محل الاتهام من خلالها من وسائل التعبير عن الفكر والرأي أسوة بالألفاظ التي استعملها المشرع في تلك النصوص - وإن كانت صياغة الفقرة المُضافة على المادة 69 هشّة وعبارات مذكرتها الإيضاحية مُنبتّة الصّلة عن الإيضاح لكنها جعلت جميع الجرائم المتصلة بالتعبير عن الرأي والفكر تمتد أيضاً إلى بعض جرائم أمن الدولة لا يجوز لسلطة التحقيق حبس المتهمين احتياطياً.

وتمتد أيضاً مظلّة الحماية من تطبيق أحكام الحبس الاحتياطي على جريمة الإخلال بالاحترام الواجب لقاضٍ المؤثمة بالمادة 147 من قانون الجزاء.

ومن تلك النصوص، يتضح أنه لقيام المسؤولية الجزائية ما يورده المتهم من ألفاظ وعبارات، أحال المُشرّع بيان صورها إلى المادة 101 من قانون الجزاء، لبيان وسائل العلانية، ولما كانت هذه المادة قد أُلغيت بصدور القانون 31 /1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء، الأمر الذي أضحت معه الإحالة إلى المادة 101 سالفة الذكر لا محل لها بعد إلغائها، إلا أن ذلك لا يعني أن نص المادة 147 من قانون الجزاء لا محل لإعماله، وآية ذلك أن المادة 101 من قانون الجزاء قبل إلغائها – المحال إليها بموجب المادة 147 جزاء– لم تكن تحدد وسائل العلانية على سبيل الحصر، وإنما على سبيل المثال، ومن ثم لا أثر لإلغاء المادة 101 من قانون الجزاء على استمرار العمل بأحكام المادة 147 من قانون الجزاء، ويُترجم ذلك واقع الحال المُستقر عليه في الأحكام القضائية، بالتالي لا يجوز تطبيق القواعد المقررة في الحبس الاحتياطي، على من يتم التحقيق معه في جريمة الإخلال بوسيلة علانية، بالاحترام الواجب لقاضٍ أو لعضوٍ من أعضاء النيابة، كما كان الحال عليه في السابق، لكنه لا يمنع من قيام جرائم الجلسات، والتي في حقيقتها صورة مختصرة من المحاكمات التي تقع أثناء انعقاد جلسات المحكمة، ويقضي القاضي بحكم في ذات الجلسة ولا تعتبر حبساً احتياطياً.

كما يجب الوقوف أمام ظاهرة التوسع في الهدف من الحبس الاحتياطي، والأسباب التي جعلت منه تدبيراً احترازياً، فأضحى في مصاف العقوبات، والأسباب التي أفقدته ذاتيته وطبيعته الاحتياطية، علينا جميعاً أن نُعيد قراءة الفلسفة التشريعية لقواعد الحبس الاحتياطي بحيث لا يُساء استخدامه في مواجهة المتهمين الأبرياء.

لا ينال من ذلك القول بأن من يمارس حقه في التعبير عن رأيه، ونشره بالقول أو الكتابة أو الرسم أو غير ذلك، عن طريق وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي، لا يعد جريمة، فذلك مردود عليه بما نصت عليه المادة 36 من الدستور، بما مؤداه أن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بأي وسيلة من الوسائل، ولكن هذا الحق يمارس وفق ما يبينه القانون من ضوابط، ومتى ما جاوز في استعمال حقه تلك الضوابط، وكان ذلك التجاوز يشكل جريمة، فسوف يُقدم للمحاكمة على سند من أنه قد تجاوز في استعمال حقه، دون أن ينال من أن ما أتاه هو حق لكنه تجاوز فيه غايته، وليس أدل من ذلك ما يعرفه الفقه القانوني من نظرية التعسف في استعمال الحق.

بالتالي فإنه اعتباراً من يوم 18 مايو 2021 وهو تاريخ العمل بالقانون 1 / 2021 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، لا يجوز حبس متهم احتياطياً بارتكاب جناية أو جنحة، متى ما كانت الوسيلة التي استعملها المتهم في ارتكابها من وسائل التعبير عن الرأي والفكر، كالكتابة أو القول أو غيرهما ومنها الجرائم المشار إليها.

المساس بالذات الإلهية أو القرآن الكريم

نصت المادة 19 من القانون 3 / 2006 في شأن المطبوعات والنشر وتعديلاته على أن «يحظر المساس بالذات الإلهية أو القرآن الكريم أو الأنبياء أو الصحابة الأخيار...... بالتعريض أو الطعن أو السخرية أو التجريح بأي وسيلة من وسائل التعبير المنصوص عليها في المادة 29 من القانون 31 / 1970».

العيب في ذات الأمير أو التطاول على مسند الإمارة

نص المشرّع في المادة 25 من القانون 31 / 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء 16 /1960، على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علناً أو في مكان عام، أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أي وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر، في حقوق الأمير وسلطته، أو عاب في ذات الأمير، أو تطاول على مسند الإمارة».

هدم النظم الأساسية في الكويت

نصت المادة 29 من قانون 31 / 1970، على أن «كل من حرض علناً أو في مكان عام، أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام، عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسم أو الصور أو أي وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر، على قلب نظام الحكم القائم في الدولة وكان التحريض متضمناً الحث...ويحكم بنفس العقوبة على كل من دعا بالوسائل السابقة إلى اعتناق مذاهب ترمي إلى هدم النظم الأساسية في الكويت بطرق غير مشروعة..».

التشكيك في نزاهة القاضي

المادة 147 من قانون الجزاء تُعاقب كل شخص أخل، بوسيلة من وسائل العلانية المبينة في المادة 101، بالاحترام الواجب لقاضٍ، على نحو يشكك في نزاهته أو اهتمامه بعمله أو في التزامه لأحكام القانون، وتنص المادة 101 من قانون الجزاء الكويتي - قبل إلغائها- على أن «كل من حرض علناً في مكان عام، عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أي وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر».

حرية الرأي... والتعسف في استعمال الحق

نصت المادة 36 من الدستور على أن «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون».

ونظم المشرع نظرية التعسف في استعمال الحق في المادة الثالثة من القانون المدني، التي قررت بأنه «يكون استعمال الحق غير مشروع إذا انحرف به صاحبه عن الغرض منه أو عن وظيفته الاجتماعية، وبوجه خاص....» الأمر الذي يؤكد أنه يظل حقاً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي