بعد إحباط السعودية عملية تهريب ضخمة وحظْر استيرادها من لبنان
الخضار والفاكهة «المفخَّخة» بالمخدرات ليست مجرّد دراما في مسلسل «2020»
لم يكن عابراً تَزامُن القرار السعودي بمنْع دخول إرساليات الخضر والفاكهة اللبنانية إلى المملكة بعد إحباط تهريب مليونين ونصف مليون قرص من المواد المستعملة بصناعة «الكبتاغون» كانت مخفية في شحنة فاكهة رمّانٍ آتية من لبنان، مع الحبكة الدرامية لـ «العالم السفلي» للمخدرات، التي تتصدّر الشاشة في المسلسل التلفزيوني «2020» وإختيارها الخضر والفاكهة الوسيلة الأكثر مكْراً لتوزيع هذه الآفة وترويجها.
هل كان الأمر محض مصادفة أم هو محاكاة واقعية لعالَم هذه الجريمة المنظّمة ومَعالمها؟... ربما الأمران معاً فالنص الإبداعي لـ «2020» والأدوار المُبْهِرة لبطليْه (قصي خولي ونادين نجيم) عرّى واحداً من الأساليب الخبيثة في مسلسلٍ لا ينتهي من تهريب المخدرات والإتجار بها. ولعل هذه الحكاية (من كتابة بلال شحادات ونادين جابر) تصبح أكثر رواجاً على الشاشة بعد القرار السعودي الذي كشف عن أن الأمر ليس «دراما» فحسب إنما وقائع أفضت إلى قرارٍ كان له وقع الصدمة في بيروت.
فكيف تعلّق كاتبة «2020» نادين جابر على هذا الموضوع، وكيف يشرح رئيس مكتب مكافحة المخدرات السابق في لبنان العميد المتقاعد عادل مشموشي عمليات تهريب المخدرات عبر الفاكهة والخضار وسواها من الأساليب؟
بدايةً ردّت جابر على سؤالٍ حول ربْط البعض بين عملية إحباط تهريب شحنة «رمّان المخدرات» الى المملكة العربية السعودية وبين مسلسل «عشرين عشرين» وكأنهم حاولوا إسقاط عملية التهريب وأسلوبه على المسلسل، فقالت: «المسلسل جاهِزٌ للعرض منذ العام الماضي والكل يعرف أنه تم إرجاء عرضه من الموسم الرمضاني 2020 الى الموسم الرمضاني الحالي. وتهريب المخدرات بواسطة الخضار ليس بالأمر الجديد، ونحن قمنا بأبحاث ودراسات. ومَن يدخل محرك غوغل للبحث، هناك الكثير من المواضيع حول موضوع تهريب المخدرات بطرق مختلفة. ومثلاً اليوم تم إحباط عمليات تهريب عبر آلات النسخ».
وحين نسألها لماذا إخترتِ في المسلسل تهريب المخدرات عبر الخضار؟ تجيب: «لأن صافي (يقدم دوره قصي خولي) يعيش في حي شعبي، وبيع الخضار من المهن التي يسهل أن تتواجد في مثل هذه الأحياء. أنا لم أخترع البارود».
ونقول لها: عادةً هل تتواصلون مع جهات أمنية في هكذا نوع من الأعمال؟ فتردّ: «طبعاً، شعبة المعلومات كانت مُساعِدة لنا في المسلسل. هناك مَن يقولون إن الشعبة تبالغ في إنجازاتها، وهذا الكلام ليس صحيحاً لأن هذه الشعبة قوية وقادرة. لا يمكن كتابة موضوع ذات طابع أمني إلا بعد الاجتماع بشخصيات أمنية لمدّنا ببعض المعلومات».
وهل هم من أرشدوكم الى كيفية توضيب المخدرات في الخضار، من خلال تجاربهم مع العصابات التي تعمل في مجال التهريب؟ قالت: «كلا. لأن طريقة التوضيب معروفة».
وما طبيعة الاستشارات التي يقدمونها لكم؟ تجيب: «هم مثلاً يمكن أن يخبرونا أن التهريب يمكن أن يتم بواسطة الخضار أو غيرها من الوسائل، كما أخبرونا عن إنجازاتهم خلال عمليات القبض على المهربين. شعبة المعلومات أخبرتْنا قصصاً عجيبة غريبة عن أساليب تهريب المخدرات».
من جهته قال رئيس مكتب مكافحة المخدرات سابقاً العميد المتقاعد عادل مشموشي لـ «الراي»، تعليقاً على عمليات تهريب المخدرات عبر الخضار: «تهريب المخدرات بشكل عام، عملية تفنُّن يقوم بها تجار المخدرات، لمحاولة إخفاء المخدرات داخل السلع وخصوصاً في الشاحنات الكبيرة، كشاحنات الخضار وشاحنات المعدات الثقيلة، وهم يعتمدون على هذه الأنماط من عمليات الإخفاء، لصعوبة كشفها، لأنه يتطلب تفتيش آلاف الشاحنات المحمّلة بالخضار التي تنتقل يومياً من بلد إلى آخَر، أي تفتيش آلاف الحاويات التي تصل حمولتها إلى 7 آلاف»كونتينر«، ما يعني أن هناك صعوبة في التفتيش اليدوي، كما أن أجهزة الرصد والكشف»سكانر«تفشل أحياناً كثيرة في محاولات كشْف هذه المواد، لأنها تعتمد على كثافة المواد، فهم يعمدون الى إخفاء المخدرات داخل المواد المتجانسة من حيث الكثافة مع المخدرات».
أي أن عملية الكشف عنها مربكة للقوى الأمنية لذلك تعتمدها العصابات في التهريب؟ يجيب: «هي مربكة ومكلفة وتتطلب الكثير من الوقت، لكن ينبغي ألا تؤثر عمليات التهريب بشكل عام وتهريب المخدرات على وجه التحديد على التجارة العالمية. مكافحة المخدرات تتم من خلال التقصي عن عمليات التهريب والتحري عن الضالعين بها، لكشف الشبكات. لأن الأهمّ ليس كشف البضائع المهرَّبة بل كشف مَن يقف خلفها والعمل على توقيفهم. كما ينبغي اعتماد عقوبات زاجرة تتناسب مع حجم المَخاطر التي تنجم عن تهريب المخدرات».
وأضاف: «هذه ليست العملية الأولى لتهريب المخدرات من لبنان ولن تكون الأخيرة، بل نحن في صراع وتَسابُق بين أجهزة المكافحة وبين الضالعين بهذه الآفة. وهناك عدة أسباب ساعدت على تفشي هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة أهمُّها تَراخي الدولة اللبنانية عن تلْف المساحات المزروعة بالقنب الهندي والخشخاش، بالإضافة الى هشاشة الوضع الأمني على إمتدادِ الحدود بين لبنان وسورية، بدءاً من معبر المصنع وصولاً الى وادي خالد شمالاً، وهذا الأمر يدعو الى عدم بقاء الدولة اللبنانية مكتوفة، وألا تعتمد منطق طمر الرأس في الرمل كما تفعل النعامة والتعامي عن كل ما يحصل، بل عليها أن تقوم بواجباتها وأن تبادر الى اتخاذ خطوات جريئة من خلال بسط سيطرتها على منطقة البقاع الشمالي حيث توجد معامل تصنيع الكبتاغون، كما عمليات التهريب بين لبنان وسورية، وكذلك تعزيز منافذ العبور الجوية والبرية والبحرية بما يكفي من تجهيزات لكشف عمليات إخفاء المخدرات».
وتابع: «على الدولة اللبنانية أن تعقد اجتماعاً للمجلس الأعلى للدفاع لدرس هذا الموضوع، لِما ينطوي عليه من مَخاطر كبيرة، على المستوى المالي والإقتصادي والزراعي.. عدا عن أن سمعة لبنان اليوم على المحك على الساحة الدولية. وعلى المجلس الأعلى للدفاع أن يؤمن الغطاء الكامل للقوى العسكرية والأمنية وأن يدعوها الى إطلاق حملة بلا مهادنة في وجه كل الضالعين في عمليات الإجرام المنظّم، سواء تجارة المخدرات أو الاتجار غير المسموح بالأسلحة أو تهريب المواد المدعومة من لبنان الى سورية، لأن عصابات المخدرات تغطي عمليات الإجرام المنظّم وتتعاون فيما بينها».
وأردف: «كما ينبغي بالدولة اللبنانية التواصل مع الإخوة في المملكة العربية السعودية، ومعالجة هذا الأمر وطمأنتهم وأ تعرض عليهم ما ينبغي القيام به والتشاور في كل الخطوات، والتعاون بين الأجهزة المختصة وتحديداً مكتب مكافحة المخدرات المركزي في لبنان وإدارة مكافحة المخدرات في المملكة العربية السعودية، لوضع آليات عمل حقيقية وفاعلة لضمان خفض تهريب المخدرات الى أدنى مستوياته، وتفعيل دور المجلس الأعلى لمكافحة المخدرات برئاسة رئيس الحكومة وعضوية عدد من الوزراء المختصين كوزير الزراعة ووزير الداخلية ووزير الصحة، وغيرهم، وأن يقوم باعتماد وتبني خطة استراتيجية متكاملة لمكافحة المخدرات، وإلا سنبقى متخبّطين في هذه الآفة الخطيرة على كافة المستويات. والقول إننا نصدّر المخدرات لتخفيف الضرر على الشعب اللبناني، فهو قول مردود لأن نسبة تفشي المخدرات أصبحت عالية ومرتفعة جداً بالإضافة الى أن التداول بالمخدرات هو عمل لا أخلاقي تحرّمه كل الاخلاقيات والآداب والمواثيق الدولية والأديان كما القوانين».
وعن أنواع الخضار والفاكهة التي تستعمل للتهريب، يقول العميد مشموشي: «كلها. تجار المخدرات عملهم هو تضليل أجهزة المكافحة وابتكار طريق للتهريب. أحدهم كان يضع المخدرات داخل الملفوفة وهي صغيرة وينتظر إلى أن تكبر، ثم يقوم بتصديرها، والأمر لا يقتصر على الرمان وحسب».
والى أي دول يتم تهريب المخدرات؟ يجيب: «لبنان كان يُنْتِج 3 أنواع من المخدرات هي: كميات كبيرة من الحشيشة التي تُستخرج من القنب الهندي، وكان يصدّر الى كل الدول العربية، وخصوصاً مصر وليبيا بالإضافة الى دول الخليج، كما إلى أوروبا. وأخيراً دخلتْ على الخط عمليات تهريب الكبتاغون إلى دول الخليج العربي عبر لبنان. ولكن بعد الأزمة في سورية وتفلُّت الأوضاع فيها وضعف الرقابة على الحدود بينها وبين لبنان، نُقلت ثقافة تصنيع مادة الكبتاغون الى لبنان، وأصبح يُصنَّع جزء كبير منها فيه بالتعاون بين تجار لبنانيين وسوريين، وهذا الأمر لم يُواجَه كما ينبغي، وعلى الدولة اللبنانية أن تبادر الى تمكين أجهزة المكافحة وأن تزوّدها بكل الإمكانات اللازمة كي ترفع من مستوى كفاءتها لمحاربة هذه الآفة».
وهل لبنان دولة مصدّرة للمخدرات فقط أم أنه يمكن أن يكون دولة ترانزيت في عمليات التهريب؟ يردّ: «الكبتاغون غالبيته ترانزيت، ولكن في الأعوام الخمسة الأخيرة، وبسبب الحرب في سورية، لجأ تجار المخدرات في سورية الى الأماكن المحاذية للحدود، وأنشأوا بمشاركة تجار لبنانيين مصانع لتصنيع الكبتاغون في منطقة بعلبك - الهرمل ووادي خالد. قبْلها كانت كل البضائع تأتي الى لبنان، وكان التجار السوريون يصدّرونها مع البضائع والخضار التي تُصدَّر الى دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية. وبعدما إكتشف الأخوة السعوديون هذا الأمر، صاروا يتشددون بتفتيش المنتجات القادمة من سورية، وجمْع المعلومات عن التجار وكشفهم. وعادةً يبتكر التجار أساليب جديدة، فصاروا يأتون بالمخدرات الى لبنان ويعاد تحميلها منه إلى الخليج مباشرة أو عبر الدول العربية في أفريقيا. مثلاً كانوا يرسلونها الى السودان ومنه الى الخليج أو إلى مصر ومنها الى دول الخليج العربي».
وهل كانت تصلكم إخباريات تساعدكم في كشف المهربين؟ يجيب: «مهمة مكتب مكافحة المخدرات جمْع وتقصي المعلومات للتحري عن الأشخاص الضالعين في الأنشطة غير المشروعة، وهي عملية معقدة جداً ولكنها الأهمّ، أي أهمّ من العمليات الميدانية. العمليات على أرض الواقع تصبح تفصيلاً».
وكم تبلغ نسبة تهريب المخدرات بواسطة الخضار والفاكهة مقارنةً مع الأساليب الأخرى؟ يقول العميد مشموشي: «لا يمكن التمييز بين وسيلة وأخرى. عادة يلجأ تجار المخدرات الى دسّها مع السلع التي تُصدَّر من بلد منشأ المخدرات إلى البلد المستهلك. غالبية المواد التي تُصدَّر من لبنان الى السعودية هي الخضار. ولبنان ليس بلدا صناعياً. كما تُستخدم هياكل السيارات، ويصار أحياناً إلى تصدير المخدرات بقوالب خشبية كالطاولات والكراسي، أي الانتيكا، وأيضاً بالمعدات الثقيلة كالجرافات لأن سماكة الحديد تحول دون اختراق الاشعة لها».