نعلم نحن - الكويتيين - أن من بين رموز وأقطاب تكتّل المعارضة مسؤولين سابقين تطاولوا على المال العام في قضايا شهيرة عدّة، ومعهم نوّاب سابقون وحاليون «قبّيضة» انتفعوا بأشكال مختلفة من عضويتهم البرلمانية، ولكننا مختلفون في اعتبار أن هذا الواقع الفاسد ينسف مصداقيّة التكتّل في تبنيه الإصلاح ومكافحة الفساد. فهناك مجاميع تعتقد أن التكتّل الفاسد مؤهل لقيادة الإصلاح، لمجرّد كونه أقل فساداً من الجناح الحكومي.
ونعرف أن الإرث التشريعي للتكتّل ملطّخ بتبني وإقرار قوانين مقيّدة وقامعة للحريّات، ومن بينها قانون إعدام المسيء. وندرك أن السجلّ البرلماني للتكتّل ملوّث بمواقف معادية لمشاريع قوانين كانت ستعزز الحرّيّات، وأحدثها موقف نوّابه الرافض مشروع قانون إلغاء عقوبة الحبس من أحد مواد قانون المطبوعات والنشر. ورغم ذلك، بيننا من يظن أن التحول الدراماتيكي في موقف التكتّل من الحريّات تحول مبدئي وليس مصلحياً مقتصراً على منفعتين: إسقاط عقوبة الحبس عن أعضائه المدانين، وتحصين كوادره في النسخة الثانية من حراك الربيع العربي.
وندري أن تكتّل المعارضة يحتضن عدداً كبيراً من الفئويّين المتطرّفين البارزين، وهم في صفوفه الأولى وفي مواقع قيادته، ولكننا مختلفون في اعتبارهم خطراً كامناً يهدّد السلم الأهلي ويهدم مصداقيّة التكتّل في ادعائه التحوّل من النهج الطائفي إلى الوطني. فهناك جماهير تعتقد أن عقلاء التكتّل - الذين تقاعسوا على مدى سنوات طويلة عن مواجهة الفئويين المتطرّفين - قادرون على احتواء زملائهم المتطرفين!
وهناك من يبرّئ ساحتهم من جرائم انتهاك حقوق الأقليّات، بحجة أنهم لا سلطة لديهم ولا نفوذ! أقول للساعين في تجميل واقع المعارضة من خلال تزييف قيم ومبادئ الإصلاح، إن جميع نهضات الإصلاح التي نجعت في الغرب والشرق رفضت منذ بداية نشأتها وجود سرّاق المال العام ومقيّدي الحريّات والفئويين المتطرفين بين صفوفها مثلما رفضت وجودهم في مواقع القرار. وأقول لهم أن مساعي الإصلاح التي شارك في قيادتها أمثال هؤلاء انتهت بحروب أهلية أضرّت بالعباد ودمرت البلاد كما حصل في سورية، وكلنا نعلم علاقة رموز من المعارضة الكويتية بمجاميع المعارضة المسلحة في سورية.
أتساءل، لماذا علينا أن نصدّق أن الشخص النائم على سرير جدّة ليلى هو الجدّة لمجرد أنه لبس ثوبها وتموضع في مكانها وتقمّص شخصيّتها؟ ولماذا علينا أن نتجاهل شراسة أنيابه رغم أنها نهشت كتف الجسد الكويتي مراراً وتكراراً وكان آخرها عند عودة مواطنين كويتيين من إيران في بداية الجائحة؟ ولماذا علينا أن نصدّق بأنه خلع أنيابه رغم إصراره على إبقاء فمه مطبقاً ورفضه فتحه للاعتذار عن تصريحاته التنمّريّة ومواقفه المتطرّفة السابقة؟ على المعارضة المبادرة بخطوات جريئة لبناء الثقة، أولها الاعتذار لضحاياها، ويليه التبنّي الصريح للنهج الوطني من خلال مشاريع تؤسّس وترسّخ ركائز التعددية في الكويت، من قبيل تنقيح وتطوير مناهج وزارة التربية، بحيث يتم تطعيمها بدروس تشرح بموضوعيّة الآراء الدينية المتباينة حول القضايا الخلافية، حتى نحصّن الأجيال الصاعدة من براثن الجهل والتكفير.
وأنا بدوري أزكّي الدكتور حسن جوهر لإدارة ملف تنقيح وتطوير مناهج وزارة التربية لسببين: الأول مسؤوليته التاريخية عن وضع المناهج الحالية لكونه عضواً مخضرماً في اللجنة التعليمية، والثاني لإشغاله بما يفيد الشعب والأمّة عوضاً عن مناظرة الرئيسين حول قضيّة دستورية شائكة بعيدة عن تخصصه وتخصّصيهما.
وأختتم قائلاّ: إن انخفاض مستوى فساد المعارضة مقارنة بفساد الحكومة، ليس نتاج فضيلة أو تورّع، بل لمحدودية نطاق صلاحيّاتهم ومد أيديهم، وإن الاعتقاد بأن هذا الفساد لن يزداد بتمكينهم من مفاصل الدولة ليس إلا دليلاً على عجز عن إدراك حقائق الأمور. والأمر نفسه ينطبق على موقفهم من الحرّيّات وحقوق الأقليّات... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com