ابتسم.. أنت في أم الدنيا
الحديث عن أم الدنيا إن عرفت له بداية فإنك لن تجد لآخره طريق.. هو حب، هو فخر، وهو حنين من نوع آخر لا يمكن أن تصف نكهته للآخرين.
(أم الدنيا) كما يحب أهلها أن تعرف ويحب العرب أن يناديها هو وصف تفردت به مصر العربية دون بقية بلاد العالم.
إذا تساءلت يوما لماذا؟، ستعرف الإجابة عندما تطأ قدماك هناك، ستجد إجابات مختلفة وستقرأ عن هذا السر فورا على وجوه السائحين والزائرين والدارسين والمقيمين على أراضيها، وستشعر حينها بحلاوة احتضانها لكل الناس بكافة أطيافهم واختلاف ألوانهم ومسافات بلدانهم.
لقد احتفل العالم أخيراً بعيد الأم واخترت أنا أن أحتفل بأم الدنيا التي تستحق منا هذا التكريم، تقديرا من شخصي البسيط لها، وحنينا لرؤيتها، حيث مضى وقت طويل منذ أن زرتها لأول مرة، ورغم ذلك إلا أنها لم تفارق مخيلتي، الصور والمشاهد النابضة بالحياة والمحتشدة بثراء الحضارة والقيم وتاريخ عريق أبصرته بملء عيني، ما جعلني استرجع كل قراءاتي واطلاعي على تاريخ هذه الحضارة الممتدة التي جعلت منها قلب العروبة النابض.
لطالما كانت مصر ومنذ العصور القديمة وحتى الآن مقصدا للرحالة والمستشرقين من كافة أنحاء العالم، ولا تزال تشكل دوما في عيون هؤلاء القادمين من وراء البحار مقصدا، فهي قبلة الجمال والحضارة، يظهر متجليا في سحرها الأخاذ وتفاصيل أخرى تلمس أثرها في عادات ونمط حياة أهلها الطيبين.
لقد ألهمت مصر شعوب العالم العربي فنيا وثقافيا وظلت على العهد حتى اللحظة وأن كل من يمتلك أدوات الابداع الأدبي في منطقتنا العربية لابد ان يرنو ببصره تجاه مصر، وان تمتد الصلة إلى الأدباء والروائيين في مصر حيث دور النشر والطباعة والفرص الحقيقية في الادب والفن، فقد عرفت مصر تكنولوجيا الطباعة كأساس لصناعة النشر والكتاب قبل غيرها من بلدان المشرق، وعرفت الفنون الأدبية المتنوعة كالرواية والقصة والمسرح والموسيقى ازدهارة لم يعرف له مثيل في المنطقة على مدى قرون بفضل انفتاح مصر على الحضارة الغربية واستيعاب ارثها العريق لثقافات متباينة من حوض البحر المتوسط والفضاء الأوروبي، لقد تعددت زيارتي علي مدي سنوات لمصر، مشاركة في فعاليات ثقافية واعلامية متنوعة وفي كل مرة ازورها اكتشف انها متجددة، متحضرة، رائدة وجميلة كما كانت دومأ، وربما لا اجافي الحقيقة اذا قلت إن خصائص الموقع الجغرافي لمصر في قلب العالم العربي وملتقى البحرين المتوسط والأحمر وكونها ايضأ ملتقى طرق التجارة العابرة لقارات العالم، كل هذا وغيره مكنها من اسباب الريادة علي مستوي العالم العربي فتعاظم تأثيرها ثقافية وفنية وسياسية وكلما زرت مصر وتجولت بمدنها الكبيرة على شواطئ النيل وسواحل البحر المتوسط وسرحت الطرف بمعالمها الأثرية، أهراماتها، قصورها ومعابدها القديمة، يتضح أمامي متحف ضخم من التاريخ الضارب في القدم لشعب عاش الحياة وعرف قدرها.
لا يمكنني إيفاء أم الدنيا حقها من الحب والتقدير فقد بادلني اهلها بأفضل منه ولا من الثناء والصيت الحسن من بين بلاد العالم قاطبة ضمن مقال صحافي محدود الكلمات، بالطبع يتجاوز الأمر مقالات بل وكتب في سيرة البلاد التي احببتها، وعرفت فيها وتعرفت على أصدقاء امتدت صلتي بهم وزادت أبعادها هنا في الكويت، فقد زاملت الكثير من الإخوة والأصدقاء من شتی مدن مصر وأريافها في مؤسسات الدولة المختلفة بالكويت في كل المجالات عرفت فيهم الوفاء والكرم والسعي لخدمة الناس والجدية في أوقات العمل والانجاز، حفظ الله مصر ذخرا لأهلها ومحيطها العربي، حفظ الله لي أم الدنيا.