هيل إلى بيروت هذا الأسبوع والعقوباتُ الأوروبية «على النار»
لبنان «يضرب رأسه» في الجدار الحكومي والانهيار... يتسارع
... عيْنٌ على حرب 13 أبريل 1975 التي مضتْ ولكن ترسيماتها «السحيقة» ما زالت محفورةً في الأبعادِ العميقةِ للمأزق الشامل الذي يقبض على لبنان الفاقد كل مناعةٍ تجاه الأزمات القاتلة، وعيْنٌ على ومضاتٍ من التاريخ الأسود الذي كَتَبَ فجر 15 أبريل 1912 نهايةً مأسويةً لسفينة «التايتانيك»، التي لم يَعتقد أحدٌ أن بلداً قد «يركبها» يوماً في طريقٍ لم تبقَ منه إلا أمتار قليلة قبل الارتطام الكبير.
هكذا تبدو بيروت عشية أسبوعٍ سـ«تعود» فيه حرب الـ 15 عاماً للمرة 31 منذ انتهائها (العام 1990) على شكل ذكرى ربما لا تتوافر ظروفُ ولا نياتُ «إحيائها» بمعناها العسكري، ولكن لبنان يعيش تشظياتِ ما هو أسوأ منها على صعيد واقعه المالي والاقتصادي والمعيشي الذي صار «حُطاماً»، وسط طغيان المخاوف من أن يكون «الأوان قد فات» لتفادي «الطوفان» المدمّر الذي يُخشى أن تغرق معه حتى أسطورة طائر الفينيق المنبعث من... الرماد.
و«التايتانيك» اللبنانية لن تحتفلَ بذكرى الحرب على وقع الموسيقى التي رافقتْ «آخِر أنفاس» السفينة العملاقة... فحتى هذا «الرحيل الأسطوري» لن تنعم به «بلاد الأرز» التي يطغى على رحلة سقوطها نحو القعر «صليل» عقوباتٍ خارجية آتية، وقرقعة انفجارٍ اجتماعي يزداد هديره يوماً بعد آخر، وأنين جائعين خلف جدران بيوتاتٍ تستعدّ لرمضان سيحلّ هذه السنة بـ«شق النفَس»، بلا فرحٍ خنقتْه أزمة الدولار التي أفقرتْ المائدةَ الرمضانية، ولا أضواء «قتلتْها» عتمةُ الكهرباء، بانتظار فرَجٍ صار الانفجارُ يسبقه بأشواط.
وإذا كانت أزمةُ تشكيل الحكومة الجديدة باتتْ «القفلَ والمفتاحَ» في الواقع اللبناني وإمكان خروجه من الحفرة قبل الاصطدام المروّع، فإن وقائع الأيام الماضية لم تشهد ما يشي بأن لعبة «ليّ الأذرع» الداخلية بامتداداتها الإقليمية تقترب من نهايتها، رغم كل الضغوط الخارجية التي عبّرت عن نفسها عبر حركة مصرية وللجامعة العربية في اتجاه بيروت، ورفْع باريس «أعلى صوت» بإزاء المماطلة في تأليف حكومة المَهمة، مع تلويحٍ بعقوباتٍ على شكل منع سفر وتجميد أموال تشير تقارير إلى أنها أصبحت قاب قوسين وقد تتبلور بعد اجتماعٍ لوزراء خارجية الاتحاد الأوربي في غضون نحو أسبوع.
وفي حين تتقاطعُ الحركة العربية - الفرنسية حيال الأزمة اللبنانية عند وجوب تشكيل حكومة من اختصاصيين غير حزبيين وبعيداً من أي محاصصة حزبية وسياسية وتالياً بلا ثلث معطّل لأي فريق وبلا أي محاولاتٍ للعودة إلى صيغة التكنو - سياسية، باعتبار ذلك شرطاً للإفراج عن أي دعمٍ مالي دولي للبنان، فإنّ الولايات المتحدة وبعد ما يشبه الانكفاء عن الانخراط المباشر في الملف اللبناني في غمرة انهماك الإدارة الجديدة بجبهاتٍ أخرى، بدت وكأنها تعطي إشاراتِ اهتمامٍ أكبر من دون الخروج عن منطوق المبادرة الفرنسية ومرتكزاتها.
وغداة تأكيد وزيريْ الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والفرنسي جان ايف لودريان في اتصال بينهما (الجمعة) على القادة السياسيين في لبنان «تحقيق إصلاحات حقيقية تخدم مصالح الشعب اللبناني»، في موقفٍ جاء على وهج تهديد لودريان بأن «بلاد الأرز» أمام «أيام مصيرية» كاشفاً أن بلاده بصدد «اتخاذ إجراءات بحق مَن عرقلوا حلّ الأزمة» الحكومية، فإن واشنطن ستدخل الأسبوع الطالع على الملف اللبناني عبر «معاينةٍ ميدانية» ستوفّرها زيارة وكيل وزارة الخارجية ديفيد هيل لبيروت من ضمن جولة تشمل عدداً من دول المنطقة.
وتشير معطياتٌ إلى أن هيل سيتناول عنوانين رئيسييْن: الأول الملف الحكومي عبر الحض على الإسراع باستيلاد تشكيلة مقبولة دولياً، حيث نقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر مطلعة أن «واشنطن ستقرر التعاون مع الحكومة العتيدة أو مقاطعتها بعد أن تطّلع على طبيعتها، وأن هيل سينقل رفض إدارته لتحكّم أي فريق سياسي بقرار مجلس الوزراء العتيد، أكان رئيس الجمهورية ميشال عون أو التيار الوطني الحر أو حزب الله، وأن انضمام فاسدين أو جهات مصنّفة على لائحة أميركا السوداء إلى الحكومة، لن يسعفها كثيراً في نيل ثقة المجتمع الدولي».
والثاني ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وخصوصاً في ضوء محاولة بيروت الخروج من «الاتفاق - الإطار»، الذي انطلقت على أساسه المفاوضات برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية قبل تعليقها، وذلك على قاعدة اقتراح تعديل مرسوم الحدود البحرية اللبنانية (الصادر العام 2011) لإضافة مساحة 1430 كيلومتراً مربعاً إلى الـ 860 كيلومتراً مربّعاً التي يجري التفاوض في شأنها، بما يجعل حقل «كاريش» ضمن منطقة متنازَع عليها ويقطع الطريق على بدء شركة «إنرجين» عملها فيه بعد نحو شهرين. علماً أن هذا التعديل علِق في شباك خلافاتٍ سياسية لبنانية اتخذت شكل «مَن يوقّع» المرسوم أولاً، وما زالت حتى الساعة تحول دون إنجازه.
وفي حين دعت أوساط سياسية لرصْد أجندة لقاءات هيل اللبنانية والتي يُنتظر أن تُلاقي بطبيعة الحال المقاطعة التي خصّ بها وزير الخارجية المصري سامح شكري رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وخصوصاً أن الأخير مدرَج منذ نوفمبر الماضي على لائحة العقوبات الأميركية، فإنّ «التيار الحر» لم يُبْدِ أي إشارات مرونة في الملف الحكومي بل بقي مستظلاً شعار «الحكومة مهمة جداً، لكن التدقيق الجنائي أهمّ بلا مزيد من المماطلة والهرب إلى الأمام» وفق «المعركة» التي أطلقها الرئيس عون قبل أيام واتُهم فيها بأنه «يضع العربة أمام الحصان».
وقد عبّر بيان «التيار الحر» أمس، عن هذا المنحى المتشدّد، إذ ردّ ضمنياً على الاتهامات لفريق عون بأنه يريد الثلث المعطّل في أي حكومة، آخذاً على الرئيس المكلف سعد الحريري أنه «يسعى لتأخير تشكيل الحكومة، ويأتي في هذا السياق تفشيله للمسعى الفرنسي الأخير (لعقد لقاء بين باسيل والحريري)»، وأن «نياته الحقيقة السعي للحصول على نصف أعضاء الحكومة زائد واحد».
وعلى وقع الأفق المقفل حكومياً، استغربت الأوساط السياسية إدخال تأجيل الجانب العراقي زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوفد المرافق التي كانت مقررة لبغداد في 17 الجاري، في «الحروب الصغيرة» اللبنانية ومقاربة خلفيات إرجائها من زاويةٍ قد ترتّب تداعيات ديبلوماسية على العلاقات مع العراق.
إذ بعدما عزا المكتب الإعلامي في رئاسة الوزراء اللبنانية قرار التأجيل بأنه «لأسباب عراقية داخلية»، ذهبت تقارير في وسائل إعلام قريبة من «حزب الله» إلى اعتبار الأمر رضوخاً من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لضغوط طرف إقليمي والحريري بهدف «خنق لبنان» وزياد الضغوط «لانتزاع استسلام فريق رئاسة الجمهورية وإقصاء حزب الله عن الحكومة». وقد سارع الحريري لنفي «الخبر الملفق بنسبة 100 في المئة والذي يشكل إساءة متعمدة لرئاستي الحكومة في العراق ولبنان».
ومعلوم أن زيارة دياب كان هدفها توقيع اتفاق مبدئي للحصول على 500 ألف طن من النفط مقابل خدمات صحية وطبية، ثم أكثر من مليونَي طن.
وفيما اعتُبر التصويب على الرئيس المكلف في موضوع زيارة العراق «رسالة» له، ليس حزب الله بعيداً عنها، بإزاء تصلُّبه في الملف الحكومي، تزداد فصولُ الشقاء اللبناني وسط تناسُل الأزمات التي باتت تستجرّ إشكالاتٍ يومية منها عِراك بين القصابين وتجار اللحوم والماشية في وسط بيروت، بسبب خلافٍ على التسعيرة، تخلله تضارب بالسكاكين قبل أن يحصل إطلاق نار من رشاش حربي ما أدى لوقوع جريحين أحدهما أصيب برصاصة في رجله والثاني إصابته طفيفة بسكين في رقبته، ناهيك عن أزمة الخبز التي تتكرّر وهذه المرة بسبب خلاف بين وزارة الاقتصاد ونقابة أصحاب الأفران حول زنة وتسعيرة ربطة الخبز.