No Script

قيم ومبادئ

سيادة الشعب!

تصغير
تكبير

حرص الإسلام على وقاية الناس من عبادة العباد وجور السلطان، وحال بين الحكام وبين أن يستعبدوا الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً!

ولذا ألزم الحاكم بالشورى وهي في مؤداها تهدف إلى تحرير الإنسان من الخضوع لغير الله.

ولعل باستقراء السوابق التشريعية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه الراشدين، يظهر لنا بجلاء مدى ارتباط الشورى بعقيدة التوحيد، هذا الارتباط العضوي اللازم لبقاء الأمة الإسلامية محتفظة بخيريّتها بين الأمم لقيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهذه المشاركة في الحياة العامة تحول بين الناس، وبين أن يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله.

فالإسلام دين الحرية ونظام الحكم الإسلامي يمتاز بكفالة الاختيار الحُر للحاكم من قبل أهل الحل والعقد وعندما يقرر الإسلام الحرية فإنه يهدف إلى بناء الإنسان القادر على إبداء الرأي والتعبير عما يعتقد، ولم يقيد حرية الفرد إلا في الحدود التي يقتضيها الصالح العام وقيود الشرع والحلال والحرام كما حرم الإسلام الانطلاق مع الشهوات والنزوات بغير قيد حتى لا تتعدى هدفها.

كما أنّ للحرية ضابطاً آخر دقيقاً وهو إدراك الفرد لمراقبة الله تعالى لسلوكه، وبالتالي إيقاظ الضمير المؤمن بالله الذي يخاف الله في السياسة والتجارة وسائر معاملاته مع الناس.

فهناك حرية المجتمع في رعاية مصالحه واختيار نظامه وحرية الفرد في أن يشارك بإبداء رأيه مع الآخرين، وليساهم في بناء مجتمعه، وبذلك تحقّق الشورى التوازن بين حرية الفرد ونظام الجماعة وهنا تأتي مقولة: (الإسلام صالح لكل زمان ومكان).

بمعنى أنّ لكل دولة أن تتّخذ الشكل الذي يتلاءم مع ظروفها وتتبع الطريقة التي تتفق مع أصولها والكيفية التي تحقق مصالحها، وبذلك يوائم المسلمون بين النصوص وبين متطلبات الأزمنة والأمكنة، التي تطبق فيها شريعة الإسلام والحكمة هي أن يكون الأمر شورى بغض النظر عن الأسلوب أو الشكل الذي تتحقق به المشورة، وهذه هي سعة رحمة الله تعالى وحفظ لحق الأجيال القادمة في اختيار النُّظم المُتجددة دوماً والتي تفي بحاجاتهم ومصالحهم.

ومن جماع ما تقدم تبرز لدينا فكرة الثابت والمُتغيّر في النظام السياسي، إذ إنّ مبدأ الشورى ثابت دائم أما الشكل فمُتغيّر ومُتطور.

والمرونة في الشريعة لا تعني التخلي عن مصدر الالتزام، فالدولة المسلمة تلتزم بما ورد في القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة، فإذا وجدت فيهما الحكم وَجَب المصير إليه، وإذا لم تجد فيهما الحكم نظرت في الإجماع ثم القياس والاجتهاد.

إن الاستبداد السياسي سواء كان من الشعب أو من الحاكم أو من المعارضة السياسية، هو أساس كل فساد وأصل كل بلاء يجعل الناس مجرد أرقام أو أشباح بلا أرواح أو إرادة أو كرامة، فكم أفسد من عقول راجحة وكم تلاعب بالدين فمحاه، وكم حارب من العلوم فَضَيّعها، والأسوأ من الاستبداد تجاهل أثره والتعامي عن خطره، وكما كان الإسلام حريصاً على مصالح الأمة ودرء المفاسد عنها، فرض الشورى لحماية الأمة من مساوئ إعجاب القائد برأيه ورغبته في فرضه على الناس، وهكذا يضع المُستبد نفسه فوق شعبه وفوق السلطات الدستورية، كما أن الشورى ترجع الحاكم إلى حجمه الطبيعي كلما حاول التطاول، وعليه فليس لمخلوق أن يفرض رأيه على أمة وأن يصدر أحكامه واتجاهاته عن فكرته الخاصة، غير آبه لمَن وراءه من أولي الألباب والحزم، ومهما أوتيه المعارض من بسطه في مواهبه وسعة خبرته وتجاربه وشعبيته، فلا يجوز أن يتجهم للآراء الأخرى المعارِضة له ولا أن يلجأ لغير المناقشة الحرة والإقناع لمجرد ترجيح قول على قول أو رأي على رأي.

أما عبادة الطغاة المستبدين فهي ديانة تُعارض التوحيد وهي ديانة زاحمت الإسلام الحق وجعلت العقول النيرة تهاجر وتتوارى، والإمّعات تتكلم بصوت جهير، ويُغدق عليها المال الوفير.

الخُلاصة: الشورى تعني لسلطة الحكم الثبات والاستقرار، لأنه في ظل وجودها تكفل الحريات، فلا يلجأ أحد إلى المؤامرات والانقلابات؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي